خيرة بوعمرة لم يكن الممثل محمد جابر محمد عبد الله (1941 2015)، أو نور الشريف كما لقبته السينما المصرية، عابرا في مسيرة السينما المصرية الطويلة، ولكنه هرم من أهرامها، وقامة استحقت لقب "ابن رشد السينما" الذي أضاء بريق اسمه واجهات دور العرض العربية، ليصبح نور اسما على مسمى، ومرجعا لأجيال جاءت بعده وأجيالا مُقبلة ستظل تتعلّم من تلك الأدوار التي قدمها على مدار خمسين سنة من العطاء، وهو الذي استطاع أن يخلق بمفرداته وأدواته شخوصا لم تتكرر في تاريخ السينما العربية. كانت بداية نور الشريف مع فيلم قصر الشوق العام 1966 مع المخرج حسن الإمام، ليقدم في مساره الفني ما يربو عن ال200 فيلم سينمائي وعشرين مسلسلا تلفزيونيا، ومجموعة مسرحيات، واللافت في مسيرة الشريف الطويلة تلك الأدوار الإشكالية التي قدّمها سواءً في السينما أو الدراما.
نور الشريف الخليفة العادل والعلامة الزاهد وكانت مسلسلاته "عائلة الحاج متولي"، "لن أعيش في جلباب أبي"، "الدالي"، "عمر بن عبد العزيز"، "هارون الرشيد"، من أهم المسلسلات التي قدمتها مصر للمشاهد العربي، وخاصة العملين الدراميين التاريخيين عمر ابن عبد العزيز وهارون الرشيد الذين اعتبرا نقلة نوعية في مسار نور الشريف والدراما المصرية في نفس الوقت، واللذين حوّلا هذا الفنان من ممثل إلى شخصية عربية تحاكي التاريخ العربي الإسلامي و تستحضر أعلامه بشكل فني درامي لم يتكرر في تاريخ الدراما العربية. كما كان دوره في فيلم "ناجي العلي" (1992)، الذي قدّم خلاله دور الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، والذي أثار ضجّة واسعةً حينها، بسبب انتقاداته لعدّة أنظمة عربية، كان النظام المصريّ واحداً منها. كما شكّل دور ابن رشد في فيلم المصير العام 1997 للمخرج الراحل يوسف شاهين نقلة في تاريخ السينما المصرية، وهو العمل الذي سلّط الضوء على الصّراع بين التيّار الفكري الذي تبنّاه ابن رشد، القائم على إعمال العقل والمنطق، وذاك التيّار الذي اتّخذ من السّلف مصدراً للتشريع. في إسقاط واضح على واقع العالم الإسلامي. وجاءت هذه الأعمال التي وصفت بأفلام القضية أو السينما الملتزمة، تأكيدا على مبدأ نور الشريف الذي كان مؤمنا بفكرة أن الفنان حزب مستقل، وقلم يتحرك على قدميه، فقد كان دائم البحث عن الحقيقة وناقدا لسلبيات الحياة، وهو ربما ما جعله يتقمص كل أنواع الشخصيات فقدم دور الشاب المستهتر، والرجل الرومانسي، والمتظاهر الثائر، والسارق المنتقم، والأستاذ الجامعي، والمصور الصحفي، ولاعب الكرة، والأب الملتزم، الرجل العصامي، بالإضافة إلى الشخصيات التاريخية والسير الذاتية، وأدواره الثرية في الأعمال المأخوذة عن روايات عالمية.
"الدالي" يورط اسمه في لعبة السينما التجارية لكن نور الشريف لم يقاوم موجة الأعمال التجارية، واعترف بنفسه بهذا في عديد التصريحات التلفزيونية، حيث سقط الشريف في بداياته في غمرة السينما التجارية بحثا عن التموقع في الساحة حيث قدّم حينها عددا من الأعمال التجارية الجريئة والتي بررها الشريف بمبدأ البدايات تبيح الأخطاء في الاختيارات، فقد حينها الشريف عددا من الأفلام الجريئة التي لم تكن تحظى باهتمام عامة المشاهدين العرب، والتي حصرت نجومية الشريف بدل أن توسعها، كما أنها جعلت من السينما المصرية عنوانا للإثارة وعدم احترام خصوصية المشاهد العربي. ليتدارك الشريف بعد سنوات أخطاءه بعدد من الأعمال الدرامية المتميزة التي أعادته إلى الواجهة من جديد نهاية الثمانينيات عبر التلفزيون ليقدم عددا من المسلسلات المتميزة والتي أضافت لنجومية الشريف الكثير. ليعود في سنواته الأخيرة إلى السقوط من جديد في فخّ السينما التجارية التي طبعت السينما المصرية منذ سنوات، والتي أحالت الكثير من النجوم المصريين على التقاعد وهو ما لم ينطبق على نور الشريف، الذي ورغم تجربته الفنية الكبيرة ورغم تقدمه في السن إلا أنه اختار توريط اسمه في لعبة السينما التجارية ليوقّع اسمه على عدد من الأعمال الجريئة على غرار فيلم دم الغزال الذي قدم فيه مشاهد جنسية فاضحة وهو الدور الذي قدمه في بنفس الشكل في عدد من الأفلام السابقة واللاحقة على غرار فيلم "الصرخة" "أهل القمة"، "العار"، "ليلة ساخنة"، "زمن حاتم زهران"، "قاهر الزمن"، "البحث عن سيد مرزوق". والتي جعلت عشاق ابن رشد السينما المصرية يضيعون بين اختياراته الفنية المتباينة بين الشخصية التقية الورعة لنور الشريف في فيلم هارون الرشيد وابن رشد ..والشخصية الملتزمة في جواد العلي والشخصية المثيرة في العار وحبيبي إلى الأبد.