كشف الكاتب الإعلامي منتصر اوبترون اللثام على العديد من الحقائق التاريخية التي تخص الحركة الوطنية، كما توقف أبترون في لقاء خص به " الحوار" عند الكثير من المحطات التي مرت بها الثورة الجزائرية. هذا، وطالب أبترون الجهات الرسمية بفسح المجال للباحثين والمختصين في الثورة الجزائرية من أجل إماطة الستار على الحقائق التي تفيد الشعب الجزائري. * حاورته: نصيرة سيد علي *بوصفك من الإعلاميين المهتمين بكتابة تاريخ الحركة الوطنية، هلا حدثتنا عن بعض الأعمال التي قمت بها في هذا المجال؟ -لدي العديد من الأعمال الفنية التي تناولت أحداث الثورة الجزائرية، منها فيلم وثائقي في 52 دقيقة، يروي أحداث 20 أوت 1955، وفيلم آخر حول نضال الجالية الجزائرية ومظاهرات في الغرب الفرنسي وفيدرالية جبهة التحرير الوطني، وأفلام أخرى ومقالات ذات الصلة، وأنا بصدد تحضير كتاب حول تاريخ الثورة. *ماهي العراقيل التي تصادف الباحث في الحركة الوطنية؟ -نقص المراجع التي يعتمد عليها الباحث، وهيمنة الخطاب السياسي والايديولوجي على حساب الحقيقة التاريخية، وما يقدم في تاريخ الرسمي هو تابع لمجموعة وهي جبهة التحرير الوطني، وفي الواقع أن الثورة الجزائرية لم تكن قوة واحدة إنما كانت من صنع قوى سياسية مختلفة، وهناك أخرون، لكن ما دام الحسم أقيم بالعنف، وبما أن جبهة التحرير هي التي انتصرت، لذلك فقد أسند إليها مهمة كتابة التاريخ على قياسها، وحتى إذا قلنا أن جبهة التحرير هي التي صنعت الثورة، فإننا نقع في مغالطة تاريخية، ونغرق في مستنقع التناقضات، حيث هناك أطراف أخرى لها يد في ذلك على غرار الشيوعيين، والمصاليين، وعليه مازال التاريخ لعبة سياسية، وعليه فتاريخ الثورة خاضع لرهان سياسي، وسجل تجاري، وعليه كل شي متداخل مع بعضه، في ظل غياب الأرشيف الوطني الناتج عن غياب وانعدام إرادة سياسية للحصول عليه، من جهة أخرى نلاحظ الهيمنة الفرنسية على الجزائر. *هل قمنا بعملية التحرير بمقاييسها الفعلية؟ سؤال صعب الإصابة عليه، لكن وبالنظر إلى الوضع الراهن، عندما نرى درجة تحكم فرنسا في الوضع السياسي والاقتصادي في الجزائر وتدخلها في الشأن الداخلي، وتم تعاظم قيمتها حين تم اختيارها كضيف شرف صالون الجزائر الدولي للكتاب، أشك أننا وصلنا إلى التحرير، ويمكن القول أن فرنسا حققت مكاسب هامة خلال الخمسين سنة التي تلت الاستقلال ما لم تحققه عسكريا أثناء وقبل الاستقلال. *بمعنى ؟ -ذلك يعني أن كل ما تريده فرنسا هو لها، فإبان الاحتلال دفعت غاليا ما استحوذت عليه من خيرات البلاد، أما الآن فتأخذ ولا تحاسب. *هناك بعض الأبحاث حول تاريخ الثورة لا ترقى إلى مستوى البحث التاريخي، ما تعليقك؟ -فعلا هناك بعض الباحثين للأسف يتفنون في وضع العبارات المنمقة، والكلمات الرنانة، ويضمن أعماله الشعارات، مثل " الاستعمار الغاشم" و"الجرائم البشعة"، وهي تشبه الكلام الذي ينطق به وزراء ما يسمى المجاهدين. *ما الذي دفعك للاهتمام بكتابة تاريخ الثورة الجزائرية؟ -حقيقية حين كنت شابا، كثيرا ما كنت أهتم بالخطابات السياسية، وعندما نقرأ كتابا مثلا لمحمد حربي، وأمثاله، كنا نحصل عليها سريا، وكنا نقرأ أشياء أكثر تعقيدا، ولكن تبدو لنا أكثر قرابة من حقيقة الخطاب الذي يجعل الجزائري يؤمن أن الشعب الجزائري واجه فرنسا وأعطى لها درسا في التضحية، بعدها عرفنا أن الحقيقة أعقد من ذلك كله، وأقبح من الصورة التي أعطيت لنا، وبالتالي فالسلطة لا تريد كتابة التاريخ، الذي لا يخدم مصالحها، وآخر إصدارات هي تلك التي أصدرها مؤرخ فرنسي مهتم بالحركة الوطنية، وهو بيار دوم، الذي كتب حول عدد الحركى الذين بقوا في الجزائر، ضمن كتاب من الحجم الكبير حوالي 800 صفحة، المسمى ب " آخر التابوهات"، حيث يكشف دوم عن وجود أربع مائة ألف حركي، ويؤكد أن الحركى لم يتم إبادتهم، وأن 25 ألف قد سافروا والباقي بقوا في الجزائر، وطبعا أن هذه المعلومة لا يريدها الكثير، وأثبتها " دوف" في كتابه، وهذه الحقيقة تريد فرنسا تكذيبها وتفنيدها، للعلم أن هذا الرجل تعرض إلى مشاكل ببلده فرنساوبالجزائر، وهو في هذا المؤلف يكسر الأطروحة القائلة بأن عدد الحركى هو 150 ألف فقط، وأنهم تم إبادتهم، كما هناك مغالطة حول عدد الأقدام السوداء بالجزائر، وهذا طبعا ناتج عن تشديد الخناق على المؤرخين حتى لا يظهرون الحقيقة التاريخية للعيان، علما أن عدد الحركى يزيد عن عدد أفراد جيش التحرير الوطني أنذاك، وهناك حقائق كثيرة لم يدركها جيل الاستقلال، من بينها أن أول نوفمبر انطلق في ظل أزمة وسط الحركة الوطنية التي طالبت بالاستقلال، والعمل المسلح كذلك يتجاذبه طرفان، وبلغا بهما الأمر إلى المعاداة، ويتعلق الأمر بجبهة التحرير الوطني والحركة الجزائرية المصالية، والباقي كجمعية العلماء والشيوعيين لم يلتحقوا بالثورة 1954، وبعد أشهر قامت جماعة تنتمي إلى الحزب الشيوعي كونوا مجموعة مكافحين تحت اسم " محاربي الحرية" حملوا السلاح فعلا، والتي كان على رأسها موريس لابون، وهنري مايو، واللذان استشهدا في 4 جوان 1956، أما الباقون التحقوا بالجيش التحرير الوطني، بعد اتفاق بين عبان رمضان وبن خدة من جهة جبهة التحرير وبشير حاج علي والصادق هجرس عن الحزب الشيوعي الجزائري، وحتى الحركة المصالية كونت هي الأخرى جيشا أخر تحت تسمية جيش التحرير الوطني للحركة الوطنية الجزائرية " الأمانا"، حيث كان من المفروض التلاحم وتنسيق العمل الثوري، وتصدي للعدو كقوة رجل واحد، إلا أن الذي حدث أنهما تقاتلا مع بعضهما البعض، وجرت الأحداث الضارية في منطقة القبائل، وتم تصفية قيادات الثورة منهم النقابيين من بينهم مناضل كبير جدا، وهو أب العمل المسلح بالجزائر، وهو الشهيد " عبد الله فيلالي" سنة 1957، والذي تمكن من تهريب قيادات الثورة أمثال الحسين أيت حمد، أحمد بن بلة، ولا أستبعد يد فرنسية في ذلك.
*وماذا عن صندوق التضامن الذي أثار جدلا واسعا بعد الاستقلال ؟
-لا لم أتعرض إلى هذه القضية، وصندوق التضامن أظهر تضامنا وتماسكا والتفاف حرائر الجزائر حول قضيتهن وأعطوا درسا في التكافل الاجتماعي، وهذا رأس مال الوطنية هو الذي خسرناه اليوم، صندوق التضامن استحدث سنة 1964 بأمر من أحمد بن بلة الذي اعتلى منصب أول رئيس للدولة الجزائرية المستقلة، ولا أعتقد عندما أرى تجاربا حتى على مستوى الدول التي قامت بالحركات التحررية عبر العالم، أن هناك شعبا دفع فاتورة غالية وباهظة أكبر من الشعب الجزائري، بأضعاف مضعفة، ولحد الساعة لم نستطيع إنشاء مجموعة ما يمكن تسميته فقط بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت ضد هذا الشعب، الذي كان يحارب في معركة غير متكافئة القوى أي بين قوة الطين وقوة من حديد، ولكن بفضل العزيمة وحب الوطن استطاع التغلب على أكبر قوة في الحلف الأطلسي.
الحرب ضد فرنسا لا يمكن حصرها بين 1954- 1962 فقط، بحيث لوعدنا إلى كتاب فرحات عباس حول " ليل الاستعمار "والذي قال إن الشعب الجزائري منذ أن وطأت أقدام فرنسا أرض الجزائر إلى 1870 والتي أسماها بحرب الاحتلال، ففرنسا استغرقت 40 سنة حتى تحتل شمال الوطن، وخلال هذه الفترة لم يتوان الجزائري عن دفاعه من أجل تحرير وطنه.
*هل هناك جهة مختصة تسهم في إعطاء دفع للمؤرخين لكتابة الثورة الجزائرية؟
-للأسف أن كتابة التاريخ تشرف عليها وزارة المجاهدين، وهذه الوزارة من المفروض لا يمكن تسميتها بوزارة المجاهدين، بعد الاستقلال مباشرة كانت تسمى ب" وزارة قدامى المجاهدين"، من المفروض أن تكون وزارة لذوي الحقوق، وليس كوجهة تشرف على كتابة التاريخ، لأن هذا الأخير علم قائم بذاته، ومن مهام الجامعة، ولكن الذي حدث عكس ذلك، فمثلا عندما حاول الدكتور بلعيد من جامعة باتنة تنظيم ملتقى حول " مصالي الحاج " في التسعينيات القرن الماضي، قامت قسمة المجاهدين بالمنطقة بمحاكمته، وأضحت الوزارة تتحكم في الجامعة، وكان يفترض عليها هي من تقوم باستشارة المختصين بالمعاهد والجامعات في حالة قيامها بأي نشاط يخص الثورة، لكن ما نراه هو العكس، ونتج عن ذلك هروب العديد من المؤرخين، وأغلب الكتابات حول الثورة يقوم بها مؤرخون في الخارج، الأرشيف الثورة للأسف، وأقولها اليوم لا يريدون الإتيان به.
*وماذا عن أرشيف " المالغ" ؟
أرشيف "المالغ"، وهي وزارة التسليح والاتصالات العامة، ويحتوي على أرشيف جد مهم، وفيه مديريتين خطيرتين وهما " مديرية الحذر والاستعلام المضاد" و"مديرية التوثيق"، وهي بمثابة مخابرات الثورة، وكان أنذاك حساني وخليفة لعروسي والد رفيق خليفة، الذي كان يشغل رئيس ديوان بوصوف ب"المالغ"، بعدما قام بوصوف بتنحيته، قيل بسبب زواجه من فرنسية، وبعد قيام خلاف بين الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان بقيادة العقيد بومدين، حيث قام خليفة لعروسي بتحويل أموال من لندن إلى قيادة الأركان، وقد استؤمن لعروسي على قاعدة ديدوش مراد التي كان بها أرشيف الثورة، وحسب شهادة أحد أعضاء المالغ " المسمى " دكار " والمدعو " علي لقراز" وهذا الأخير كان أحد مناضلي " المالغ" والمقربين من بوصوف ، حيث صرح " لقد طعنوا بصوف في الظهر لأن بصوف كان مع الحكومة المؤقتة"، المهم، قاما كل من حساني ولعروسي بنقل الأرشيف الوطني من قاعدة ديدوش بطرابلس بليبيا حيث يصل وزنه إلى 120 طن، على متن 12 شاحنة، سعة الشاحنة 20 طن، مرت على الجنوب الجزائري نحو مدينة تلمسان، وذلك سنة 1962، حيث توجد مجموعة أحمد بن بلة. وحسب بعض الشهادات تم حرق بعض الوثائق لأنها كانت تحمل تقارير لكل واحد منهم، ثم أتوا بما تبقى من الأرشيف إلى "روشي نوار" ببومرداس، وحدد ه حساني ب 50 طن، إلى الهيئة التنفذية المؤقتة التي كان على رأسها عبد الرحمان فارس، وبعدها تم تسليمه إلى وزارة الدفاع الوطني وهو محفوظ هناك. طبعا " المالغ" لم تستطع فعل أي شيء، لأن الحكومة المؤقتة خسرت المعركة أمام القيادة العامة للجيش، وطبعا وفي سبتمبر دخل الجيش إلى الجزائر العاصمة بعد معارك حامية الوطيس مع الولايات خاصة الولاية الرابعة في الشلف ، حيث وقع هلاك العديد من الأشخاص في صفوف جيش الحدود الذين دخلوا إلى الجزائر وجيش الولايات، وحسم الأمر لبن بلة أو ما يسمى بمجموعة تلمسان. ومن بين أعضاء "المالغ" نجد عمار صخري، طيبي العربي، خليفة لعروسي وحساني. هناك أرشيف ورقي وتسجيلات لكل اجتماعات لجنة التنسيق والتنفيذ وكذا الحكومة المؤقتة من القاهرة أوت 1957 حتى جوان 1962 بطرابلس، بالإظافة إلى اجتماعات المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وكذا تلك التي نظمت بتونس كانت مسجلة في أشرطة صوتية، حوالي 300 مائة شريط سمعي، كل شريط مدته 20 دقيقة، كان بوصوف قد سلمهم لدكار، وهذا الأخير سلمهم للرئيس الأسبق هواري بومدين، وتم وضعها في قصر الحكومة، وعندما ذهب دكار لمعاينتها في الأرشيف الوطني بعد سنة 2000 وجد قد صالحة، وأظن أنها مفتعلة لأنها تحمل الكثير من الأسرار، خاصة تلك التي تتعلق باجتماع طرالس، الذي لم يكن عاديا بل شمله صراع كبير وتهديدات وألفاظ بذيئة وكلام فاحش، ولم ترفع تلك الجلسة لحد اليوم. ولحد الساعة لم أفهم سبب عدم الإفراج عن أرشيف الثورة، باعتبار وزارة الدفاع الوطني مؤسسة عسكرية عصرية مهمتها الدفاع على الوطن والأمة، فلماذا تقحم في مثل هذه القضية، عليها أن تسلم الأرشيف إلى المؤسسة الوطنية الخاصة بحفظ الأرشيف حتى يفتح المجال أمام المهتمين بالشأن التاريخي لإيصاله إلى الشعب الجزائري، لأن خوف فرنسا من إظهار الأرشيف شيء طبيعي لأنها تحاول التستر على جرائمها، وكما يقول الباحث الفرنسي كلود ليازو، أن فرنسا لا تستطيع الإلتفات ومشاهدة نفسها في المرآة لأن جرائمها تتنافى مع خطاب عظمتها، لكن للأسف أننا نحن نقوم بتطبيق القانون الفرنسي عندما حددت تاريخ تسليم الأرشيف الذي حددته ب50 سنة، سفهاء اليوم يقولون أن القانون الجزائري…. وحتى هؤلاء الذين كانوا ينتمون إلى الجيش الفرنسي أثناء حربها مع الجزائر يتم عرقلتهم وتهديدهم في حالة تسليمهم الأرشيف، ومن بين هؤلاء ريمون كلوراك، وهو عضو وحدات المظليين الفرنسيين إبان الثورة، الذي ندم على أفعاله ومواقفه المضادة للجزائر، والذي أكد أنهم كانوا يتعرضون إلى غسيل مخ، وكان هو وأمثاله كل عام يرسلون رسالة إلى رئيس فرنسا يقولون فيها " وجودنا في الجزائر وقت ذاك لا نستنبط منه أي شرف"، ويطلب من حكام فرنسا الإعتذار، وكذا تعويض ضحايا الحرب. ومن أجل إثبات حسن نيته للجزائريين، قام بتسليم أرشيفه الخاص إلى السلطات الجزائرية في قنصليتنا بنيس الفرنسية، وبعد أسبوعين أتى إليه بعض الجزائريين يدعون أنهم مخرجين، وأوهموه أنهم سوف ينظمون ملتقى حول " الثورة"، وأثناء التصوير سلمهم نسخة من الأرشيف، ونظر ذلك الصحفي المزعوم، والتفت إليه قائلا " هناك نقص في القوائم" أي في قوائم العملاء والبطاقات الزرقاء وغيرها، هنا أدرك ريمون كلوراك أنهم جاؤوا لتظليله، أو ربما لتصفيته، حيث قام بإقفال الباب عليهم وجردهم من جوازات سفرهم، وقال لهم بلهجة تهديدية لو يحدث لي أو لأي جزائري، وأخص بالذكر لويزة إغيل أحريز أي حادث، سأقوم بنشر الأرشيف في كل الصحف الفرنسية.
*من بين الوثائق التي تحصلت عليها، هل عثرت على وثائق تثبت صحة ما قيل في حقهم أنهم من عملاء الإدارة الفرنسية ؟
– طبعا أكيد قلنا أن ريمون كلفوراك هدد بنشر الأرشيف الوطني في الصحف الفرنسية، ومن بين الذين كانوا يزعمون أنهم يريدون إجراء عمل وثائقي حول الثورة كما أسلفت هو قريب البطل المزعوم لمعركة الجزائر ياسف سعدي، وأنا أؤكد وحسب مصادر موثوقة أن ياسف سعدي عميل، فهو الذي أخبر العسكر الفرنسي عن عملية القصبة، والذي ذهب ضحيتها علي لبوانت، وحسبية، والطفل عمر الصغير، وحتى الشهيد عبان رمضان طالب قبل ذلك بمحاكمته وتصفيته،
ولتصحيح المعلومة التاريخية أن في 5 نوفمبر أي عام 1954 ألقي القبض على جميع المناضلين جبهة التحرير، وعندما جاء وزير الداخلية الفرنسي فرنسوا ميتيرو إلى الجزائر، وقال " إنها نار في تبن، سرعان ما تنطفئ"، إلا أن صوت الثورة تأجج، بدخول مجموعة الفداء التابعة للحركة الوطنية، وأول شهيد استشهد بقصبة العاصمة في 24 أوت 1955 مناضل في الحركة الوطنية، من الفدائيين المصاليين، ويدعى " عزوزي قدور، حيث استشهدة ببطولة كبيرة، وألقي القبض على زميله الشهيد كاب عبد الرحمان، وهو شهيد المقصلة في9 أكتوبر1957 هؤلاء هم أبطال القصبة الحقيقيون، وليس أمثال ياسف سعدي الذي يدعي الجهاد والذي كان في السجن بفرنسا، حيث ألقي عليه القبض في ماي 1955 بعد ما رجع من سويسرا ولقائه مع محمد بوضياف، بعدما أفرج عليه من سركاجي في سبتمبر عام 1955 ليصفي المصاليين في قصبة العاصمة، وتم تصفية معركة الجزائر، وكان يظهر مع جندي فرنسي يرتدي قندورة قس لونها أزرق ويده مربوطة إلى يد الملازم الفرنسي استوب ويده الأخرى تحمل مكبر صوت، وهو قبل ذلك من أطلق رصاصة في ظهر المجاهدة جميلة بوحيرد، وكان الجيش الفرنسي يعتقد أن جميلة ضحية إرهاب، ولهذا الشهيدة الحية لم تتحدث إلى ياسف سعدي إلى حد اليوم، وحتى الشخص الذي ألقي عليه القبض برفقته هي زهرة ظريف حيث كتبت فيما بعد أنها عضو جيش التحرير " لا إيلان"، أقولها زهرة ظريف لم تكن " لا إيلان" بل كانت ضمن مجموعة مكلفة بالقيام بالعمليات الإرهابية، وحتى " لا إيلان" حتى وأن لم يتكافئ مع فرنسا لكن في الجزائر العاصمة لم يكن سوى بضعة مناضلين. * في ظل غياب الأرشيف، على ما يعتمد منتصر في تدوين تاريخ الثورة؟
-على الأرشيف الشفوي، وعلى المنشور بفرنسا، منذ 10 سنوات، كل سنة هناك الجديد، وهناك كمية من الأرشيف يتم الإفراج عنه، مثل أرشيف ملوزة الذي من المفروض أن يفرج عليه سنة 2017، هذا الأخير تم الإفراج عنه مؤخرا، وهناك بعض المؤرخين يخافون من كتابة تاريخ الثورة لأنهم مهددون، وهناك الملايير صرفت في غير محلها أثناء الاحتفال بخمسينية الثورة، وللأسف إذا أردنا أن نشاهد شريطا وثائقيا حول الثورة نذهب إلى فرنسا، أو نكون تحت مظلة وزارة المجاهدين.
*وما تعليقك على الشخصيات الثورية التي تناولتها السينما الجزائرية؟
-حدث ولا حرج، فالسينما الجزائرية تناولت شخصيات ثورية دون تمحيص الحقائق، وأذكر في فيلم لطفي قدمت بعض الوثائق التي تظهر كيف استشهد لطفي، وتقمص شخصيته الجنرال جكان، الذي دفنه وأخفاه، ولحد الساعة لا نعلم أين تم دفنه، وكان جكان يسيّر الولاية الخامسة تقريبا لمدة سنة ولطفي ميت، وكان يطلب السلاح والأموال من المغرب وفرنسا تأخذهما، ثم كشفه أحدهم، وهنا تم كشف المسماة "عملية لطفي" ، لكن بعد ماذا؟، كل هذا لم نراه في فيلم لطفي. الملايير تصرف، ولا تصلح الأعمال للمشاهدة، ولا يستفيد منها المتلقي الجزائري، هل أعطي معهد التاريخ حقه؟.
*ما ردك على استغلال السياسي للتاريخ؟
– هنا تحضرني برقية قرأتها سنة 1984 ، تقول "إن رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد أمر بإعادة دفن 30 رفاة لكبار القادة، وهم عبان رمضان، كريم بلقاسم، شعباني، خيضر عباس لغرور، عواشرية، لعموري، بهذا الإجراء يثبت أن الثورة الجزائرية متسامحة"، لكن متسامحة، هل مع كريم، وإن سلمنا بذلك، ففي ماذا؟، هل حين كان مجاهدا أم بعدما أضحى معارضا بعد الاستقلال ؟، هنا تطرح مسألة استغلال السياسي للتاريخ، كل من يريد الوصول إلى السلطة يستخدم الثورة، سواء ذلك معارضا أو هو في سدة الحكم. الحقيقة هي الضحية التاريخية، من حقنا ونحن نحتفل بالذكرى الواحد والستين لاندلاع الثورة أن نعرف حقيقة هذه الثورة، وأنا شخصيا ضحية تغليط في حق وطنيين أمثال مصالي الحاج، ومحمد بلونيس، واكتشفت أن الأمور معكوسة، وهناك قضية أخرى خاصة بالمجاهدين المزيفين، أعتبر شخصيا كل جزائري أثناء الثورة لم يلتحق بالجبال ولم يكن عميلا لفرنسا فهو مجاهد، ويؤلمني أن أرى أحدهم يحمل بطاقة مجاهد، وفي الحقيقة كان يعمل كعميل لفرنسا.
*ما تعليقك حول ما يحدث بين بن عودة وخالد نزار حول قضية الأسلحة؟
-بأمانة أنا لست من محبي الجنرال خالد نزار، لأنه محل جدل في كل شيء، دخل مع الكثير من الشخصيات في صراعات مختلفة، كان في صراع مع محفوظ قنون، ومع بلعيد عبد السلام، وبن عودة، أظن أنه يبالغ، وننتظر أن يعلمنا هذا الذي كان ضمن مجموعة 22 ماذا قدم لأول نوفمبر، إذا رجعنا إلى أحداث 20 أوت 1955 منطقة تابعة كلها للشهيد زيغوت يوسف، ومنطقة عنابة التي كانت تحت إشراف بن عودة لم تتحرك، وكل الصراعات كانت في تونس، وعندما كانوا يحققون حول صندوق الأموال الخاصة مع عبد العزيز بوتفليقة، طلب القيام بها شخصيا، كما سبق له أن شتم بوتفليقة لأنه أخبره أنه سيطلع فقط الشاذلي بن جديد رئيس الجمهورية الأسبق بالأمر ، ولما وصل عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم وخصه هذا الأخير بوسام الاستحقاق أجهش بن عودة بالبكاء، وقال" هناك رجال ظلمناهم لم نعرف قيمتهم"، أما قضية الأسلحة، أعتقد أن خالد نزار محق فيما يقول، لقد ألقى محاضرة منذ عشر سنين، وأعلن حينها عن وجود عشرة ألاف بندقية أمريكية نوع " أم 17″ موجودة بمصر من المفروض أن تدخل إلى الجزائر، لكن ذلك لم يحدث وذلك بأمر من الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، وبن عودة حسب نزار أمضى على بقائها بمصر، إلا هناك تناقض في عدد البنادق، فولد قابلية يصرح بعشرة ألاف بينما نزار يقول ب30 ألف، وهذا العدد أظن في الثورة لم يستطيعوا تأمين هذا الكم الهائل، وهو نقاش عقيم، أظن علينا البحث في أمور أساسية، مثلا كالحديث على عدد الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، منهم خالد نزار، مساعد الأول رحماني، الذي توفي منذ شهر، والذي عينته فرنسا مدير نشر " أشات"، ومنهم الآن من تسلم السلطة في فترة التسعينيات من القرن الماضي وهم كثر.
*ما الفرق بين جبهة التحرير الوطني قبل الثورة وبعدها؟
-أنا لا أعترف إلا بالأفلان 1954 -1962، وأتقبله كما هو، أحترمه كثيرا وألومه كثيرا، والأفلان 1954 هو من صنع كريم بلقاسم، أيت أحمد، خضير، بن مهيدي، بن بولعيد، ديدوش ، بطاط وغيرهم، لكن بعد الاستقلال لا أعترف به، لأن منهم من كان تاريخ والده مخز، لهم ماضي غير مشرف، وهم من أسهموا في خراب البلاد، ويدافعون عن فرنسا، ويحاربون كل من يحارب فرنسا. على كل هناك فرق بين "جبهة التحرير الوطني 1954" ، وبين "حزب جبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال".
*لديك جوانب خفية عن أصول ابن الكاتبة آسيا جبار، هلا أطلعتنا على هذا السر؟
-ابن أسيا جبار بالتبني هو ابن خيرة التي تعرضت إلى الاغتصاب من قبل عساكر فرنسا وعمرها لا يتعدى 15 سنة، بعد ما استشهد زوجها بنقوشة عبد القادر المدعو "الفرطاس"، يسمى ب "محمد قرن". تعود ظروف ولادة هذا الطفل، حين تم اختطاف والدته وتم وضعها بمكان في ثنية الأحد وقاموا باغتصابها جماعيا، وعندما حملت بابنها راح جنود الإستعمار الفرنسي يلقنوها ضربا على بطنها بواسطة أحذيتهم العسكرية حتى تجهض، إلا أن الله كتب الحياة لابنها، بعد ولادته أخفوه على أنظار أمه، وأعطي إلى الكاتبة آسيا جبار واسمها الحقيقي فاطمة الزهرة إيملاين، ابنة مدينة المدية، وليس بشرشال كما يدعون، والتي كانت متزوجة من رجل عنيف، كما يصف " قرن " في كتابه " فرنسي بالجريمة"، والتي تبنت هذا الطفل ثم تخلت عنه، ثم راح يبحث عن والدته، حيث وجدها بمقبرة بسيدي يحيى بالعاصمة. بعد إثارة قضية جرائم الاستعمار بفرنسا، رفع دعوى قضائية ضد فرنسا، بتهمة تعذيب طفل وهو جنين في بطن أمه، وكان الحكم لصالحه، واستضفته في الجزائر حتى يقدم كتابه الذي تناول فيه حياته الخاصة، في ندوة صحفية، إلا أنني لم أتمكن من ذلك، لسببين، الأول أنه الكتاب يتعلق بآسيا جبار، ثانيا أن فرنسا ضيف شرف صالون الجزائر الدولي للكتاب: الكتاب بعنوان" أتهم" وحتى رئيس الجمهورية رفع له الشكر ونصحه بمواصلة نضاله. كسر القانون الفرنسي 31 جويلية 1968 الذي أصدر فيه الجنرال ديغول العفو عن كل الجرائم التي وقعت بالجزائر، في حين القوانين الدولية، تنص أنه إذا كانت الجريمة، جريمة حرب ضد الإنسانية فهي غير قابلة للتقادم، ويؤلمني أن الجزائريين هم من فعلوا ذلك. وللعلم فإن فرنسا أصدرت قانون 1999 يثبت أن ما حدث بالجزائر هي حرب، لكن للأسف الجزائر لا تتوفر على رجال أكفاء. تطالب فرنسا بضرورة تعويض ضحايا الحرب دون استثناء، ولا يتوقف الأمر فقط عند شهداء المقصلة، لكن ما عسانا نقول ونحن نرى الوزير الأسبق لوزارة المجاهدين يختار فرنسا للإقامة فيها، ولدينا نصف أعضاء حكومة سلال يتمتعون بازدواجية الجنسية، ولحد الساعة أتساءل هل نحن نحظى بالاستقلال، أم أوهمنا بذلك؟ . علما كل الوثائق تثبت تبني أسيا جبار للطفل محمد قرن، وهو الآن الناطق الرسمي للضحايا المدنيين لحرب التحرير، وأسيا جبار قبل وفاتها قالت له أن فرنسا عملت "فيا الخير"، واختارت أن تدخل الأكاديمية الفرنسية، حتى تبقى خالدة، واختارت الخلود. وهناك بعض الصعاليك من يعتقد أن أسيا جبار فخرا لنا بل هي فخر لفرنسا، وعلى المشرع الجزائري استصدار قانون يقضي بمتابعة الأطفال المتبنين، حتى لا تضيع حقوقهم.