مليانة،،، جوهرة معلقة على جبل زكار… مدينة الإبداع، فردوس الخالق في الأرض… لوحة فنية رائعة، تتجلى فيها عظمة مبدع السموات والأرض،،، من لم يعرفها أضاع شطرا من عمره!!. الماء والخضرة والوجه الحسن، عناصر طبيعية تزيّن وجه مليانة، وتبدي فسيفساء الطبيعة في بهائها العذري… غرب مدينة الجزائر العاصمة نحو"100 كلم". وإذا قال شاعر لأهل الأندلس: يا أهل الأندلس لله درّكم ** ماء وظل وأنهار و أشجار ما جنة الخلد الا في دياركم ** و لو تخيرت هذا كنت أختار لاتحسبوا في غدا أن تدخلوا سفرا ** فليس تدخل بعد الجنة النار
فإنني كنت رفقة شاعرين عزيزين نرى مليانة الأندلس الثانية.. جنة في الأرض، ونقول أنها مدينة الابداع… كنّا ثلاثة كتاب نلتقي في مدينة مليانة كل مساء، خلال "سنوات 1988-1994" المرحومان الشاعر "خضر بدور" من سوريا، و"اسماعيل رسول" من العراق، والعبد الضعيف "خدوسي" من الجزائر وأحيانا ينضمّ إلينا المحامي "ابراهيم شاوش" والرسام "عباس كبير بن يوسف". أقمت بها منذ تعييني "سنة 1988" مفتشا للتعليم الأساسي قادما إليها من تاوقريت بولاية الشلف إلى غاية مغادرتي في "سبتمبر 1995" قاصدا مدينة ورقلة، بلدية نقوسة تحديدا. كنا نسير في أجمل شوارع مليانة كلّ مساء، إنه شارع الإبداع كما سميناه، يبدأ على مسافة كيلومتر من مدرسة "العربي التبسي" إلى ساحة الشهيد "علي عمار" المعروف بعلي لابوانت… هو بمثابة شرفة طويلة للمدينة بكاملها، يطل على المروج الخضراء والسهول الواسعة على امتداد البصر… كنا نتنافس على حب مليانة، هذه الفاتنة، فنردّد على مسمعها أجمل عبارات الغزل، أليس الغزل فن الرجال؟! فما بالك إذا كانوا شعراء أو غاوين !! وكانت تتجاوب مع كلماتنا في دلال فترسل نفحات من نسيمها العليل فينعش ولهنا المتواصل، وأحيانا تبتسم لنا في حي (زقالة) وتسقينا في حي العناصر، وتغني لنا مع العصافير في قمة عين النسور الشامخة، ثم تهدي كلّ واحد منا رداء موسميا عليه اخضرار الطبيعة وبياض الثلج وزرقة السماء واصفرار الشمس عند غروبها في ناحية (تيزي وين) ثم سواد الليل الذي يحلو في مقامه السهر…
وهذا قول أحدنا فيها، شاعر المدن خضر بدور:
"مليانة " يا زهو الوطن يا قمرا في ليل الزمن يا قلعة عز شامخة تختال على كتف الوطن يا شمس ربيع ضاحكة تتألق بالوجه الحسن يا لوحة"زكار" الكبرى تيهي بالحسن على المدن ما زلت بعيني زنبقة وهزازا يشدو على فنن وقصيدة شوق مبحرة كنوارس في أثر السفن وستبقين أجمل أغنية عذراء على مر الزمن
مليانة… تاريخ وحضارة
تجلس مليانة في سفح جبل، تحرس التلال والهضاب، عمرها كعمر التاريخ… إذ في "سنة25 ق . م" أعلن الإمبراطور الروماني "أوكتافيس" عن ميلاد هذه المدينة، التي سميت بعدئذ "زوكابار" وهي تسمية ذات أصل ليبي بربري. وبعد حقب من التاريخ، وكادت شمسها تغرب، إذ خرفت بعد ازدهار، لكن الربيع عاد إليها ثانية على يد "أبي الفتح بلوغين بن زيري الصنهاجي" الذي أعاد بناءها "سنة972م 362 ه". وفي العهد العثماني أصبحت مليانة مقرًا للباي وضُمّت إلى دار السلطان بالعاصمة "سنة 1517م" وأثناء هذه الفترة عرفت ازدهارا وتطورا ملحوظين في الميادين الاقتصادية
والثقافية والسياحية، ثم يختارها الأمير عبد القادر الجزائري "سنة 1834م" ليجعل منها إحدى قلاعه الحصينة المدعمة بالمنشآت العسكرية، كمصنع الذخيرة خارج أسوار المدينة!! ومن يقف اليوم بساحة الأمير خالد في قلب مليانة حيث دار الأمير عبد القادر أومقر الخلافة (المتحف حاليا) تعود به الأيام ليرى طيف ذلك الرجل القائد وجيشه العرمرم (10440 جندي) يستعد في ربيع "عام1840م" لمقاومة المحتل الفرنسي بقيادة الجنرال فالي. يتبع…