رئيس الجمهورية يتلقى تهاني نظيره التركي بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك    المرصد الوطني للمجتمع المدني يخصص يومي الخميس والسبت لاستقبال الجمعيات    تجارة: تحديد شروط سير المداومات والعطل والتوقف التقني للصيانة واستئناف النشاط بعد الأعياد الرسمية    منظمة حقوقية تدين منع الاحتلال المغربي مجددا لوفد دولي من زيارة الصحراء الغربية    فلسطين: أكثر من 9500 أسير في سجون الاحتلال الصهيوني يواجهون جرائم منظمة وممنهجة    وهران: المعرض الدولي ال 27 للصحة "سيمام" من 9 الى 12 أبريل    تندوف : إطلاق أشغال إنجاز أكبر محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بغارا جبيلات    تجارة : تحديد شروط عرض الفواكه والخضر الطازجة بموجب قرار وزاري مشترك    حملة دولية لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين    موبيليس تتوج الفائزين في الطبعة ال 14 للمسابقة الوطنية الكبرى لحفظ القرآن    شهر التراث: إطلاق الطبعة ال1 لمسابقة "ماراتون التصوير الفوتوغرافي لولاية الجزائر"    خروج مظاهرات حاشدة في عدة مدن مغربية    الجزائر تستحضر ذكرى العقيد عميروش قائد الولاية الثالثة التاريخية    اسداء تعليمات صارمة لأجل انجاح عملية استقبال أضاحي العيد    سوق اهراس : وزير الشباب والرياضة يعاين عدة مشاريع ويتفقد قطاعه    مؤسسة "نات كوم": تسخير 4200 عون و355 شاحنة    حوادث الطرقات تخلف 6 قتلى و442 جريحاً    هطول أمطار رعدية في 10 ولايات    تأكيد على حرص الجزائر على إقامة علاقات متينة مع الدول الإفريقية    القضاء على مجرمين اثنين حاولا تهريب بارون مخدرات بتلمسان    السيد بوغالي يعزي في وفاة الفنان القدير حمزة فيغولي    المخزن واليمين المتطرّف الفرنسي.. تحالف الشيطان    ارتفاع قيمة عمورة بعد تألقه مع فولفسبورغ و"الخضر"    صايفي: كنت قريبا من الانتقال إلى نيوكاستل سنة 2004    عروض مواقع التواصل بديل لاستحضار "بنّة" العيد    تطور كبير في العمل التضامني خلال رمضان    الدرك الوطني يسطّر مخططا أمنيا خاصا بعيد الفطر    مدرب هيرتا برلين ينفي معاناة مازة من الإرهاق    تحويل صندوق التعاون الفلاحي ل"شباك موحّد" هدفنا    الجزائر تعرب عن تضامنها مع جمهورية اتحاد ميانمار    أنشطة تنموية ودينية في ختام الشهر الفضيل    بين البحث عن المشاهدات وتهميش النقد الفني المتخصّص    نحو تنظيم ملتقى "المسرح والذاكرة" وإنشاء شبكة توزيع العروض    تقييم مدى تجسيد برنامج قطاع الشباب    بوغالي وقوجيل يعزّيان في وفاة الفنان حمزة فيغولي    اجتماع تنسيقي حول بطولة المدارس الإفريقية لكرة القدم    مولودية الجزائر : بن يحيى يجهز خطة الإطاحة بأورلاندو بيراتس    الجزائر- قطر: التوقيع على الاتفاقية النهائية للمشروع المتكامل لانتاج الحليب المجفف    غضب جماهيري في سطيف وشباب بلوزداد يكمل عقد المتأهلين..مفاجآت مدوية في كأس الجزائر    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    بمناسبة الذكرى المزدوجة ليوم الأرض واليوم العالمي للقدس..حركة البناء الوطني تنظم وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    العيد ربيقة: الجزائر تشق طريق الانتصارات بقيادة الرئيس تبون    منظمات حقوقية: على فرنسا التوقف فورا عن ترحيل الجزائريين بطريقة غير قانونية    المجلس الوطني لحقوق الانسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالجزائر : اتفاقية تعاون لدعم إنشاء الشبكة الوطنية للنساء الوسيطات    توجيهات وزير الصحة لمدراء القطاع : ضمان الجاهزية القصوى للمرافق الصحية خلال أيام عيد الفطر    تعليمات صارمة للرؤساء المديرين العامين للموانئ لتسريع معالجة حمولات البواخر    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    "سوناطراك" فاعل رئيسي في صناعة الغاز عالميا    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقد جف القلم الأحمر..!
نشر في الحوار يوم 29 - 11 - 2016

أذكر جيدا ما كتبه الزميل حسان زهار مخاطبا مؤسسي جريدة الشروق ذات صيف من عام 2001 عندما رفعوا شعار "200 سنة خبرة" في مقال بعنوان "سأحاكمكم جميعا إذا فشلتم" .. كنت حينها صحفيا مبتدئا في جريدة سحرتنا عندما جمعت أقلاما وأسماء هي زبدة ما أنتجته الصحافة المعربة حينها .. سعد بوعقبة، علي فضيل، بشير حمادي، عبد الله قطاف، مصطفى هميسي، سالم زواوي، حبيب راشدين، سليمان جوادي، عشراتي الشيخ، ناصر بن عيسى، باديس قدادرة، محمد لعقاب، ومحمد عباس، عبد العالي رزاقي، عمار نعمي، نصر الدين قاسم، إبراهيم قار علي، حسان زهار .. وغيرهم كثير من كتاب لم يترددوا في الانضمام إلى هذا المشروع الواعد ككتاب ومساهمين أو داعمين بالمال والنفوذ والرأي.. انطلقت السفينة بكثير من الطموح ولكن أيضا بكثير من الحساسيات والحسابات والنوايا السيئة، ربما لأن السفينة انطلقت بأكثر من ربان وربما لأن الجماعة من جيل واحد ومستوى متقارب .. لن أتحدث عن الذي أو الذين خرقوا السفينة لأنني لا أملك الحق في ذلك بوصفي لم أكن سوى صحفيا بسيطا لا ناقة ولا جمل له في خلاف الإخوة الأعداء، ولأن المحكمة قد قالت كلمتها حينها وركبنا جميعا كصحفيين في الجزء الناجي من هذه السفينة محاولين إعادتها إلى عرض البحر والجنوح بها إلى بر الأمان، بل صنعنا منها بعد ذلك عصرها الذهبي ..سفينة بكل ما يقال عنها تعبر بالفعل عن الجزائر حلما جميلا وموجعا في ذات الوقت .. القصة بقدر ما تحمل من المعاناة والمغامرات بقدر أيضا ما تحمل من الطموح والشغف، لكن ما يهمني هنا هو بشير حمادي كيف بدأ وكيف انتهى ؟ ..
لعلني محظوظ .. أن الذي وظفني في الشروق هو الأستاذ عبد الله قطاف والذي أعطاني فرصة كاملة حد التخمة هو الأستاذ علي فضيل، لكن الذي علمني أبجديات الصحافة ووضعني على السكة الصحيحة هو بشير حمادي، لم يكن في زادي قبل أن أعرفه سوى مخزون لغوي يكاد ينضب وشعلة انتباه وطموح لم تكن لتعني شيئا في أجواء إعلامية طاردة للمواهب .. لكن بشير حمادي منذ الوهلة الأولى يشعرك أنك صحفي وأنك تستطيع أن تفعل ما يفعله الصحفيون الكبار من أمثال بوعقبة ومحمد عباس وحبيب راشدين، وبقدر الصرامة والاستقامة والوضوح في شخصية بشير لا يمكن أن يسمع الصحفي منه كلمة تحط من معنوياته وتقلل من شأنه أو تثبط عزيمته، بل قد تسمع منه ملاحظة قاسية في جملة لطيفة وعبارة رقيقة تجعلك تستشعر المسؤولية والثقة وتبادر بالقيام إلى واجبك ..
لقد اشتغلت مع الكثير من رؤساء التحرير في صحف مختلفة، العالم السياسي والبلاد وبعدها الشروق واشتغلت رئيسا للتحرير لأكثر من تسع سنوات في الشروق، لكنني لم أر في حياتي رئيسا للتحرير يغوص في تفاصيل صحفييه ويقرأ بتمعن كل ما يكتب لديه حتى التهاني والتعازي، مثلما رأيت وعشت مع بشير حمادي. نعم كان بشير حمادي يدخل مكتبه الساعة السابعة صباحا ليعد ما نسميه بالصفحات الميتة يقرأها ويعيد صياغة بعضها ويوجه أصحابها، ثم يستلم صفحات الحدث فيتفاعل ويقترح ويثمن ويوجه كل صحفي في موضوعه ثم يعكف على تصحيح أخطائنا بقلمه الأحمر ليواجهنا بها في اليوم الموالي .. أشهد أن قلمه الأحمر كان لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها في مقالاتنا حتى الفواصل وتركيب الصياغات، لست أدري من أين كان المرحوم يأتي بكل هذا الصبر والحلم والوقت ليقف على أخطاء كل صحفي ويتناقش معه فيها ثم يمر إلى الذي يليه حتى يشطب آخر صفحات الجريدة ليكون آخر من يغلق باب الجريدة مثلما فتحه أول مرة.
يشهد الجميع لشخصية بشير أنها فارقة وعادلة ومستقيمة، فارقة لأنه لا يشبه أحدا ممن حوله، يناقشك بمنطق ووضوح تتكسر على جداره كل الحجج الواهية ومحاولات التبرم أو الاحتيال التي قد يحترفها بعض الصحفيين للتهرب من مسؤولياتهم، لا تستطيع أن تكذب بين يديه إذا أردت التملص من واجباتك مثلما لم نكن نجد نحن الصحفيين من يراعي ظروفنا ويتساهل مع خيباتنا أكثر من بشير حمادي ربما لأنه يعرف ظروفنا واحدا واحدا موزعين بين الأحياء الجامعية والفنادق ويحاكي نفسياتنا فيما نكتب من مقالات ..
استقامة بشير حمادي لم تكن في شخصيته السوية وعقله النظيف فحسب، بل كانت في وضوح أفكاره إذا كتب أو تحدث، وثباته عليها إذا تغيرت الظروف، وقدرته على توليد الأفكار لدى فريقه واستيعاب ما يمكن أن يصدر منهم من إبداعات ومبادرات والإمساك جيدا بشعرة معاوية بين التحفيز والعقاب المثمرين، والقدرة على تحمل عبء الفريق سواء في تكوينه أو توجيهه أو مرافقة عمله بالخطوة وهي مهمة عجز عنها أغلب رؤساء التحرير الذين أعرفهم، والذين لم يفلحوا في ردم الهوة بينهم وبين صحفييهم بينما كان بشير يشتغل معهم في قاعة واحدة .. يقرأ ما يكتبون ويسمع ما يقولونه ..
كان يصححنا بالقلم الأحمر لأنه يحب الوضوح ويكره اللف والدوران، يعجبه الصحفي الملحاح الذي يكثر السؤال ليتعلم ولا يعجبه المنطوي المتكاسل، لست أدري من أين كان يأتي بكل تلك الطاقة التي تجعله يحاور ويتناقش مع كل صحفي في موضوعه ويستقبل ضيوفه بروح مرحة ويلملم أوراق الجريدة ويصححها حتى وهو يقوم بعمل آخر، لقد سماه البعض بالرجل الآلي لأنه لم يكن يتعب بينما أعتقد أنه يستمد طاقته من قدرته على الاستمتاع بكل لحظة في مهنته بالقدر الذي تنعكس عليه طاقة وإشعاعا وعطاء فتراه يزداد نشاطا آخر النهار بينما ننسحب جميعا إلى بيوتنا ..
أنا ممتن للمرحوم بشير حمادي على ما علمني ومعتذر لروحه على تقصيري في التواصل معه، ظل ودودا معي حتى عندما غادر الشروق ولازمني حينما أعدت بعث جريدة "الحوار" بالزيارات والنصائح، بل ساعدني في تذليل الخلافات مع بعض الرفاق الذين ربما فرقت بيننا السنون، لكنه رحل دون أن يودعنا جميعا .. رحل ولم يكمل بعد رسالته أو ربما أكملها وما نحن إلا حسنة من حسناته. رحم الله شريف الصحافة. إنا لله وإنا إليه راجعون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.