أعادت حادثة انهيار عمارة حديثة البناء ببلدية العاشور بالعاصمة عشية أول أمس، فتح الجدل حول مشاكل قطاع التعمير في الجزائر، مسلطة الضوء بقوة على عزوف أصحاب المشاريع المقاولاتية عن القيام بدراسات معمقة قبل فتح الورشات وعدم لجوئهم إلى مكاتب الدراسات المتخصصة في تحليل الأمور التقنية التي لا يفقه فيها لا المقاول ولا المرقي ولا حتى البنّاء. وأوضح فيديو نشرته وكالة الأنباء الجزائرية أول أمس، كيفية سقوط البناية التي تعود الى المرقي العقاري "صحراوي" ببلدية العاشور، حيث تبين من خلاله مدى هشاشة أساساتها، نظرا لسقوطها بفعل عملية حفر عميقة على احد جوانبها فقط، وهذا ما اثار دهشة خبراء البناء والمقاولاتية، الذين استغربوا من الحالة التي كانت ستكون عليها هذه العمارة اذا ما تعرضت لزلزال عنيف او امطار غزيرة، مؤكدين مرة أخرى خطورة البناء فوق هذه الأراضي الفلاحية الهشة وعلى اطراف الوديان التي يعمل عليها المرقون الخواص، المشتهر على اغلبهم عدم لجوئهم الى القيام بدراسات تقنية للأرضيات التي يشيدون عليها مشاريعهم، وعدم عرض مخططات البناء على ذوي الاختصاص المتواجدين بمكاتب الدراسات، وعلى رأسهم المهندسون المعماريون، مكتفين بما يمليه عليهم البناؤون من تعليمات ونصائح، طمعا في وضع اتعاب المختصين في جيوبهم، مقابل العمل بمهنية وضمير لتجنيب الخسائر في الارواح التي قد تنجم عن انهيار مشاريعهم على رؤوس قاطنيها. * كلفت لجنة مختلطة من المختصين بذلك وزارة السكن تفتح تحقيقا في انهيار عمارة العاشور شكلت وزارة السكن والعمران والمدينة لجنة تحقيق وتقصي لتحديد أسباب انهيار أمس الجمعة مبنى في طور الإنجاز ببلدية العاشور بأعالي الجزائر العاصمة، حسبما أعلن عنه بيان للوزارة امس.
وأضاف البيان "أن اللجنة تتشكل من المدير العام للبناء ووسائل الإنجاز، والمدير العام للتعمير والهندسة المعمارية، ومدير السكن لولاية الجزائر، ومدير التعمير والهندسة المعمارية لولاية الجزائر، والمدير العام للمركز الوطني للبحث المطبق في هندسة مقاومة الزلازل، ومدير المركز الوطني للدراسات والابحاث المتكاملة للبناء، ومدير المخبر الوطني للسكن والبناء.
وانتقلت اللجنة، حسب نفس المصدر، الى عين المكان لمعاينة الاختلالات الحاصلة في إنجاز هذه الإقامة وتسليط الضوء على الأسباب الحقيقية التي أدت الى وقوع هذه العمارة لتحديد المسؤوليات "مع اقتراح الإجراءات اللازمة تجاه الفاعلين بعد تحديد المسؤوليات" يضيف البيان. للذكر، تم انهيار المبنى في طور الانجاز- الموجود في المكان المسمى "اوربا 2000" ببلدية العاشور والمكون من طابقين، أول أمس في حدود الساعة 12سا 34 دقيقة، دون أن يخلف أية خسائر بشرية، حسب مصالح الحماية المدنية لولاية الجزائر.
* الخبير الدولي في مجال المقاولاتية جمال شرفي ل"الحوار": طمع المرقين الخواص في الربح السريع سبب الكوارث المعمارية اكد الرئيس السابق للمجلس الوطني للهيئة الوطنية للخبراء المهندسين والخبير الدولي في مجال المقاولاتية جمال شرفي، انجاز الآلاف من المشاريع السكنية في الجزائر دون العودة الى مكاتب الدراسات، رغم انها تمثل حلقة أساسية في عملية انجاز اي مشروع مقاولاتي.
ووجه شرفي في اتصال هاتفي مع "الحوار" اصابع الاتهام مباشرة في وقوع الكوارث الخاصة بقطاع البناء والتعمير الى المرقين الخواص الذين لا يحترمون القواعد الخاصة بالبناء، مرجحين كفة الربح السريع على كفة الحفاظ على ارواح السكان والحفاظ على الضمير المهني، مستنكرا في نفس السياق غياب ثقافة لجوء اصحاب المشاريع التعميرية للمهندس المعماري ووضعه في نفس الخانة مع البناء، وهو ما ادى الى تشوه المحيط المعماري للجزائر ونسف بواجهتها الجميلة.
كما اعاب شرفي في نفس الاطار، على المسؤولين على قطاع السكن والعمران غياب النصوص القانونية الملزمة للخواص بضرورة العودة الى مكاتب الدراسات قبل الانطلاق في اي مشروع بناء، وهو ما ينعكس على واقع المشاريع السكنية في الجزائر المفتقرة الى العمليات التقنية المضبوطة، لافتا الى ان اقتصاد كيس من الاسمنت او زيادة لترات من المياه في صب الخرسانة قد يكلف الشركة المنجزة خسائر كبيرة هي في غنى عنها. وأكد شرفي في السياق نفسه، غياب الرقابة على هذه المشاريع، قائلا بأن القطاع في حاجة ماسة الى هيئة رقابية وقائد أوركسترا وقانون منظم للتنسيق بين حلقات القاعدة الثلاثية للبناء المتمثلة في المقاولة، صاحب المشروع، ومكتب الدراسات، اللذين من شأنهما تجنيب المشاريع المقاولاتية كوارث مستقبلية.
اما بخصوص حادثة وقوع العمارة التابعة لمشروع المرقي "صحراوي" ببلدية العاشور، فقد أرجع شرفي اسبابها الى الحفر العميق بجانبها دون احترام المسافة القانونية بين البناءين، بالإضافة الى التربة الرديئة المنجزة فوقها العمارة التي اعتبر شرفي انها غير صالحة للبناء، لافتا الى ان الامر ينطبق على معظم اراضي العاصمة، كونها واقعة على سهل متيجة او على ضفاف الوديان، مشيرا في نفس الموضوع الى انه كان يتعين على صاحب المشروع او المقاول او مكتب الدراسات انجاز حائط اسمنتي لتثبيت التربة بالتقنيات المعمول بها عالميا. وفي نفس الموضوع، استغرب شرفي عدم خروج أي مسؤول لحد الساعة للإدلاء بأي تصريح بخصوص الحادثة رغم ان المرقي "صحراوي" من أقدم المرقين العقاريين في الجزائر، معتبرا قيام مكتب الدراسات بمتابعة المشروع وسقوط العمارة في ظل ذلك كارثة وعدم وجود مكتب دراسات أصلا كارثة أعظم.
* رئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم ل"الحوار": المشاريع الكبرى مهددة بالانهيار! استنكر الخبير في الهندسة المقاومة للزلازل والكوارث الطبيعية والصناعية ورئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم، قيام أصحاب المشاريع بدراسات سطحية وعشوائية قبل انطلاق الورشات، معتبرا إياها خطرا حقيقيا محدقا بحياة المواطنين.
وفتح رئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم في اتصال هاتفي مع "الحوار"، النار على جميع المشاريع السكنية المنجزة خلال 15 سنة الماضية بما فيها المشاريع الكبرى، على اعتبار ان جميعها مبني على اطراف الوديان والأتربة الهشة، باستثناء ما شيدته فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية، قائلا بأن اي زلزال او فيضان او هطول امطار غزيرة قادر على احداث كوارث كبيرة.
وأضاف شلغوم أن المئات من العمارات في الجزائر التي تعتبر من مشاريع القرن مهددة بالانهيار في اي لحظة، نتيجة غياب الدراسات المعمقة للمشاريع قبل تجسيدها على ارض الواقع.
أما بخصوص حادثة وقوع عمارة حديثة التشييد ببلدية العاشور، فقد أرجعها الخبير في الهندسة المقاومة للزلازل والكوارث الطبيعية والصناعية شلغوم إلى سوء الدراسة وكذا التربة الهشة التي بنيت عليها.
* رئيس المجمع الجزائري لخبراء البناء والمهندسين المعماريين عبد الحميد بوداود ل"الحوار": غياب الرقابة على الورشات سبب وقوع الكوارث اكد رئيس المجمع الجزائري لخبراء البناء والمهندسين المعماريين عبد الحميد بوداود غياب الرقابة على المشاريع السكنية وعلى تطبيق القوانين المنظمة للمهنة.
وأضاف بوداود في اتصال هاتفي مع "الحوار"، أن المشكل وراء انهيار المشاريع السكنية يتمثل في غياب الرقابة على المشاريع وعلى تطبيق النصوص القانونية، معيبا على صاحب مشروع العمارة المنهارة عدم وجود مخبر متنقل لمراقبة سيرورة العمل، كما شكك في الدراسات التي يقوم بها اصحاب المشاريع، مستغربا مواصلة اعمال البناء بهذه الورشة خلال العطلة الاسبوعية، مما يؤكد –حسبه- غيابا كليا لمكتب الدراسات في الاشراف على عمليات الحفر، داعيا في نفس الاطار الى تشكيل لجنة مزدوجة من الخواص والعموميين لدراسة المشاريع السكنية قيد الانجاز. ليلى عمران