إعداد: د. فاروق طيفور مدير مركز المنظور الحضاري للدراسات الأفرو–آسيوية والسياسات البديلة / الجزائر للموضوع مراجع ستنشر في آخر البحث. خلال ما يزيد عن النصف قرن الماضي، دخلت الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل متتالي في صراع مع 3 نماذج رئيسية من الدول، الدولة الفاشية، الدولة الشيوعية والدولة الدينية أوالقومية، وساد جميع هذه العلاقات جو من العداء المعلن والشيطنة المتبادلة، والتعبئة الجماهيرية المضادة. وكانت المواجهة الأمريكية – السوفيتية الأكثر شدّا للأنفاس وتوتيرا للسياسة والعلاقات الدولية، حيث كانت أمريكا والاتحاد السوفيتي من الإيديولوجية إلى نموذج التنمية، ومن التحالفات إلى المصالح، يمثلان الشيء ونقيضه، ولم يلجم هاتين القوتين العظميين من الإنزلاق إلى حرب كونية غير ترسانتهما العسكرية اللتان أتاحتا لهما إمكانية تدمير بعضهما البعض، لذلك يحلو للكثير من المؤرخين وصف "الحرب الباردة ب"السلام الساخن" و"السلام الصعب"، أي السلام الذي فرضه الخوف من الفناء.
قياسا إلى هذه التجربة، نجد أن "نظرية الردع" تشمل العلاقات الصينية -الأمريكية في الوقت الحالي أيضا، فالصينوأمريكا يمثلان على التوالي ثاني اقتصاد عالمي وثالث قوة عسكرية، وأول اقتصاد عالمي وأول قوة عسكرية، ما يعني أن خيار المواجهة سيكون مدمرا للجانبين وللعالم. وإدراك الجانبين لهذه الحقيقة، هو ما سيجعل التعايش السلمي بين الصينوأمريكا خيار الرغبة والضرورة. ولإن علّمت تجربة الحرب الباردة الصينوأمريكا بأن السلام بينهما ضرورة، فقد جعلت العولمة السلام والتعاون خيارا طوعيا وبديهيا بالنسبة للبلدين، وهما اليوم أكثر قربا على مستوى الأفكار وأكثر ترابطا على مستوى المصالح.
ثمة من يرفض كلا التوقعين، فلا الانهيار ولا الازدهار على الطريقة الغربية للصين، فذلك ارتهان لنمط التفكير الغربي الذي لا يستطيع أن يستوعب السوق الحرة إلا مع الديمقراطية التي تبدأ بالليبرالية الاقتصادية وتنتهي بالضرورة بالليبرالية السياسية، فإما أن يسقطان سوياً أو يزدهران سويا، ولا مكان لأحدهما دون الآخر. يطرح المفكر مارتين جاك، في كتابه "عندما تحكم الصين العالم"، بأن للصين إمكانية لطريق آخر غير ما تتصوره عقلية المركزية الغربية، ويصعب تحديده الآن.. فالصين لديها صفات مختلفة عن الغرب والعالم، تراكمت في شخصيتها منذ آلاف السنين. ويطيل الكاتب في مناقشة هذه الصفات، لكن يمكن ابتسارها بأنها: أولاً، مفهوم الصين للدولة ليس قائما على المفهوم الغربي الحديث للدولة الوطنية بل على مفهوم خاص بها يسميه الدولة الحضارة بامتدادها التاريخي. ثانياً، أن الصين رغم ضخامتها سكانياً وجغرافيا تضم عرق واحد (الهان) يشكل 92% من سكانها، ثالثاً، العلاقات النهرية التي قامت في الصين وما جاورها منذ آلاف السنين ونظمت سلسلة من الروابط مع الجيران كانت بها الصين متفوقة ثقافياً ومصدراً للعطاء والحماية حتى قبل قرن من بداية التدخل الغربي واليابان، رابعاً: الوحدة السياسية في الصين ممتدة لأكثر من ألفي سنة، وهي تتماسك مع الوقت ولا تضعف، لقد عايشت انهيار الأمم منذ الإمبراطورية الرومانية حتى الاتحاد السوفييتي، لكنها ظلت فريدة في وحدتها.
وبدوره يطرح جيمس مان، الخبير في الشأن الصيني، في كتابه The China Fantasy طريقا ثالثاً للصين غير الازدهار أو الانهيار، ففيه يستمر التقدم الاقتصادي دون تغير سياسي. يستمر الحزب الحاكم محكماً قبضته لجيل قادم قامعاً الإعلام والتنظيمات السياسية ومغلقاً نظامه السياسي وفي الوقت نفسه فاتحاً نظامه الاقتصادي ومنفتحاً على العالم الخارجي عبر التجارة والاستثمار، فالصين ليست كاليابان أو تايوان أو كوريا الجنوبية لأن جيشها مستقل ولا تستطيع الحكومات الغربية الضغط عليها، ومن ثم تستطيع الجمع بين الانفتاح الاقتصادي والانغلاق السياسي. في أغلب الاحتمالات، الصين ستستمر في نظامها الشمولي، وهي تشكل غطاءً لأسوء الأنظمة الشمولية استبداداً ككوريا الشمالية، وفي هذه الأيام، لوحشية النظام السوري. كافة الدلائل حتى الآن، لا تشير إلى أي انفتاح في النظام السياسي الصيني، فالمستقلون من المنظمات الحقوقية والتقارير الصحفية والتصنيفات الدولية تضع الصين من أوائل دول العالم قمعاً للحريات السياسية، ومن آخر الدول ترتيباً في حقوق الإنسان. يتبع…