فاروق أبو سراج الذهب طيفور مدير مركز المنظور الحضاري للدراسات الافرو آسيوية والسياسات البديلة/ الجزائر
معارضو التطبيع وردود الفعل… قراءة في المستقبل: الاتفاقية التي أعادت العلاقات التركية "الإسرائيلية" الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت ست سنوات، أثارت جدلا واسعا في تركيا حول التزام إسرائيل بالشروط الثلاثة التي كانت أنقرة تشترطها لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب، واشتد النقاش بالتحديد حول الشرط الثالث المتعلق برفع الحصار المفروض على قطاع غزة. فالجماعات غير الراضية عن الاتفاق التركي "الإسرائيلي" ليست في تركيا فقط وإنما هناك مجموعات داخل إسرائيل غير راضية عن هذه التطورات. ففي الجروزلم بوست نشر تحليل إخباري تحت عنوان "حماس وتركيا هما الفائز في الاتفاقية"، في حين كتبت صحيفة هآرتس: "اتفاقية تأخرت سنوات عن موعدها. نفس الشروط كان لإسرائيل أن تحققها وتنفذها بعد الهجوم والحادثة مباشرة". أما الموقف الأكثر لفتا للأنظار فقد جاء من طرف الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت الذي كتب "إن موافقة الحكومة الإسرائيلية على اتفاقية الاستسلام لتركيا أمر يبعث على الحزن". فإذا ما قدمت دولة اعتذارًا وقامت بدفع تعويضات فهو اعتراف بالذنب من قبلها.() أما على الساحة التركية، فكما نعطي أهمية لعلاقتنا نعطي أهمية أكبر لكرامتنا. فقد بين رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن شرف وكرامة الدولة التركية هو الأهم. السبب الحقيقي للاضطرابات هو أثر التوصل إلى الاتفاقية بعد ست سنوات من المحادثات وبعد قبول معظم المطالب التركية فهو مختلف كليا. ولأول مرة منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في البلاد، انتقد الإسلاميون قرار الحكومة التركية بشدة، وأعربت هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية (IHH) عن رفضها للاتفاقية واعتبرتها اعترافا رسميا بحصار غزة. وقالت إن الاتفاقية التي تمنح تركيا بعض التسهيلات لإيصال المساعدات الإنسانية عبر ميناء أشدود لا تنهي الحصار، مشددة على حق سكان القطاع في التمتع بحرية التنقل(). المعارضة التركية بدورها انتقدت الاتفاقية التي أبرمت لعودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها، كما أنها انتقدت بوادر ترميم العلاقات التركية الروسية، إلا أن تلك المعارضة ذاتها كانت تنتقد حتى اليوم تدهور علاقات تركيا مع إسرائيل وروسيا، وبالتالي ليست لانتقاداتها مصداقية في الشارع التركي الذي يؤيد إنهاء الأزمة مع روسيا، وكذلك مع إسرائيل للحفاظ على مصالح البلاد. ونقول مهما كانت الضرورات والإكراهات التي جعلت تركيا توقع على الاتفاق وقيادة غزة على السكوت او القبول فإن فعل التطبيع مع الكيان الصهيوني بأي حال أمر مرفوض، إلا أن هناك تفسيرات عديدة في تركيا لترميم العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب. ويقول محللون إن عودة العلاقات الدبلوماسية لا تعني بالضرورة التحالف مع إسرائيل، لافتين إلى وجود أزمات بين دول قد تصل إلى مستوى العداوة على الرغم من استمرار العلاقات الدبلوماسية بينها، مثل إيران وبعض الدول العربية. ولعل أبرز مثال لذلك هو العلاقات الإيرانية الإماراتية مع أن إيران تحتل ثلاث جزر إماراتية في الخليج العربي. كما أنهم يشيرون إلى تحالف بعض الدول مع تل أبيب خلف الستار وتنامي علاقاتها مع الكيان الصهيوني بعيدا عن الإعلام ودون وجود علاقات دبلوماسية بينها وبين إسرائيل. أما بخصوص الشرط الثالث المتعلق برفع الحصار فيؤكد محللون أن الحصار على قطاع غزة لا تفرضه إسرائيل وحدها، وأن مصر لو فتحت الحدود ومعبر رفح فلن يكون هناك حصار، ما يعني أن الحصار على القطاع يفرضه "الصهاينة الإسرائيلون" و"الصهاينة العرب" معا. ويقولون إن تركيا بذلت كل ما بوسعها لرفع الحصار الإسرائيلي ولكنها لم تنجح إلا في فتح ثغرة ليتنفس من خلالها سكان غزة، بانتظار أن يسعى الإخوة العرب إلى رفع الحصار العربي الذي يفرضه على القطاع "الصهاينة العرب" الذين هم "أشد كفرا ونفاقا وغدرا"، على حد تعبيرهم. كان من أهداف الحصار على قطاع غزة تشديد الخناق على سكانه حتى تسوء حياتهم اليومية لدرجة لا تطاق بهدف دفعهم إلى التمرد على حركة حماس التي تحكم القطاع. وألقت قوات الأمن في غزة القبض على أعضاء خلية مرتبطة بالخارج كانت تخطط لإثارة الفوضى. ولا شك في أن إنهاء كثير من الأزمات وتحسين مستوى المعيشة في القطاع سوف يسهم في إفشال مثل هذه المؤامرات التي تقف وراءها قوى لا تخفي انزعاجها من أن يشمل الاتفاق التركي الإسرائيلي تخفيف الحصار. الاتفاق التركي الإسرائيلي لم ينه الحصار، ولكنه فتح ثغرة كبيرة في جداره. وعلى تركيا الآن استغلال تلك الثغرة لإعادة الإعمار وإنهاء مشاكل الكهرباء والمياه والبطالة من خلال مشاريع مختلفة، بالإضافة إلى إيصال مساعدات إنسانية لتحسين مستوى معيشة سكان القطاع المحاصرين. تركيا بخطواتها الأخيرة لم تفتح ثغرة فقط في جدار الحصار المفروض على قطاع غزة، بل فتحت ثغرة أخرى في جدار الحصار الذي أرادت قوى عالمية ودولية فرضه عليها لإبعاد أنقرة عن ملفات الشرق الأوسط وتوريطها في أزمات مع قوى كثيرة. ويمكن أن نقرأ رسالة أردوغان إلى بوتين في ذات الإطار. الخطوات الأخيرة التي فرضت نفسها على تركيا تمنح في الوقت نفسه فرصة ثمينة لأنقرة لإفشال مخطط إنشاء "دولة حزب العمال الكردستاني" في شمال سوريا. وأكبر خطر يهدد حاليا أمن تركيا واستقرارها هو الكيان الإرهابي الذي يتشكل في شمال سوريا تحت غطاء الولاياتالمتحدة والدول الغربية. ومتى استغلت تركيا الأجواء التي يتوقع أن يخلقها إنهاء الأزمة مع روسيا وعودة العلاقات التركية الإسرائيلية، في إنهاء هذا الخطر فحين ذلك يمكن القول بأن الخطوات الأخيرة التي تقدمت بها أنقرة ناجحة. لكن تبقى خيارات الشعوب تقول: إن الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها من تركيا أو من غيرها، لا يمكن أن يقدم أي دعم لفلسطين أو للفلسطينيين، فكيف تدعمهم وأنت تعترف بمشروعية اغتصاب أوطانهم، إنما أنت تقوي عدوهم وتطيل عمر كيانه وتخفف من عزلته وتدعو دولًا أخرى للاحتذاء بك والتطبيع معه، والأهم من كل هذا أنك ترسل رسائل مضللة لوعى الشباب العربي والمسلم والحر في كل مكان حين تنتهك ثوابتهم ومعتقداتهم وتمررها تحت رايات وطنية أو إسلامية أو خيرية، ناهيك على ما في التعاون والتطبيع العسكري والأمني والاقتصادي من مكاسب سيحققها هذا الكيان الاستيطاني الباطل، وسيحولها إلى أدوات للقتل والطرد ومزيد من الاحتلال. لقد تصور الكثيرون وانتظروا أن يطور أردوغان غضبه من الاعتداءات الإسرائيلية ومن حصار غزة، ويعلو بسقف مواجهته لإسرائيل بأن يقوم بقطع العلاقات وسحب اعترافه بشرعيتها ويعمل على تطهير تركيا والأتراك من هذه السبة والسقطة التي طالتهم منذ عام 1949 حين كانوا ثاني دولة تعترف بإسرائيل بعد إيران.ولكنه لم يفعل، وإنما سعى لترميم العلاقات وإصلاحها وإعادة المياه لمجاريها. يقول المدافعون عنه، إنه يفعلها مضطرا نظرا للضغوط الإقليمية والداخلية والأوروبية التي يتعرض لها، ونرد عليهم بأنه لا أعذار للتطبيع مع إسرائيل، فلقد بيعت فلسطين ألف مرة بعشرات الذرائع، وإذا كنا قد رفضنا ذريعة السادات بأنه لا سبيل إلى استرداد سيناء في ظل الدعم الأمريكي واختلال موازين القوى، إلا بالصلح والسلام مع إسرائيل فكيف نقبل ذرائع الآخرين الواهية؟ ويقولون، لقد باع العرب فلسطين، فلماذا تعاتبون الأتراك؟ونرد بأن خيانة النظم العربية لفلسطين لا تعطي ترخيص بالخيانة لأي دولة أخرى، خاصة من الدول التي يروج لها "البعض" أنها زعيمة الأمة! كما أن الفهم الصحيح للاتفاق التركي الإسرائيلي فيما يتعلق بغزة، يتطلب الإجابة على سؤال: ما هو حصار غزة؟الحصار هو منع دخول أي بضائع إلى غزة إلا تحت الرقابة الإسرائيلية من معبر كرم أبو سالم وليس من معبر رفح. وأيضا تقييد حركة الأفراد من والي القطاع من معبر رفح إلا وفقا للتنسيق الأمني المصري الإسرائيلي.حسنا وماذا تم في الاتفاق التركي الإسرائيل؟تخلت تركيا عن مطلب رفع الحصار عن غزة مع السماح بدخول مساعدات تركية إلى غزة تحت الرقابة الإسرائيلية أيضا من ميناء أشدود، بالإضافة إلى عمل محطة كهرباء ومحطة تحلية مياه. والسؤال التالي: لماذا يحاصرون غزة؟والإجابة واضحة ومعلومة للجميع، يحاصروها لإكراه المقاومة على إلقاء وتسليم سلاحها، والاعتراف بشرعية إسرائيل على 78% من أرض فلسطين، والقبول بمقررات أوسلو. وماذا يفعل التطبيع التركي أو أي تطبيع أخر مع إسرائيل سوى تثبيت وتأكيد وتدعيم الاعتراف بإسرائيل وشرعية الاحتلال ومكانتها الإقليمية؟ قد يكون الاتفاق بين تركيا والكيان الغاصب افضل الممكن الان في انتظار الافضل من الممكن… لكن يبقى الدعم الحقيقي والوحيد الذي تحتاجه فلسطين وشعبها وقضيتها، هو المساهمة في التحرير بكل الطرق والوسائل ابتداء من المقاطعة وليس التطبيع . نحن نعرف ان أي حركة مقاومة للاحتلال ستحتاج الى الاستعانة ببعض الاصدقاء من الدول في عملية المفاوضات مع العدو لتتقدم في عملية التحرير بكل السبل والطرق والوسائل على قاعدة المقاومة طبعا وعدم وضع السلاح (نموذج الثورة الجزائرية في مفاوضات ايفيان) وماتقوم به تركيا في سبيل رفع الحصار على فلسطين وقطاع غزة يدخل في هذا السياق سيما وان اردوغان استقبل خالد مشعل قبل التوقيع على اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني لكننا نقول لحماس خاصة إن الاتفاقية التركية الصهيونية هي نتاج موازين القوى على الساحة، لم تستطع تحقيق مطلب رفع الحصار عن غزة لكنها حققت تخفيف الحصار، وهذا إيجابي لأن الوضع الحياتي في غزة أصبح صعبًا لأبعد الحدود.وفي المقابل يجب الحذر من أن يستخدم الاحتلال هذه الاتفاقية من أجل ترويض حركة حماس، أو ابتزازها بشكل دائم، أو مقايضة المقاومة خارج غزة مع التسهيلات التي ستقدمها الاتفاقية، ويجب التهيؤ للحظة التي ينقلب فيها الاحتلال على هذه الاتفاقية . يتبع… ) أكرم كيزيلتاش – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس، http://www.turkpress.co/node/23329 ) اسماعيل باشا ، تركيا تفتح ثغرة في جدار الحصار ، عربي 21 HYPERLINK "http://www.turkpress.co/node/23304″http://www.turkpress.co/node/23304