مشهد الطفل السوري الملقى على الشواطئ التركية هز الضمير العالمي من مشرقه إلى مغربه، ولكن ويا أسفاه لم يهز القلوب الميتة في كثير من حكام العرب وعلمائهم الذين أبتليت بهم الأمة أيما ابتلاء، فبالأمس كانوا ينظ ِّرون لثقافة الموت والجهاد بدعوى تحرير السوريين من عبودية وطغيان بشار الأسد، لكنهم اختفوا فجأة فلم نسمع لهم ردة فعل، ولم نسمع لهم كلمة عن جثث السوريين المتناثرة في عرض المتوسط شمالا وجنوبا، جثث أدمت قلوب الألمان والنمساويين فتظاهروا في الشوارع والملاعب طلبا لإغاثة السوريين ونجدتهم، سوريون فروا من جحيم ثورة مجنونة رسم معالمها هؤلاء بالتواطؤ مع أعداء سورية، ثورة تحولت لجريمة في حق السوريين وأي جريمة؟ جريمة إنسانية في حق الشعب السوري لم يرتكبها بشار وحده، بل اشترك فيها كل من نفث ونفخ في الأزمة السورية سموم الحقد والكراهية بين السوريين، وأشعل حربا طائفية لا تبقي ولا تذر، من علماء وحكام وإعلاميين، شاركوا في جريمة إنسانية سيجلها التاريخ بأحرف سوداء وسيسمها بعار العرب. أي ثورة هذه التي عجلت بموت السوريين تحت وابل قنابل وبراميل الأسد ؟ وموت داخل الشاحنات اختناقا وفي البحر غرقا؟ وأي ثورة هذه التي رمت بالبراءة في عرض البحر لتلفظه الأمواج ؟ براءة لا ناقة لها ولا بعير فيما يحدث في سوريا، ساقتها الأقدار لتمطي الأمواج طمعا في مستقبل مشرق بعيدا عن براميل الأسد وبعيدا عن ظلم وجور بني جلدتهم (العرب). سيسأل المشاركون في فصول هذه الجريمة عن كل روح سورية سفكت، وسيسألون عن كل سوري مات عطشا ومات بالبرد القارص ومات اختناقا ومات غرقا، وسيسألون عن جثة الطفل السوري الممددة على رمال شواطئ تركيا، لفظته أمواج البحر لتكشف جريمة إنسانية أخرى اقترفها هؤلاء بعد جريمة الغرقى في شواطئ ليبيا والذين ماتوا اختناقا في النمسا. لماذا صمت هؤلاء فجأة أين دموعهم؟ وأين بكائياتهم؟ وأين صرخاتهم التي كانوا يطلقونها عبر المنابر الإعلامية المسمومة؟ وعبر الصالونات المكيفة وهم يرتشفون دماء السوريين رشفة بعد رشفة باسم الثورة ؟ إلى متى ستبقى أروبا تستر عار العرب؟ وتدفن موتى العرب ؟ أين الذين توشحوا السواد بالأمس وبكوا ضحايا "شارل إيبدو" حتى بل الثرى؟ أين ؟ وأين ؟سيكتب عنكم التاريخ أنكم تواطأتم من أجل تفكيك دولة اسمها سوريا، وأنكم شاركتم في جريمة إنسانية تتمثل في قتل السوريين حرقا واختناقا وغرقا فأي جريمة هذه سيكتبها عنكم التاريخ؟