قال الإعلامي الجزائري نصر الدين بن حديد أن التلفزيونات والقنوات العربية لا تزال تعاني من خلط مرضي بين الرأى الانطباعي وبين القراءة الموضوعية التي تتطلب علما ودراية بالمفهوم الأكاديمي، داعيا * حاورته: حنان حملاوي إلى ضرورة الفصل بين النسخ الالكترونية للجريدة والموقع الالكتروني. * *تكوينك هندسي علمي بالدرجة الأولى فكيف ولجت عالم الصحافة ؟ دخلت الإعلام صدفة لان تكويني علمي هندسي، سلاحي في ذلك غرامي وحبي للكتابة واللغة العربية، بدايتي كانت مع الصحافة المكتوبة في تونس عام 1984من باب الصدفة ، كنت ازور صديق في جريدة ووجدت مدير الجريدة في حاجة إلى صحفي لم تكن تستهويني الصحافة في حد ذاتها ولم أكن أفكر أن أكون صحفيا. استهوتني اللعبة من اجل أن ادخل للكتابة ومنذ ذلك بدا مشروعي الصحفي . * ابتعدت عن الإعلام المكتوب خلال فترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي لماذا؟ كتبت في العديد من الصحف التونسية باللغتين العربية والفرنسية، زمن التضييق في زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، و اشتغلت في الترجمة أكثر من الإعلام المكتوب لان الترجمة اقل مسؤولية وأكثر ابتعادا عن الواجهة الإعلامية. * الردود التي خلفها أول مقال لك في احد الصحف التونسية المعارضة شكل نقطة تحول في مسارك المهني ؟ انطلاقتي الحقيقية والإعلامية تمت بطريقتين الأولى الانترنت زمن بن علي واذكر انه أول مرة كتبت مقالا في موقع تونسي معارض تلقيت صدمة حين وصلتني رسالة الكترونية من بوسنية تسكن في سويسرا تقرا بالعربية وتجيب بالفرنسية حينها فهمت البعد الخطير عندما تتحول إلى ظاهرة إعلامية أو كاتب ما وراء الحدود من قبل كنت اكتب في الشأن التونسي في صحيفة تونسية للتونسيين عندما جاءتني رسالة من البوسنية فهمت خطورة الانترنت . تواصلت كتابتي في الانترنت إلى حين الثورة التونسية وتحولت في تونس إلى معلق سياسي وكاتب ومعلق في الشأن التونسي و العربي وأصبحت مطلوبا في القنوات العربية . * بعد الثورة التونسية أصبحت المطلوب رقم واحد في قنوات عربية لا تتبع نفس الخط وهو الأمر الذي قلما نجده ؟ أنا الصحفي العربي الوحيد الذي يتقلب بين قنوات متناقضة الميادين ، "الجزيرة "،"سكاى نيوز"، و"العربية"، هذه القنوات كل واحدة لها اتجاهها الخاص كاتجاهات" شرق "،"غرب"،" شمال"،" جنوب" لذلك يتصلون بي ويطلبون خدماتي والكل يعرف أنني اشتغل مع الآخر ولسبب بسيط لأنني أبقى عند التحليل السياسي المباشر ولا اسقط في الجدل العقيم . * هل تقصد أن الكثير من التحليلات السياسية للإعلام العربي وقعت في الجدل العقيم ؟ هناك خلط عربي خطير جدا بين الراى الانطباعي والتحليل السياسي . الراى الانطباعي تدخل فيه نوع من الذاتية في بعدها المبالغ فيه وهي شيء طبيعي جدا كمثل ان تسال رجل في الشارع ما رأيك في ارتفاع الأسعار أو انخفاضها . المحلل السياسي عندما تسأله عن ارتفاع الأسعار يقدم لنا خدمة ولا يقدم راى ، وبالتالي في التلفزيونات والقنوات العربية لا نزال في خلط مرضي بين الراى الذاتي غير الموضوعي وبين القراءة الموضوعية التي تتطلب علما ودراية بالمفهوم الأكاديمي ومن ثم اعتبر نفسي أصبحت اقرب للإعلام المرئي من المكتوب . * اهتمامك بالصحافة المكتوبة قل وتراجع وتوجهت إلى الإعلام المرئي هل هذا يؤكد مقولة أن زمن الصحافة الورقية ولى ؟ قل اشتراكي في الإعلام المكتوب وتطور إلى نوع من الرؤية الاستشرافية إلى الواقع العربي، ضف إلى ذلك سفري في عديد البلدان جعل فضائي أرحب مما كان في زمن الصحافة المكتوبة وهذا هو اخطر أمر في تأثير التطورات التكنولوجية على الصحافة المكتوبة. الآن عندما نكتب في الجزائر عن موضوع ما باستثناء السبق الصحفي الذي هو حالات استثنائية وليس حالات يومية الخبر وصل إلى المتلقي قبل وصول المقال وبالتالي لم نعد نعيش صحافة الأخبار، الصحفي يمارس دور تفسير الخبر التعليق على الخبر الذهاب في المناحي التي تعجز أو ترفض التلفزيونات او القنوات الفضائية و الإذاعية عن الخوض فيها سواء لأسباب تتعلق بالخط التحريري أو تتعلق بالتكنولوجيا ذاتها . نحن نعيش انقلاب كبير في الصحافة المكتوبة وشخصيا اعتقد أن الصحافة المكتوبة لا يزال مستقبلها كبير كنوع من المحفز الثقافي للقارئ العربي وليس كإخبار. * ماذا تقصد بذلك ؟ الإخبار ولى زمانه واعتبر أننا الآن بالخلط والتدافع أو التقاطع بين الصحافة الورقية والمواقع الالكترونية لم يعد هناك صحافة ورقية والكترونية بالمفهوم التقليدي . لهذا كل الصحف مدعوة إلى الفصل بين النسخ الالكترونية للجريدة والموقع الالكتروني.
الصحافة العربية لا تزال غير متطورة لسببين سبب إدراكي معرفي وسبب تقني مالي،و اعتبر انه الآن نعيش صحافة بدون حدود، الصحافة الورقية لديها مستقبل إذا تحولت إلى صحافة تثقيف وتحليل وتفسير، لهذا انسوا وتنازلوا عن دور الإخبار . * أنت على اطلاع على التجربة الجزائرية لو قدمت لنا مقارنة بين المشهد الإعلامي في الجزائروتونس ؟ السوق الجزائرية سوق ضخمة عدديا، عدد المطالعين في الجزائر اكبر وعدد المطالعين الذين يقتنون أكثر من جريدة في الجزائر اكبر،في تونس بدأت تنحصر فيها الصحافة الورقية تجاريا بشكل خطير جريدة الشروق ذات السحب الأرفع في تونس أصبحت تسحب خمسين ألف هذه الأرقام هي لجريدة متوسطة في الجزائر ، في الجزائر هناك الطبعات الجهوية وهنا ادخل في سبب معرفي كلما انفجر الإعلام تكنولوجيا كلما اهتم المواطن بالصحافة اللصيقة. مثلا الصحافة الجزائرية عندما تطبع خمس طبعات فهذا يدخل في صحافة القرب أو صحافة الجار وهذا مهم جدا وهذا مفقود في تونس لا زال الاهتمام في تونس محصور على مستوى العاصمة . على مستوى الاهتمام الشأن الدولي في الصحف الجزائرية متراجع باستثناء الأحداث الكبرى الجزائري ليس له ذلك الاهتمام في الصحافة المكتوبة بالشأن الدولي، على خلاف الصحافة التونسية الشأن الدولي له مكانة كبيرة لان كلفة الإنتاج اقل ومن ثم نحن أمام لعبة تجارية للصحافة التونسية، ومن اكبر مصائب الصحافة التونسية أنها صحافة نسخ من الانترنت ربما تختلف من صحيفة إلى أخرى ولكن اعتقد أن ضيق السوق التونسية وحالة التنافس وارتفاع أسعار الصحيفة مقارنة بالدخل وهذا خطير على مستوى القدرة الشرائية . * كيف ترى واقع الإعلام التونسي بعد الثورة البوعزيزية ؟ تونس بعد يوم14 أصيبت بإسهال إعلامي من هب ودب يستطيع ان يصدر وسيلة إعلامية ارتفع عدد التلفزيونات و الإذاعات غير المرخص لها وصار الأمر الإعلامي في تونس أمر مشاع من يأتي الأول يحتل المكان قبل الآخرين، لكن هناك عوامل عديدة غلفت هذه اللعبة أولا السوق مثلا هناك صحيفة الموقف كانت الصحيفة الأولى في مقارعة نظام بن علي وعجز عن إغلاقها. كنا نشتريها بسعر مدعوم من باب الحفاظ على وجودها هذه الجريدة أغلقت بفعل السوق زمن الثورة لأنها لم تعد الوحيدة التي ترفع سقف الحريات وخسرت مكان لها من جمهور وانتشار وهذا خطير جدا . الثورة الإعلامية في تونس أصدرت عشرات الصحف وبعد الثورة اعتقد ظهرت يوميتين.صعوبة الاستثمار في تونس يجعل منه سياسي اكثر منه تجاري وأصبح هناك لوبيات تضخ من المال ما يجعل هذه الصحيفة تتحول إلى منبر إعلامي مدافع أو مهاجم . الهرم الأكبر لبن علي انفجر إلى هريمات صغيرة أصبحت في تونس الإقطاع إعلامي وعندما تطالع أي وسيلة إعلام تجدها متحيزة حد النخاع إلى جهة ما ولاء أو عداوة . في الجزائر تلعب بنوع من الليونة أكثر حكمة وأكثر فاعلية ،في تونس تجد صحافة تشتم صحافة ترد وهناك في تونس صحافة تكذب وتختلق المواضيع ، وبالتالي لم تعد هناك صحافة تتميز بالحد الأدنى من الموضوعية المطلوبة وفق قواعد العمل الأكاديمية التي لقنت في معاهد الصحافة . يجد البعض في صحافة المواطن بديلا عن الصحف الورقية ما تعليقك ؟ صحافة المواطن خلقت نوع من التشتيت لمركز ثقل الصحافة، وبالتالي تأثير عقل من هب ودب يفعل ما يشاء ويريد اثر على الصحافة الورقية ويمكن ان العديد تاثر بمعلومات مجهولة المصدر ومخترقة وهنا تدخل لعبة الاختراقات الكبرى في انقلاب الوظيفة من فضاء للهواة لان الفيس بوك ليس فضاء تجاري الى فضاء يتحول الى الاستثمار بالمفهوم العدائي والحربي .