لابد للقلم أن يجف حبره حينما ينساب على الأوراق ليبدأ محاولة لاختصار سيرة القائد أحمد الجعبري، فهو الذي كان يشغل منصب نائب القائد العام لكتائب القسام، لذلك فالحديث عنه هو حديث عن كل مراحل تطور الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، الحديث عن الجعبري هو حديث عن كل العمليات البطولية التي قادتها هذه الكتائب في ميادين الشهادة بقلب فلسطين الطاهرة، الحديث عن الجعبري هو حديث عن الرعيل الأول الذي نحت الصخر لأجل أن تصل المقاومة في فلسطين إلى ما وصلت إليه اليوم سواء على صعيد التسليح أو التأثير الإستراتيجي البالغ، الحديث عن الجعبري هو الحديث عن واحد من الذين غرسوا البذرة الأولى لكتائب القسام في فلسطين واصطفاه الله لرعاية تلك البذرة إلى أن كبرت وألفت بظلالها على ربوع فلسطين لتلقي عليها ثمار الشهداء، ولا تزال كتائب القسام كلما سقطت منها ثمار الشهداء أنتجت ثمارا جديدة من المقاومين الأكفاء، فالبذرة التي تسقى بماء الإخلاص تبقى مثمرة إلى الأبد. في أسرة بسيطة تقطن حي الشجاعية في غزة، ولد أحمد الجعبري يوم 4 ديسمبر 1960، وهناك تدرج من الابتدائية إلى الإعدادية حتى أنهى المرحلة الثانوية، إلا أنه اتجه للعمل في الزراعة حتى يعيل أسرته، ولكن تلك الظروف الصعبة القاهرة لم تثنه عن مواصلة دراسته والحصول على شهادة الليسانس في التاريخ من الجامعة الإسلامية في غزة. بدأ النضال منذ سنوات شبابه الأولى حيث انخرط في مجموعات عسكرية تابعة لحركة فتح إلى أن تم اعتقاله في العام 1982 ويقضي في السجن 13 عاما، وهناك تأثر بأبرز قيادات حماس ومؤسسيها كالشهيد عبد العزيز الرنتيسي واسماعيل أبو شنب وابراهيم المقادمة وصلاح شحادة، ليلتحق بعد ذلك بحركة حماس ويصبح عضوا في مكتبها السياسي، وبعد الإفراج عنه في العام 1995 أسس جمعية النور لرعاية الأسرى وأسر الشهداء، لقد كان قلبه معلقا بالأسرى رحيما بأسر الشهداء، كان يدرك تماما أن الحل لقضية الأسرى هو المقاومة لذلك اتجه للعمل الميداني عاقدا العزم على تحرير الأسرى والثأر لكل قطرة دم فلسطيني قتل ظلما على يد المحتل الصهيوني، وهو ما حصل بعد ذلك بسنوات، وكان يقول " كتائب القسام لم ولن تسقط من حساباتها أي خيار ممكن من أجل تفعيل المقاومة وتحرير الأسرى وقهر العدو الغاصب المجرم، عيوننا ستبقى دوما صوب القدس والأقصى ولن تنحصر داخل حدود غزة، وإن مشروعنا المقاوم سيمتد كما كان دوماً إلى كل أرضنا المغتصبة إن عاجلاً أو آجلاً". توطدت علاقة الجعبري بالقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، والقائدين البارزين عدنان الغول وسعد العرابيد، وساهم معهم إلى جانب الشيخ صلاح شحادة في بناء كتائب القسام، ما دفع جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في عام 1998 إلى اعتقاله لمدة عامين بتهمة علاقته بكتائب القسام، وتم الإفراج عنه مع بداية الانتفاضة إثر قصف الاحتلال لمقرات الأجهزة الأمنية في القطاع، وبعد استشهاد القائد صلاح شحادة في العام 2002 أصبح أحمد الجعبري الرجل الثاني في كتائب القسام بعد محمد الضيف، ثم وضع على قوائم الاستهداف الصهيونية، حيث حاول الاحتلال اغتياله أكثر من مرة كان أبرزها تلك التي نجا منها بعد إصابته بجروح خفيفة عام 2004 بينما استشهد ابنه البكر محمد وشقيقه وثلاثة من أقاربه باستهداف طائرات الاحتلال الحربية منزله في حي الشجاعية . جاء العام 2006 بعملية بطولية لكتائب القسام استطاعوا فيه اختطاف الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، واتهم جيش الاحتلال أحمد الجعبري بالمسؤولية الكاملة على العملية، لقد كان الجعبري مهندس عملية صفقة وفاء الأحرار التي استطاعت فيها حركة المقاومة الإسلامية حماس فك القيد عن 1027 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال مقابل تسليمهم الجندي جلعاد شاليط، أوفى البطل الجعبري بوعده للأسرى وصدقت كتائب القسام وأنجزت حركة حماس العملية بكل حنكة واقتدار، وتناقلت وسائل الإعلام الصهيونية صورة القائد أحمد الجعبري وهو يمسك بيد الجندي جلعاد شاليط ليسلمه للوسيط المصري وتبدأ الصفقة ويعود في الجهة المقابلة الأسرى وسط احتفالات عظيمة خرج فيها كل الشعب الفلسطيني وقد غمرت أعينهم دموع الفرح بالنصر الذي راود أحلامهم منذ سنوات طويلة، لكن الفرحة لم تستمر طويلا، فبعد سنة من صفقة وفاء الأحرار، وبالتحديد في يوم 14 نوفمبر 2012 اهتزت غزة على وقع قصف عنيف استهدف إحدى السيارات وسط القطاع، وما إن تم إخماد النار وإزالة الركام حتى ارتفعت الصرخات تنعي البطل أحمد الجعبري، بكت فلسطين وخرج الشعب برجاله ونسائه يرفعون الرجل الذي رفع رؤوسهم وحرّر أبناءهم وانتقم لشهدائهم، شيّعه الجميع بسيول من الدموع الحارقة، إلا أن كتائب القسام أحيت اسم الشهيد فقامت بتطوير أحد صواريخها وأطلقت عليه اسم الجعبري، ليبقى هذا الاسم يزلزل الكيان الصهيوني ويبث الرعب في قلوبهم ويكسر كبرياءهم وجبروتهم، رحم الله القائد أحمد الجعبري وتقبله في عليين.