صورة الجزائر الحقيقية تظهر في التلفزيون العمومي القنوات الخاصة تقدم برامجا وأخبارا تدفع إلى اليأس والقنوط حاوره: سمير تملولت موهبة صاعدة تألقت مؤخرا في سماء الإعلام الجزائري، شاب في مقتبل العمر اختار الإعلام طريقًا له، وسرعان مانال الإعجاب والاحترام من مشاهدي قناة القرآن الكريم، إنه الإعلامي فتحي يعقوب الذي استقبلنا بصدر رحب في هذا الحوار الشيق.
بدايتك كانت في الصحافة المكتوبة عبر جريدة "الأنباء اليومية"، كيف كانت التجربة؟ الحقيقة أن الحياة تجارب ومحطات، ولعل من أبرز المحطات في حياة أي عاقل يمشي على الأرض أن يرتبط بما يهوى، أنا أهوى الصحافة فارتبطت بها. أقول هذا الكلام طبعا وأنا موقن بأن ما نعيشه وما نحياه، إنما هو إنفاذا للإرادة الإلهية والخير كل الخير فيما اختاره الله سبحانه وتعالى، ومما اختاره الله لي أن تكون جريدة "الأنباء اليومية" أول منبر إعلامي اعتليه. عمليا كانت يومية "الأنباء" مدرسة قاعدية بامتياز في مساري الإعلامي، ومما يسجل لي في هذه الجريدة أنني كنت من بين الطاقم المؤسس لها، طاقم كان يقوده الأستاذ والمثقف والصديق محمد كاديك الذي شغل ولسنوات منصب مدير المشهد الثقافي، وهي عبارة عن مجلة ثقافية تصدرها جريدة الشعب، كان يعرفني ويعرف ما حباني الله به من إمكانات في الكتابة، أحفظ له ثقته المطلقة في قلمي، فكنت أعد الربورتاجات وأنجز التحقيقات أحيانا وأكتب الافتتاحية أحيانا أخرى، كما كنت أقوم بتغطية أهم الأحداث الوطنية، ولعل أهم حدث قمت بتغطيته كصحفي في يومية "الأنباء" هو إعلان وزير الداخلية يزيد زرهوني عن نتائج الانتخابات الرئاسية، أفريل 2009 والتي فاز بها فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة.
انتقلت بعدها إلى الإعلام المرئي، لتحط الرحال بالتلفزيون الجزائري، حدثنا عن هذه النقلة المهمة في مشوارك؟ توصيفك دقيق جدا، فالالتحاق بالتلفزيون الجزائري شكل نقلة نوعية في مشواري الإعلامي، كيف لا والأمر يتعلق بالتلفزيون الجزائري، من أكبر المؤسسات الإعلامية بالوطن العربي، وفي الوقت ذاته مدرسة إعلامية عالمية، ولا يقول عكس ذلك إلا جاحد، لكن العلي القدير أكرمني وزادني تشريفا، بأن جعل التحاقي بالتلفزيون عبر بوابة قناة القرآن الكريم، فخر الأمة وعزها والمرجعية التي يلتف حولها كافة أبناء الوطن. تم انتقائي بعدما أجريت كاستينغ، فقدري ولله الحمد أن أكون دائما ضمن الطاقم المؤسس، طاقم إعلامي بأسماء من العيار الثقيل على رأسهم الأستاذ الحاج محمد عوادي مدير قناة القرآن الكريم، وعدد من الكوادر الإعلامية التي تملك خبرة وتجربة كبيرة في العمل التلفزيوني. الحقيقة والحق يقال أن غالبية المنتسبين للقناة كانوا شبابا، وكانوا حديثي العهد بمرحلة ما بعد التخرج من الجامعة، إلا أنهم يختلفون عن غيرهم بمستواهم المعرفي الجيد وأخلاقهم العالية، والقابلية المطلقة للتعلم الناجمة عن حب المهنة، هذه العوامل الثلاث اتحدت مع إخلاص مدير القناة وإشرافه المباشر على عملية تطوير الأداء، فكانت النتيجة طاقم إعلامي شاب يعتمد عليه في إنجاح أول تجربة تتعلق بالإعلام الموضوعاتي بالجزائر.
أين تجد نفسك اليوم، في الكتابة أم في التقديم التلفزيوني؟ الإعلامي لا يمكنه أن يعيش إعلاميا دون قلم، بل ما يميز الصحفي عن غيره من زملائه، هو قوة نصه وسلامة لغته وسعة ثقافته، وما يلي ذلك فإنما يرتبط بطبيعة المؤسسة التي يشتغل بها، فالإذاعة تتطلب صوتا جميلا، والتلفزيون يتطلب حسن المظهر وقوة الحضور، هذا الذي تعلمته. أساس العمل الإعلامي قوة النص والثراء اللغوي، ولذلك فإني أحمد الله الذي جعل من الصحافة المكتوبة، أول محطة في مساري الإعلامي، ففي الجريدة تعلمت كيف أكتب النص الإعلامي الذي يختلف تماما عن النص الأدبي، والنص الاجتماعي، والنص الأكاديمي. النص الإعلامي يتطلب لغة إعلامية، لا تنزل للغة الشارع والعوام، ولا ترتفع لمستوى الفرزدق وجرير. الانتقال إلى التلفزيون كان بمثابة الانتقال إلى طور تعليمي أعلى، تستغل ما تعلمته في الصحافة المكتوبة، على أن تطوره إلى حده الأقصى وهو الإلمام بكافة قواعد العمل الإعلامي المحترف. ورغم أن تحرير النص التلفزيوني يختلف تماما عن تحرير نص في الصحافة المكتوبة، إلا أن عامل قوة الكلمة ظل واردا ومهما.
قدمت عدة تحقيقات وربورتاجات وأركان ناجحة على غرار أسواق وأذواق، أسماء ومعاني وفي الميدان. أي تجربة أغرتك أكثر؟ إذا قلت لك، لا يعجبني في العمل التلفزيوني إلا إنجاز التحقيقات والربورتاجات، فلن يكون كلامي دقيقا. وإن قلت إن التقديم والظهور على الشاشة أهم من العمل الميداني، أكون قد جانبت الصواب أيضا. بعد الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتي في الحياة هما الوالدين الكريمين، وقد تعلمت منهما أن أكون إنسانا واقعيا، والواقعية تقتضي أن أدرك أن الحياة أجزاء وجزئيات، وكل جزء مرتبط بما يليه ومكمل له، فعندما تكون إعلاميا بالتلفزيون، ستدرك أن من تفاصيل العمل بهذه المؤسسة الإعلامية، هو البحث وإعداد التحقيقات والربورتاجات والتقارير والتنشيط والتقديم ..إلخ، كلها ضرورية ومكملة لبعضها البعض، كأنك بصدد منظومة متكاملة، والجميل أن تكون لك تجربة في كل شيء، فكل تجربة تزيد من نضجك الإعلامي.
هل من رؤية مستقبلية من شأنها تطوير المشهد السمعي البصري في الجزائر؟ سأجيبك عن هذا السؤال، من منطلق الإعلامي المتابع لما هو حاصل، فإلى زمن قريب كان التلفزيون الجزائري بقنواته الخمس هو الوحيد في المشهد السمعي البصري، وبعد فتح المجال أمام القطاع الخاص ظهرت العديد من القنوات الخاصة، وذاك مكسب وطني دون شك، لكن الذي لا يختلف فيه اثنان، أن التلفزيون العمومي سيبقى هو الأكثر هيبة ومصداقية، ومن يريد أن يرى صورة الجزائر الحقيقية دون تزييف، ويرغب في الخبر والمعلومة الرسمية سيلجأ دون شك إلى التلفزيون الجزائري، هذا لا يعني أنني أنقص من قيمة القنوات الخاصة، بل العديد من هذه القنوات تشتغل بها قامات إعلامية جديرة بالتقدير والاحترام وإنما هذا هو الواقع، أما الملاحظة الثانية، هي أن عامل الزمن سيكون له تأثيره على استمرار بعض القنوات الخاصة من عدمه، وإن كان الانسحاب الطوعي لعدد منها من المشهد السمعي البصري بات يلوح في الأفق، أما عن آليات التطور، فأعتقد أن الأمر وإن كان مرتبطا بشكل كبير بالإمكانيات والكفاءات البشرية، فإنه يرتبط أيضا بطبيعة المادة الإعلامية المقدمة، فالملاحظ في أغلب القنوات تقريبا أنها تقدم برامجا وأخبارا تدفع إلى اليأس والقنوط، من خلال التركيز على العثرات والمشاكل والهموم بشكل تجاوز الحد وفاق اللزوم.
ألم تفكر في الهجرة إلى قنوات عربية، وهل تلقيت عروضا للعمل في إحداها؟ الإنسان السوي، هو من تكون له طموحات وأهداف يعمل على تحقيقها متى أتيحت له الفرصة، غالبا ما تكون هذه الطموحات مرتبطة بتخصصه أو مهنته، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن جميع الذين يشتغلون في مهنة معينة أو تخصص معين يجمعهم نفس الطموح أو نفس الهدف مثلما جمعتهم نفس المهنة، لكل واحد أهدافه وطموحاته. طموحات المرء وأهدافه في هذه الحياة قد يكون هو الوحيد صاحب الحسم والفصل فيها، وقد تتدخل عوامل موضوعية أيضا. أنا سعيد حيث أنا، والخير فيما اختاره الله.
كلمة أخيرة لقراء الجريدة؟ لا يشكر الله من لا يشكر الناس. أشكركم في البداية على هذه الدعوة الطيبة والكريمة، فلكم مني جزيل الشكر والعرفان، وأبارك لكم تمكنكم من اكتساب ثقة وقلوب القراء، فانعكس ذلك في حجم الانتشار الواسع لجريدتكم.