نريد الوصول إلى صناعة الفكر لإنتاج الحِلم للوصول إلى مجتمع آمن اقتصاد المعرفة السبيل الأوحد لخلق ثروة ما بعد البترول
نصيرة سيد علي
تطرق الدكتور محمد رضا مزوي مدير مخبر دراسات وتحليل السياسات العامة في الجزائر جامعة الجزائر "3" في لقاء خص به "الحوار" إلى عديد القضايا التي تهم البحث العلمي، كما تحدث بشكل مفصل عن جلسات الدكتوراه في العلوم السياسية وتطرق إلى أهم المحاور التي تم مناقشتها مع الأساتذة المختصين في المجال.
متى تأسس مخبر دراسات وتحليل السياسات العامة في الجزائر؟
تأسس المخبر سنة 2009، له هدف بيداغوجي بحت، يعمل على البحث عن النوعية، وهو يبحث في العلوم الإنسانية، صادفتنا في مرحلة التأسيس العديد من الصعوبات في مقدمتها مكان أو مقر المخبر، وطلبنا أن يعطونا فرصة للعمل، وإن لم نظهر الفعالية في الميدان مستعدون للتنحي وإغلاق المخبر، والحمد لله المخبر أعطى نجاعته وحقق قفزة نوعية في مجال البحث العلمي.
ينظم مخبر دراسات وتحليل السياسات العامة في الجزائر، أيام 27/ 28 جانفي الجاري"جلسات الدكتوراه للعلوم السياسية"، هلا حدثتنا على هذه الفعالية العلمية؟
سبق للمخبر وأن نظم عديد النشاطات التي تدخل في إطار البحث العلمي، وهذه المرة ارتأى المخبر تنظيم جلسات الدكتوراه للعلوم السياسية على مدار يومين وهي 27 /28 من شهر جانفي 2016، في خدمة الطالب والأستاذ. جاء هذا التنظيم نظرا للكم الهائل من الطلبة المسجلين في شهادة الدكتوراه، وعليه رأينا أنه من الضروري تنظيم مثل هذه الجلسات العلمية التي يحضرها دكاترة وأساتذة في العلوم السياسية في مختلف التخصصات، وسيناقشون مختلف المواضيع التي تهم الطالب، وهي عبارة عن ورشات علمية يؤطرها دكاترة في التخصص، وسيتم مناقشة 6 محاور وهي "السياسة العامة الخارجية"، "السياسات العامة القطاعية"، "قضايا الشراكة"، "القضايا الإقليمية"، "قضايا الحكامة المحلية" .
وما الهدف من تنظيمها؟
القيام بمساعدة الطلبة الذين هم بصدد تحضير رسائلهم في شهادة الدكتوراه من حيث المنهجية المتبعة في إعداد خطة البحث، وكذا من طبيعة عنوان البحث المراد معالجته، وهل هو مطابق للواقع أم محصور فقط في مجاله النظري، وذلك من أجل ربط البحث العلمي بالمجال المستعمل، أي يجب أن تكون البحوث لها علاقة وطيدة مع الواقع، وتكون بحوثا مدنية، مرفقة بدراسات حالة، ويجب أن تكون دراسات عميقة وأكاديمية بإمكانها أن تساهم في إيجاد حلول لمشكلة ما، يعاني منها قطاع معين، هناك الكثير من المسؤولين ليست لهم نظرة كاملة وشاملة للوضع، وعن طريق البحث العلمي يمكن لصاحب القرار معرفة ما يجري في الميدان وتعالج القضايا التي يعاني منها المجتمع. نريد تقديم النوعية التي يحتاجها المجتمع، ونعمل على تسهيل الأمور للباحث، وتلقينهم منهجية البرهنة، كيفية صياغة العناوين، وكيفية اقتناء المراجع وحتى في أسلوب كتابة الأطروحة، أي العودة إلى القاعدة، وممكن توصيات الورشة والبالغ عددها سبعة، ليتمخض عنه دليل طالب في مشروع الدكتوراه، ومجال التقارب هناك يشمل كل التخصصات، الفلسفة، التاريخ، علوم الدقيقة، جيولوجيا….
لكن هناك إشكالية عدم تبني البحوث التي يقوم بها الباحث الجزائري، وتركن جانبا؟
هذا خطأ كبير، فعلا هذه القضية مطروحة وبشدة، للأسف الشديد بعض المؤسسات الجزائرية لا تضع ثقتها في الباحث الجزائري، ولا تعترف بالكفاءات المحلية، في حين تجدها تلهث وراء المنتوج الأجنبي، وهذا خطأ فادح، لهذا يسعى المخبر إلى تقريب البحث العلمي وربطه بالمؤسسات المختلفة، الاقتصادية، العلمية، وذات الطابع الاجتماعي، ومن أجل توسيع مجال البحث العلمي وجعله يتفاعل مع الواقع، عمل المخبر على إبرام اتفاقيات مع بعض القطاعات الوزارية، نحن نقوم بدراسات في المفاهيم، وربطها بقطاع معين، كما نقترح على المؤسسات أهمية قبول الطلبة ومنحهم فترة للتربص في المؤسسة قصد معرفة القطاع والتعمق فيه بعدها نطالبه إخراج ما لديه من طاقة ونحاول استغلالها في عملية تطوير المؤسسة، نحن نعيش أزمة اقتصادية علينا الذهاب إلى ما يعوض النقص الذي نعاني منه، مثلا وزير التكوين المهني تحدث مؤخرا عن القبط الامتيازي، وهذا الأخير موجود في كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، واستطاعت تطوير نفسها. مليون وخمس مائة هو عدد الطلبة في الجامعة الجزائرية، يقابلها 48 جامعة، 50 ألف أستاذ، و20 ألف باحث، عدد ما شاء الله عليه، هنا يدفعنا للبحث عن كيفية وضع علاقة بين رأس مال المؤسسة ورأس المال البشري، ولن يكون هذا إلا إذا قمنا بتأسيس شبكة بواسطة الإعلام الآلي، لضبط الاتصال ونبني جسر تواصل بين الباحث والمؤسسة الاقتصادية.
وما تعليقك على الميزانية الموجهة للبحث العلمي ؟
المسألة لا تتعلق فقط بالميزانية، لأن الدولة الجزائرية، رصدت قيمة مالية معتبرة، وخطاب رئيس الجمهورية في لقاء سطيف سنة 2009 أقر برصد مليار دينار جزائري، لكن المشكلة في كيفية توزيعها، كل مرة ندخل في صراعات مع الإدارة لأنها تعتبر أن المخبر يقوم بدور بيداغوجي، لا أنكر هنا دور ومساعدة رئيس الجامعة، وبعض الأطراف الأخرى، لكن لا بد أن أنوه هنا إلى وجود بيروقراطية في عملية تمويل البحوث العلمية، لم تصل إلى الاستقلالية المالية، وهذا كله راجع إلى عدم استيعاب ثقافة المخابر في بلادنا. مثلا استطعنا تأمين 720 منصب من الوظيف العمومي وكان من المفروض توزيعهم على 350 مخبر ونستحدث منصبين لكل مخبر، حتى يبقى المخبر مفتوحا طيلة النهار، لكن للأسف تم تحويلهم إلى وزارات أخرى، بفعل البيروقراطية.
يركز مخبركم على دراسات المقارنة وهندسة السياسات، هلا شرحت لنا هذين التخصصين؟
طبعا المخبر له نظرة استراتيجية شاملة، ويعمل على المدى البعيد، من أجل خلق أفق جديدة بضوابط علمية دقيقة، مدروسة، والسياسات المقارنة هي المحور المركزي الذي تدور حوله الأعمال التي يقوم بها مخبر دراسات وتحليل السياسات العامة في الجزائر، وهذا المنهج اعتمدته 28 دولة أوروبية وأسست ما يسمى بالاتحاد الأوروبي، واجتهدوا بفضل هذه التخصص كيفية توحيد القوانين للوصول إلى الانسجام، والتوافق في كل الميادين خاصة المجال الاقتصادي. كمثال على دراسة المقارنة، نأخذ على سبيل المثال مسألة الوحدة المغاربية، يجب البحث عن نقاط التقاطع والبحث عن مرجعية أسباب عدم تحقيق الوحدة المغاربية. وحسب الاجتهادات التي قمنا بها، وبمساعدة وزارة تعليم العالي والبحث العلمي، أصبحت سياسة المقارنة كتخصص في الجامعة، ويدرس في سنة ثالثة ليسانس، وفي الماستر، وفي القريب العاجل سيدرج في الدكتوراه كتخصص في سياسات المقارنة، بعد هذا التخصص سيتم اعتماد تخصص آخر وهو الهندسة السياسية، وهو الذي سينظم السياسة بين المحكومين والحكام، ومن شأن هذا التخصص أن يقوم بوضع خطة عمل لجعل القطاع يؤدي دوره على أحسن ما يرام، وسنكون في هذا المجال مستشارين وخبراء في التخصص، ومثل هذه الدراسات نجدها في كبرى الدول العالمية، وبواسطتها استطاعوا تخطي أزماتهم في جميع النواحي، لما لا تبادر جامعاتنا لمثل هذه الدراسات للخروج من الأزمة، وإيجاد حلول للقضايا العالقة، حتى نصل إلى مجتمع متوازن، لنأخذ البلدية باعتبارها الوسيط الإداري بين المواطن وإدارته، الكل يعلم أن هناك نقاط خلل وقنوات مسدودة بين الحاكم والمحكوم، ففي هذه الحالة علينا البحث على أسباب الأزمة الموجودة بين ساكن في إقليم البلدية، هنا يتدخل الخبير أو المختص في مجال الهندسة السياسية لتقارب وجهات النظر، وتذليل العقبات لإعطاء الاقتراحات وتحسين أداء الخدمة، لكن بعض المسؤولين لا يتقبلون الواقع، لكن شخصيا أريد أن أنتهج سياسة الرئيس الجزائري الأسبق الهواري بومدين في عملي المخبري، أذكر حين أنهيت الخدمة العسكرية بشرشال تم تعييني رفقة أربعة شباب في مجلس الثورة، حيث قام بومدين آنذاك وسلم لنا ملفات كثيرة وطلب منا دراستها وتحليلها تحليلا منطقيا، وقال لنا "أنا أقدر الشباب وأعتمد عليهم، أريد منكم إعطاء ملاحظات مهما كانت طبيعتها، ثم قدموا لنا اقتراحكم". لا أريد أن أتبوأ منصب وزير فأنا خلقت لأكون الطلبة، ونكون جيلا جديدا يعتمد على نفسه ويكون منتجا للمعرفة ويحسن كيفية نقل المعلومة، بدل الذهاب إلى المجال الافتراضي ويقوم بعملية نسخها ولصقها دون تمحيص أو تحليل، كما أسعى أيضا إلى إيصال رسالتي البيداغوجية، وأن أرى فعاليتها في الواقع.
كيف يمكن لنا الانتقال من الريع البترولي إلى إنتاج المعرفة؟
بالاستثمار في الطاقات واستغلال المهارات، والتوظيف على أساس الكفاءة بدل المحسوبية، في المجال العلمي، والبحث عن الطاقات البشرية ذات المهارات العالية وتوظيفها في مجال إنتاج المعرفة، وتبني مشروع "الحِلم" في كل المجالات، مثل الوصول إلى مجتمع آمن، في الاقتصاد، في السياسة، في الثقافة، وقس ذلك على جميع ميادين الحياة.