* غلام الله استقطب خيرة الخبراء لضمان نجاعة مشروع صندوق الزكاة * أقترح إنشاء صندوق وقفي للقرض الحسن * حصيلة صندوق الزكاة لاتزال متواضعة جدا * القرض الحسن حوّل "شباب بطال" إلى قوة منتجة * حصيلة الصناديق الحديدية داخل المساجد ضئيلة جدا * صندوق الزكاة بحاجة إلى تقنين وتأطير أشاد عضو المجلس الإسلامي الأعلى وأستاذ الاقتصاد الدكتور محمد بوجلال في حديث مع "الحوار" بدور الوزير السابق بو عبد الله غلام الله في إنشاء صندوق الزكاة، موضحا أن هذا الأخير عرف كيف يستقطب الخبراء من ذوي الرتب العالية للمساهمة في ضمان نجاعة هذا المشروع، مبرزا أهم ما يعيق مسيرة الصندوق مقترحا الآليات التي يجدر اعتمادها لمواجهة تلك العقبات، كما تطرق إلى خدمة القرض الحسن من صندوق الزكاة، مشيرا إلى المشاريع التي تم تمويلها من خلال هذه الصيغة والتي ساهمت في دعم الشباب وإخراجهم من دائرة البطالة والفقر. * تم إنشاء صندوق الزكاة سنة 2002 في عهد وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق أبو عبد الله غلام الله، ما تقييمكم لحصيلة أموال هذا الصندوق منذ نشأته إلى غاية اليوم؟ – الانطلاقة الفعلية لصندوق الزكاة كانت سنة 2004 حيث تم تعميم التجربة على كل ولايات الوطن، سبق ذلك تجربة بولايتين هما سيدي بلعباس وعنابة، ولما كانت المبادرة مشجعة، أقدمت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تحت إشراف السيد بوعبد الله غلام الله على تعميم التجربة، ولا بد أن أنوه في هذا الصدد بالدور الحاسم للسيد وزير الشؤون الدينية آنذاك الذي عرف كيف يستقطب الخبراء والأساتذة الجامعيين من ذوي الرتب العالية للمساهمة في إنجاح هذا المشروع غير المسبوق في التاريخ المعاصر لدول المغرب العربي. أما عن الحصيلة، فإنها حتى وإن كانت متواضعة بالمقارنة مع إمكانيات دولة افريقية كبيرة كالجزائر، إلا أنها في تزايد مستمر سنة بعد سنة وهذا أمر مشجع حيث تشير الأرقام أن أكبر حصيلة سُجلت خلال 1438ه التي قاربت 140 مليار سنتيم.
* صندوق الزكاة بإمكانه جني آلاف الملايير من الدينارات سنويا حيث يمكن أن يكون مصدر دخل كبير ويحل عديد المشاكل الاقتصادية، في رأيكم ما هي أبرز العقبات التي تواجه هذا الصندوق؟ – هذا سؤال كبير لواقع معقد تتداخل فيه عدة اعتبارات اجتماعية وثقافية واقتصادية وحتى سياسية، تعزيز دور صندوق الزكاة في محاربة الفقر وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء يحتاج إلى إرادة سياسية وإلى بناء ثقة بين الحاكم والمحكوم وإلى إيجاد الإطار القانوني المناسب، لقد تم اقتراح مشروع قانون لصندوق الزكاة في آخر عهدة الوزير السابق ولكن لا أدري ما مصير هذا المشروع الذي شاركت في إعداده نخبة من إطارات الوزارة وأساتذة الجامعة في مختلف التخصصات ذات الصلة كالقانون والشريعة والاقتصاد والعلوم المالية.
* لو تطلعنا على تفاصيل أكثر حول صندوق الزكاة في عهد الوزير السابق غلام الله؟ – الوزير السابق بوعبد الله غلام الله كان هو صاحب المبادرة وقد عرف كيف يستقطب الكفاءات الجامعية ويحفز مساعديه من إطارات في دائرته الوزارية ليضيف للنسيج المؤسساتي للدولة الجزائرية هذه المؤسسة الفتية التي اصطلح على تسميتها بصندوق الزكاة، آلية القرض الحسن للفقراء الذين لديهم حرفة أو شهادة جامعية أو صنعة معينة قدمت نموذجا مبتكرا لتحويل شباب بطال إلى قوة منتجة في المجتمع، ثم أن التقعيد الفقهي لهذه الآلية أن الأموال التي توزع في شكل قروض حسنة هي من صندوق الزكاة وإلى الفقراء الذين هم في حاجة لإقامة مشروع إنتاجي يخرجهم من دائرة الفقر أكثر من حاجتهم إلى مبلغ زهيد يسد رمقهم لأيام ويتركم في فقرهم لبقية الشهور. 37,5٪ من حصيلة الزكاة كانت توزع على هؤلاء الشباب البطال وتمثل مصارف "في الرقاب" و"المؤلفة قلوبهم" و"في سبيل الله" كان اجتهادا رائعا وصائبا في اعتقادي وقد دافع عنه الوزير الحالي لما كان مفتشا عاما بالوزارة، وأرجو أن يستمر هذا الأسلوب في التوزيع لأن النتائج على أرض الواقع كانت جيدة، وإن برزت اعتراضات على هذا الاجتهاد، أقترح أن يُنشأ صندوق وقفي للقرض الحسن يقوم بنفس الدور الذي قام به صندوق الزكاة، أنا دائما أقول إن الوقف هو الأخ غير الشقيق للزكاة، فالأول هو عبارة عن صدقة تطوعية، وأما الثاني فهي صدقة إلزامية وفريضة دينية يؤديها المسلم ليس على سبيل التطوع، ولكن على سبيل الواجب الشرعي الذي لا يكتمل إيمان المؤمن إلا به.
* هناك من يرى أن تولي المساجد لصندوق الزكاة يجعله معرضا للنهب والاختلاس والسرقة، ما تعليقك؟ – هذا غير صحيح، لأن صندوق الزكاة هو حساب جاري بريدي يستحيل السحب منه إلا بمحضر توزيع حصيلة الزكاة على مستحقيها الذين تُحدد قائمتهم اللجنة الولائية لصندوق الزكاة المشكلة من المزكين أنفسهم ومن أعيان المدينة ومن مدير الشؤون الدينية بصفته الآمر بالصرف الذي يقتصر دوره في تنفيذ قرارات اللجنة المذكورة.
* أقصد الصناديق الموجودة داخل المساجد؟ – ذلك إجراء مؤقت لتسهيل مهمة تحصيل الزكاة لمن لا يجد الوقت الكافي للذهاب إلى البريد وصب زكاته في الحساب، ثم ليعلم القراء الكرام أن حصيلة هذه الصناديق الحديدية ضئيلة جدا بالمقارنة مع ما يتم صبه في الحساب وهي طريقة حضارية راقية لتمكين الصندوق من أداء رسالته وحماية الزكاة من السرقة كما أشرت.
* المواطن الجزائري والمؤسسات المستوفية لكل شروط تقديم الزكاة يعزفون عن صندوق الزكاة، لماذا في رأيكم؟ – صندوق الزكاة لا يزال مشروعا يحتاج إلى دعم وغرس الثقة فيما يقوم به من دور محوري في تحصيل وتوزيع الزكاة، بناء الثقة هو التحدي الكبير الذي يجب أن نتعاون جميعا في رفعه سواء تعلق الأمر بالجهة الوصية أو بالمزكين أو حتى بالمستفيدين من الصندوق.
* حسب ما صرحت به خلال المحاضرة التي قمت بإلقائها في المجلس الإسلامي الأعلى مؤخرا فإن صندوق الزكاة قام بتمويل أكثر من 9 آلاف مشروع مصغر، هل من تقييم لهذه المشاريع؟ هل تمت مراقبتها ومتابعتها من قبل الوزارة؟ – أدى صندوق الزكاة دورا رياديا في اكتشاف الشباب الذين يحتاجون لمساعدة في المنبع لإقامة مشروع أحلامهم، وقد حقق الكثير منهم نجاحات أخرجت أصحابها من دائرة الفقر إلى دائرة المزكين بعد أن سددوا قروضهم ليستفيد بها فقراء آخرون، وفي سنة 2012 تم إقامة معرض بقصر المعارض بالصنوبر البحري شارك فيه 400 عارض كلهم استفادوا من القرض الحسن الذي قدمه الصندوق فحول يومياتهم من الفقر إلى الغنى، بالطبع اتسعت التجربة واحتاج الأمر إلى التفكير في متابعة ومرافقة لهذه المشاريع، ومن هنا تم تقديم مشروع قانون صندوق الزكاة على النحو الذي ذكرته آنفا، وأتمنى أن يستقر الأمر على صيغة قانونية تخرج التجربة من الوضع الحالي وتفتح آفاقا جديدة لمؤسسة الزكاة ببلادنا حتى تتمكن من أداء رسالتها على الوجه المرغوب.
* حصيلة صندوق الزكاة يؤكد عدد من متتبعي الشأن الديني أنها خليط بين أموال الزكاة وأموال التبرعات ولهذا لا بد من تصفية الصندوق من أموال التطوع والصدقات فهذا يحجب الرؤية عن تطور هذا الصندوق، ما رأيك؟ – هذه مسألة عابرة لا تعيق مسيرة الصندوق، الأهم أن نتفق على صيغة قانونية تعطي لمؤسسة الزكاة المكانة التي ينتظرها المواطن الجزائري لأننا كلنا معنيون بفريضة الزكاة سواء الأغنياء منا أو الفقراء.