فتحي شفيق، الإعلامي الرحالة الذّي جاب بقاع العالم، مشوار مهني حافل، وتجربة جديرة بأن تذكر، فهو قلم خط طريقه من عالم الصحافة المكتوبة إلى السمعي البصري، حيث تخصص في قسم الربورتاج والدبلوماسي، وفي هذا اللقاء الذي جمعه ب"الحوار" تحدث شفيق عن تجاربه في حقل الإعلام ورؤيته لعديد قضايا القطاع. _من أين تبدأ سرد رحلتك في حقل الإعلام؟ _أولا أشكركم جزيل الشكر لإتاحة لي الفرصة العودة للكتابة في الجريدة العزيزة علي جريدة "الحوار" التي مررت بها وأنا منتسب لعالم الصحافة المكتوبة…درست لسنتين في كلية الحقوق والعلوم الإدراية مع الإعلامية أمينة نذير، لكنني لم أجد نفسي فقررت الرحيل منها إلى كلية العلوم السياسية والإعلام، حيث درسنا في السنة الأولى كجدع مشترك علوم مكتبات وعلوم سياسية وإعلام في بني مسوس، وانتقلنا منها إلى كلية بن عكنون وتخرجت من كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية. التقيت بوجوه عديدة ساعدتني في مساري المهني، وكانت المسابقة الوحيدة التي أجريتها هي مسابقة وزارة الخارجية لانتداب كتاب دبلوماسيين فيما بعد، أول كتابة لي في الصحافة كانت كإسهامات بدأت من جريدة السفير التي أشكر مديرها بركان بودربالة، ثم تركت العاصمة واتجهت لمدينة حاسي مسعود للعمل في إحدى المؤسسات العاملة مع شركات النفط لكنني سرعان ماعدت للعاصمة، حيث وجدت استدعاء للخدمة الوطنية، وبعد خروجي سافرت إلى دبي في دولة الإمارات وحاولت العمل في مجال الصحافة المكتوبة، لكن أشياء عدة دعتني للعودة إلى الوطن …عدت وبدأت العمل في الصحافة المكتوبة وتنقلت بين عدّة جرائد، منها الأخبار والأجواء والحوار وأخبار اليوم والخبر الأسبوعي، وراسلت القدس العربي اللندنية والجزائر نيوز وجريدتي التي عملت معها من الخارج كمراسل دولي متنقل..ولكن في كل لحظة كنت أشعر أن حلمي هو العمل في السمعي البصري، لذلك أجريت عدة تربصات في بريطانيا وأمريكا، وخصوصا سان بطرس بورغ في روسيا..إلى أن أتيحت لي فرصة الانضمام إلى قناة الشروق الفضائية، والحمد لله فالكثير ينتقدون القنوات الخاصة والكثير أيضا يحبونها، لكن لا خلاف على أنها فتحت الآفاق وباب الظهور لمئات من الشباب الذي كان يحلم في دخول شارع الشهداء الذي كان موصدا إلا فيمن يحوز على الوساطة. _يقال إن الصحفيين الناجحين جلّهم تمرسوا في الصحافة المكتوبة، هل توافق هذا الرأي؟ الصحافة المكتوبة هي عشقنا الأول، وهنا أقصد من مروا عليها، فهي مدرسة رائعة تعلمك الكثير من الأشياء هذا دون أن ننتقص من زملاء المهنة في عالم السمعي البصري، لكن ما كان يفرقنا عنهم هو تلك المساحة أو القيمة المضافة التي جاء بها دستور فبراير 1989، والذي سمح بحرية الصحافة ولولا ما وقع للجزائر العام 1992 لكنا أحسن تجربة إعلامية في الوطن العربي، فالصحافة المكتوبة الجزائرية تتمتع بهامش كبير من الحرية ومقص الرقابة كان أثره ضئيلا بالمقارنة بتلفزيون واحد ووحيد آنذاك، إضافة إلى أن مروري من هناك سهّل علي الكثير من الأشياء في كتابة الخبر أو الربورتاج الذي تخصصت فيه الآن، حتى وإن كان ثمة نوع من الاختلاف للكتابة في الجريدة والكتابة للصورة، فالصورة تعتمد على قاعدة تقول لك أرني الحقيقة ولا تقول لي عنها. _كيف وجدت حال الإعلام في الدول العربية والغربية، وهل يمثل السلطة الرابعة فعلا في بعضها؟ من نعم الله علي أن الظروف سمحت لي أن زرت أغلب الدول العربية، ولذلك سأقول لك شيئا، الحرية مفهوم مطاط، وحين نتحدّث عن حرّية الصحافة يجب دوما أن نقرنها بالمسؤولية الاجتماعية للصحفي، وهنا لا أريد أن أمنح السلطة الحاكمة صكا على بياض، ولكن في الوقت نفسه أقر لك أن الجزائر ولبنان مع احتساب التجربة الكويتية هم الأحسن، وأقرن ذلك بمثال يمكن لك في مقهى في هذه الدول انتقاد أي مسؤول سياسي، لأن المشكلة في هذه البلدان اجتماعية وليست سياسية، سكن عمل..الخ، وهو ذكاء من هذه الأنظمة التي تركت مجال للتنفيس، أما باقي الدول العربية فلك أن تنتقدي الآخر، لكن إن وصلت لهم فسيأخذونك للسجن، أما بالنسبة للدول الغربية التي زرت أغلبها فالمساحة كبيرة جدا، لأنها دول مؤسسات وإن كان ثمة تباين، فالوضع في إسبانيا ليس نفسه في الدول الاسكندنافية، وأنا بنظري أن كل إنسان عاقل يعرف أن في كل بلد لا يوجد اختلاف بين سياسة الدفاع الوطني والسياسة الخارجية، أما خارج هاتين المسألتين فلكل واحد الحرية في قول ما يشاء، فالرأي حر والخبر مقدس، وهذه هي القاعدة. _شفيق الصحفي الخلوق والبشوش طاف بقاع الأرض وزار نقاطها الأربعة، ماذا أضاف التّرحال لرصيدك المهني؟ سؤالك استوقفني…لا يريد الإنسان أن يتفاخر لكن أشعر أنني لا أصلح لتقديم النشرات، فأنا أعشق العمل الميداني حتى في المراسلات الإخبارية…شعاري هو كما نقول بالعامية "صحفي البوط والغرقة"، وأقصد به الحذاء الخشن والوحل …إنني أتنفس الأعمال الميدانية والصحفي ومع احترامي لملايين المعلومات التي يعطيها لنا محرك غوغل، إلا أن على الصحفي أن ينزل من مقر عمله للتحقيق وإنجاز وإنتاج الأخبار أو الربورتاجات من أرض الواقع، وهذه هي الصحافة الحقيقية، فمن غير المعقول أن نبقى نقص ونلصق وهذا ضد المهنية الصحفية….ورجوعا لسؤالك، فأنا أقول إن الله في محكم تنزيله قال " إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ولهذا فأنا أشعر أن الخبر يعاد صياغته في كل مرحلة دخول رمضاني، اجتماعي وانتخابات، وهكذا ندخل في الروتين، والصحفي مطالب بالمرور من هنا، لكن بعد زمن أشعر أن الأخبار والربورتاجات تكون قيمتها أكبر حين تنتقل لمعرفة خبايا شعوب الهند والسند، وطريق البخور في الجزيرة العربية وعجائب وغرائب سكان المايا في المكسيك وغيرها…لقد كانوا يقولون إنّ الإنسان يتعلم إما بالدراسة أو مجالسة من هو أكبر منه أو بالسفر، وأنا اخترت السفر. _وكيف حال الإعلاميين الجزائريين في الخارج؟ مرة أخرى سؤالك يستوقفني، أولا علينا الاعتراف أن وصول هؤلاء الزّملاء الإعلاميين لمناصب رفيعة المستوى، هو قيمة مضافة للجزائر وللإعلامي الجزائري، فلك أن تنظري منذ ونحن صغار على ذلك الطاقم الذي كان يحرك قناة "الأم بي سي" كأول قناة فضائية عربية مثل الزميلة فاطمة بن حوحو ولخضر بريش ويزيد مواقي، وخلف الستار كرؤساء للتحرير، نجد الإعلامي الكبير مدني عامر، والإعلامي الكبير محفوظ بن حفري، ثم جاءت تجربة الجزيرة لتكشف للعالم عن أسماء لامعة كخديجة بن قنة وفيروز زياني وعبد القادر عياض، ونائب مدير الجزيرة اليوم هو جزائري اسمه مصطفى سواق، ورئيس تحرير النشرة الاقتصادية في الجزيرة جزائري اسمه حاتم غندير، ومدير قسم المراسلين في الجزيرة جزائري اسمه محمد.. الخ من الأسماء، إضافة لأسماء تعمل في الخفاء آخرهم التحاق الأخ والزميل ياسين بن لمنور والأخ والزميل سمير دويدي والوجه الجديد مراد عبد الله، واسمحيلي أنني استرسلت في أسماء الجزيرة ونسيت أسماء في "فرانس 24" كعادل قسطل وسندس ابراهيمي، وفي روسيا اليوم كمال عمان، ومراد شبين في أبو ظبي الحرة وسكاي نيوز..وفي "بي بي سي"، نبيهة وطاس وعلي واجانة وآسف إن نسيت أسماء ….إذا لأعود لسؤالك، فالجزائري يعيش في انعدام الإمكانيات في بلده، وأول ما تتاح له الفرصة يفجر تلك الطاقات بالمعنى الإيجابي…الجزائري على العموم عانى من عقد أيام الإرهاب فأصبح لا يثق في شقيقه، لهذا تجد كل المشارقة يتكتلون في لوبيات داخل المؤسسات، إلا هو يحبذ أن يكون بعيد، لذلك البعض يلوم على الآخر أن الجزائريين غير متحدين فيما بينهم…أتمنى أن تتغير الأشياء في المستقبل لتتكتل على شاكلة اللوبي اللبناني والمصري المتحكم في دواليب الإعلام العربي في الخليج وفرنساوبريطانيا.
_هل تفكر في الالتحاق بإحدى القنوات العربية إذا سنحت لك الفرصة؟ 99 بالمائة من كل الإعلاميين إن سألتهم هذا السؤال يقولون لك طبعا نود أن نجرب حظنا في تجربة إعلامية عبر محطة أو جريدة لامعة، إما لأسباب مادية أو لتطوير الذات واكتساب الخبرات، وربما يعود لإفادة الجزائر والإعلاميين الجزائريين، كما حدث لمدني عامر ولليلى بوزيدي التي أشكرها على ما منحته لنا من أفكار خلال إنجازي للربورتاجات أو إنتاج الأخبار…بالنسبة لي أنا أوافق الجميع في هذه المسألة، لكن الذي أقتنع به أن الصحفي عليه أن يثبت نفسه في داخل الوطن، وأن يكسب مكانته عند المشاهد الجزائري أولا، وهو ما حدث لجل من نجحوا في الخارج. _لقاءك بالدبلوماسيين والسياسيين، هل يجعلك شاهدا على العصر والأحداث؟ لايريد الإنسان أن يتفاخر وهو في أول الطريق، لكن أعتقد أنني أوافقك الرأي، فالسياسيون والدبلوماسيون هم من يصنعون المشهد الإعلامي والمعلومة السياسية أوالاقتصادية، لديهم الدبلوماسي يبحث ويجمع ويخزن في دهاليزه، والسياسي أيضا ويتكلم، أما أنا فأجمع وأنشر أو أذيع أو أبث ….بقي شيء يحز في نفسي أن ثمة سياسيين من كبار القوم رحلوا ولم نسجل الصناديق المملوءة من المعلومات التي كانت في صدورهم، وهنا أتذكر الراحل عبد الحميد مهري، الطاهر بن عائشة ذلك الراحلة والأديب والفيلسوف والصحفي الذي طاف نصف المعمورة، إضافة إلى من صنعوا ثورة 1 نوفمبر 1954، ووجوه رحلت من العالم العربي، كالأديب والصحفي المصري أنيس منصور، أو الدبلوماسي الذي ما يزال على قيد الحياة، هنري كسينجر، مهندس السياسية الخارجية الأمريكية. _ماهي أهم الرحلات التي تحتفظ بها في كتاب الذكريات؟ أهم الرّحلات التي بقت في مخيّلتي أو ذاكرتي….سؤال يصعب الإجابة عليه وأنا عندي حدود هي مجموع كلمات هذه الصفحة…في مهمات صاحبة الجلالة، الصحافة تجعلك تبيت يوما فوق أكياس من الدقيق والأرز لإيصالها لمخيمات اللجوء، وفي أيام أخرى في برج العرب في دبي أو ناطحات جزيرة منهاتن ومنتجعات بحر الكاريبي…لقد منّ الله عليّ بأن زرت البندقية ووقفت على رحلات التجار العرب، وسافرت إلى بلدان المجاعة وأماكن اللجوء التي تجعلك تحمد الله على أن لدينا سقف يؤوينا، في مقابل ذلك تقف على بلدان فاق التطور فيها، لدرجة أنك تسأل نفسك هل هكذا سنعيش بعد 300 سنة، وهو حال اليابان والولاياتالأمريكية، ومع ذلك أشدد على شيء مهم أن الجزائر هي البلد الوحيد الذي وجدته يشبه الولاياتالمتحدةالأمريكية، فلا يمكن أن تجد في فرنساوبريطانياوروسيا وأندونيسيا الثلج والصحراء والبحر والغابات في يوم واحد، إلا في الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالجزائر. _الحاج شفيق، رحلتك إلى البقاع المقدسة، هل كانت الأجمل؟ تمنيت في الأول أن لا أجيب على هذا السؤال، لأن الحج يجازي به الله تعالى، ولاداعي أن نتحدث عن أمور هي لله وحده، لكن أعدت التفكير وقلت إن وضع صورة لي على وسائل التواصل الاجتماعي لن تكون للتفاخر بقدر ماهي دفع للزملاء لأن يتذكروا شيء اسمه الحج، وحتى وإن صارت قيمته باهظة الثمن، فمن استطاع أن يذهب للحج فهي نعمة إلهية سترى فيها يوم الحشر المصغر الذي شاهدته، ففي النفق سترى الصراط المستقيم، وفي مزدلفة سترى الناس كالفراش المبثوث نائمون بقطعتين لا جيوب لها وكأنها ما يلاقي به الإنسان ربه، أيضا ربما لأن الحج كان أول أهداف الرحالة المغاربي ابن بطوطة الذي انطلق من بلاد المغرب العربي باتجاه مكة، ومنها سافر مشارق الأرض وكان أهم رحالة هو عربي..
في الأخير، أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذة سامية حميش، التي أتاحت لي هذه الفرصة للعودة للكتابة في جريدتي التي أعتبرها داري وأطول جريدة عمّرت بها من حيث الزمن 2007 – 2011 ، وأتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ محمد يعقوبي، الذي أقرأ له وأشاهد أعماله من زمن الجريدة إلى زمن التلفزيون، كما أتقدم بالتحية الخاصة للأستاذ نصر الدين قاسم، والزميل ياسين بن لمنور، والأستاذ عبد المالك قرين، وعبد الرحمن طيبي، و فاتح إسعادي، وهيام لعيون، وسامية بهيج، وبوعلام ناصف وزهرة ديك، و نيسة وسميرة زملاء القسم الرياضي، وفايزة سايح ومليكة ينون وميلود عباس، وآسف إن نسيت أحد من الزملاء. حاورته: سامية حميش