بقلم: عبد الرحمن سعيدي/ رئيس مجلس شورى حمس هذا المصطلح تاريخيا يعرف عند الشيعة ولم يظهر إلا بعد غياب الإمام الثاني عشر في سلم الأئمة المعتمدين في ثقافة ومذهبية التشيع بعد القرن الثاني للهجرة، وظلّ هذا المصطلح مرتبط بهم ومما جعل الشيعة في العالم الإسلامي متماسكين ومنضبطين بهذا المفهوم ويشكل عندهم مصدر وحدة وتوجيه موحد لا يمكن للشيعة في العالم الخروج عنه لأن المرجعية الدينية عندهم مرتبطة بولاية الفقيه وليس بولاية مدنية، ومن هنا فالسلطة الدينية أقوى وأنفذ من أي سلطة أخرى حتى المؤسسة العسكرية والأمنية، فولاية الفقيه مرتبطة بحجز المكان أو النيابة في غياب الإمام المهدي المنتظر، حيث ينتظر الشيعة في العالم خروجه قبل عودة المسيح عليه السلام، وهذا منصوص عليه في مراجعهم العلمية ووثائقهم التاريخية والقضية عندهم مصنفة في العقائد وليست في الشرائع والمرجعية عند الشيعة لا تدور مع مصادر الإسلام والتشريع فيه وإنما تدور مع المجتهد ومن بلغ الحصرية في فهم الإسلام وأحكامه والاجتهاد فيه، و بهذا المفهوم فالفقيه في مرجعيتهم هو المصدر الوحيد في فهم الإسلام والاجتهاد فيه فيجب الرجوع إليه في كل الأحوال وهنا كانت المرجعية ومن اجتهد خارجها فلا يعتد باجتهاده وفهمه ويصيرمن اجتهدُ منفردا في الطائفة الشيعية خارج المرجعية، فلا يلتفت لرأيه واجتهاده، مثل أية الله العظمى، حسين فضل الله، رحمه الله اللبناني، لا يعتد برأيه مع تثبيت واجب الاحترام والتقدير له. * كيف تسرب مصطلح المرجعية الدينية للجزائر الجزائر دولة سنية لا توجد فيها الطائفة الشيعية، و كل ماهو موجود حركية تشييع أو تبشير شيعي لايرتقي حاليا لتهديد سنية الدولة والشعب لاعتبارات يطول شرحها. كلمة المرجعية ظهرت وتداولتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بعد مرحلة الإرهاب والفتنة و منها الفوضى في التوجية الديني الرسمي والشعبي وإنهيار مدلول الفتوى المعتمدة وظهور مفاهيم إسلامية شكلت خللا في النسيج الإجتماعي " التقاليد والأعراف " والنسق الديني المتوارث عند الجزائريين" التكفير والتطرف والعدوان والبدع ". وهنا تحدث مسؤولو القطاع عن توحيد المرجعية الدينية للجزائريين، ومنهم الوزير السابق غلام الله، وظنوا أن المرجعية الموحدة هي التي تضع حدا للأفكار الدينية الوافدة مع وجود وسائل الدعاية والانتشار تفوق قدرات السيادة والغلق الإرادي ومجال حقوق الإنسان في ذلك مدعومة دوليا. استعملت الجهات الرسمية مصطلح المرجعية من الجهة القانونية ومنطلق دستوري قصد توحيد الفهم والتصور وليس من جهة الواقعية الدينية على الأرض، عندما نتابع الوضع في الأرض نجده لا يخرج عن دائرة الواقع السني للأمة الإسلامية، حيث يتميز بالملامح قصد توحيد الآتي: 1 : السلطة الدينية بيد السلطة السياسية أو على الأقل تحت توجيهيها أو لا تتحرك إلا برؤية سياسية من السلطة الحاكمة. 2 : الدائرة السنية هي الأكثر أتساعا وانتشارا في الجغرافية والبشر والقدرات، فقضية الريادة مطروحة بشكل واضح وبارز من أبسط مظاهرها رؤية الهلال والأعياد، وهذا الوضع ينعكس على كل دولة بمفردها في الوسط الديني، من ينقاد لمن؟. 3 : الثراء والتنوع الفقهي والعقائدي موجود بكثرة في عالم أهل السنة، ولكن لم يستغل في تماسك المجتمع وإنما تشكل في المجتمع كمحاور النزاع والخلاف وتمّ استغلاله في تهديد استقرار المجتمع وفتك بتماسكه وبعض هذا التنوع والثراء عرف تعايشا لقرون في أمتنا الإسلامية. 4 : السنة لهم محاور كبرى، عليها مدار الخلاف والاتفاق، أولها محور العقائد، ونشأت على إثر ذلك مدارس ومذاهب ومفاهيم وجب فرزها وتزحيدها في العموم. ثانيها: محور التشريع " الفقهيات "، وهو فهم الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات، ونشأت مدراس فقهية ومذاهب " المالكية والأحناف وغيرهم ". ثالثها : محور الخلق العام والسلوك والآداب العامة وظهرت مدارس تهذيبية وسلوكية مسلكية تعتمد التربية والمعرفة والذكر كمنهجية لتقويم السلوك العام، وهو ما يعرف "بالتصوف وطرقه للوصول للحقيقة الربانية في تهذيب النفس والسلوك ". رابعها: محور السياسات الشرعية في إصلاح الرعية، وهنا ظهر ما يعرف في وقتنا بالإسلام السياسي، وهو يعتني بإصلاح الحكم والحاكم وظهرت فيه مناهج ومدارس وحركات إسلامية مرجعوها هو تحكيم الإسلام كمنهج حياة، وفي هذا المحور توجد مفاهيم وتصورات وجماعات تتباين وتختلف وتتقاطع في الفهم والمحور منها من هو موجود في الساحة السياسية وفي غيرها حسب قدراته وقناعته. ومن خلال ما عرضناه يتبين لنا أن مسألة المرجعية عند عموم السنة لامعنى لها وسنضيع فيها الوقت الكثير وكذلك الجهد، لأن السنة لايرون المرجعية في الفقيه " تشخيص المرجعية " كالشيعة، ولايرون المرجعية في المذهب والطريقة والمنهج المفسر للدين، يذكر أن الخليفة أبوجعفر المنصور العباسي، وهو حاكم غالب طلب من الإمام مالك أن يجعل كتابه للحديث الشريف " الموطأ " مرجعا للإمة الإسلامية، فأجابه بالرفض قائلا " وما يدريك يا أمير المؤمنين لعل حديث رسول الله مازال منتشرا بين الناس لم أدركه "، من هذا المنظور لا يمكن حمل الشعب على مذهب واحد ورواية واحدة للقراءة القرآن. الجزائر ولله الحمد يوجد في نخبتها الدينية مذهبية فقهية غالبة " المالكية " مع تواجد مذهبية متوارثة تاريخيا بطابع جغرافي وعرقي ببعدين فقهي عقائدي " الإباضية "، وتواجد المنزع السلفي بالبعد الوهابي الذي يجنح خارج دائرة السيادة، فهو على موجة التأثيرات الخارجية خاصة الموجة السعودية. الطرق الصوفية في الجزائر ذات نزعة مسلكية سلوكية تقوم على الذكر والتوسل والحقيقة والمعرفة ومراتب التدرج تخضع للولاء والارتباط بالشيخ وليست طرائق عقائدية ذات نزعة فلسفية معرفية حيث الشطحات والبدع المغلظة، فلها في العقائد ماهو في الغالب متوافق مع عموم الجزائريين، بحيث لا توجد بينهم وبين العموم فوارق وصراعات. الرأي الذي أراه في الموضوع؟ أولا: المرجعية الدينية هي الكتاب والسنة وسائر المراجع المتفق عليها عبر الزمان بين علماء السنة. ثانيا : لا نتحدث بالمرجعية، بل نتحدث بالمنظومة الدينية للمجتمع الجزائري. وهي القضايا التي تنتظم بها الحياة الدينية للجزائريين، وهي كالآتي " المسجد والمدرسة القرآنية والزاوية وبرامج التكوين الشرعي على كل المستويات ومختلف قطاعات التربية والجامعة ومعاهد تخريج الأئمة والكتاب والنشر والإعلام وسياسة التبريز والتأهيل الشرعي العالي وإيجاد العلماء والمجتهدين والجمعيات الدينية" ثالثا : جعل الفتوى ومؤسساتها في موقع الربط بين أطراف المجتمع لتحقق المرجوع والفصل في مختلف القضايا الدينية في حياة الجزائريين. رابعا : الاستيعابية المنتظمة في المؤسسة الدينية نقصد أن تكون مؤسسات تستوعب الثراء الفقهي والصوفي والمذهبي والفكري في مؤسسة واحدة بتصور قائم على حسن إدارة الخلاف وحصره والخروج بالمتفق على عموم الجزائريين في مختلف القضايا الدينية. خامسا : إيجاد مرصد معلوماتي وتحليلي يرصد ظاهرة التدين في المجتمع في مختلف الأوجه " الأفكار الدينية الهدامة وحركية الغلو والتطرف الديني والقضايا التي تزعزع القيم الدينية وتسجيل عوامل الوسطية والإعتدال في التدين ويعمل على اقتراح الإصلاحات الدينية في القطاع ومختلف مؤسساته منها المسجد. سادسا : إيجاد تصور مشترك في تكوين الكوادر الدينية في مختلف المؤسسات مع التكوين مستمر في المؤسسات ومن قواعد هذا التصور. 1 : قاعدة في العلوم الفقهية والعقيدية رزينة وقوية قائمة على المذهبية المالكية ومع الانفتاح على مختلف مذاهب السنة. 2 : تحديد مختلف الإشكالات والشبهات والمفاهيم المنحرفة والمغلوطة عن الإسلام وتمكينه بمنهجية المعالجة والإجابات عنها ورعايته باستمرار " المرافقة في المهمة ". 3 : إعتماد الإعتدال في الوعظ والتوجية والإرشاد والتعليم والوسطية في الفهم والفتوى والحكم. 4 : تمكين الإمام من أدوات التأثير الدعوي في مسجده ومحيطه. ملاحظة : يستحسن عقد لقاءات للخبراء وذوي التجربة والأئمة والأكادميين لرفع الحالة الدينية للمجتمع الجزائري، وليس بالضرورة لقاء إعلامي وإنما لقاء علمي ميداني.