لمّا تشاهد حملة انتخابية في أوروبا أوّل ما يسلب نظرك ويذهلك تلك الألوان الزّاهية التي يختارها المتنافسون ، فكلّ طيف إلاّ وله لون يستميل به مناضليه والمتعاطفين معه، فتعتقد للوهلة الأولى وأنت ترى مهرجانا انتخابيا كأنّك في جنّة غنّاء، تمتع النّاظرين ، السّياسة عندهم فن ، وفيها متعة لا تضاهيها متعة، تبدأ بمنافسة شريفة وتنتهي بعناق حار وتهاني، والعملية الانتخابية يصاحبها "سوسبانس" في كامل أطوارها، النتائج فيها دقيقة والفوارق بين المتنافسين ضئيلة وتكاد تكون منعدمة أحيانا ، أمّا الفائز فلا يعرف حتى تلفظ جميع الصناديق أوراقها. الأحزاب السياسية هناك تستغل شبابها والأكفاء من مناضليها ، ترشّحهم لتنافس فصيلا سياسيا آخر، على الركح الانتخابي لا مكان إلاّ للبرامج والمشاريع والرؤى والأفكار، يختار في الأخير الشعب أكفأ المترشحين، وأنزههم ، وأعلاهم درجة في العلم ، وأقدرهم على المسؤولية، فيعيش الغربي أطوار هذه الانتخابات كأنّه يشاهد مسرحية ، كلّ فصولها مشوقة وممتعة. على النّقيض تماما، الانتخابات عندنا عبارة عن حرب ضارية، تسبقها معركة حامية الوطيس، تكون فيها الغلبة "للسّواعد" وأصحاب الشّكارة، شعارها "طاق على من طاق"، لا ألوان ولا هم يحزنون، الفائز معروف سلفا، "الصونداج" فيها غير مجد تماما، لأنّك مهما كنت دقيقا في عملياتك الحسابية ستكذبك النّتائج، أمّا الفائز فيها فيتوارى عن الأنظار مخْلفا كل الوعود التي أطلقها للغلابى و"الزوالية" فلا تبصره العين إلاّ بعد خمس سنوات بالتّمام والكمال. فرق شاسع وبيّنٍ بين ممارسة سياسية هادئة ممتعة ، مشوّقة فصولها، كأنّها قصّة محبوكة، لا تعرف بطلها إلاّ في الأخير، وبين ممارسة سياسية ما إن تبدأ حتى تُقرع طبول الحرب، وحملتها عبارة عن مسرحية "بايخة" سيئة الإخراج، تتلاطم فيها الأيدي والأرجل بدل الأفكار والبرامج، لا "سوسبانس" ولا هم يحزنون، لا مجال فيها للصدفة أو المفاجآت كتلك التي تشهد الانتخابات في الدول الغربية، لأنّ نتائجها معروفة سلفا، فلا داعي للتّخمينات و"تكسار الرّاس" بالحسابات الدّقيقة التي لن تسمن ولن تغني من جوع.