على عكس تصريحات، المسؤوليين السياسيين الجزائرييين، يبقى الرئيس بوتفليقة يستخدم لغة أكثر دبلوماسية تصالحية تجاه المغرب و الملك محمد السادس ، أين جاء في اخر برقية بعث بها إلى الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى 29 لتأسيس المغرب العربي حرص الرئيس على توظيف لغة عاطفية مستخدما عبارة أخي المبجل و هي لغة لها دلالة سياسية و دبلوماسية تفهم أن هناك إرادة و نية للتقارب و التعاون بين الجارتين . فعكس الخطاب الذي جاء على لسان الوزير الاول أحمد اويحي و وزير الخارجية عبد القادر مساهل اللذان أطلقا تصريحات تتهم فيه المغرب بإغراق الاراضي الجزائرية بالمخدرات و هي تصريحات صدامية قد تعكس حسب الملاحظين وجود ازدواجية على مستوى الخطاب الرسمي ما يفسر رؤى مختلفة تجاه الجارة الغربية ، لكن دستوريا و سياسيا تبقى الرئاسة هي المؤسسة الأقوى التي ترسم معالم السياسة الخارجية و تصنع المحاور الاساسية تجاه المسائل الاقليمية و الدولية . البرقية الأخيرة تأكد تمسك الجزائر بالاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي لا مفر منه و لا بديل عنه عن باقي المحاور التي تحاول الدول المغاربية رسمها و الانضمام اليها ، فالمغرب و موريتانيا تتجه نحو المجموعة اقتصادية لدول غرب افريقيا – سيدوا – بينما الجزائر و تونس تتجه الى خيار إقامة تحالف مع السوق المشتركة لدول شرق و جنوب افريقيا كوميسا، كما ان خيار الاعتماد على الاتحاد الافريقي يبقى مرهون بتشكيل قطب مغاربي داخل الهيكل الافريقي في وجود مجموعات و محاور جيوسياسية داخل الاتحاد. لذلك عكست رسالة الرئيس مخاوف من تفكك الاتحاد المغاربي على حساب تموقعات جيوسياسية أخرى، و حملت البرقية توصيات للنهوض بمؤسسات الاتحاد المغاربي و تنشيط هياكله … ان ما يجمع الفرقاء في المغرب العربي اليوم أكثر مما يفرقها ، ان المخاطر الامنية المرتبطة بالتنظيمات الارهابية و الهجرة الغير الشرعية و تجارة المخدرات و التهريب هي تحديات بالغة التعقيد تفرض مستوى رفيع من التقارب السياسي و الدبلوماسي، و عليها العمل على تقريب وجهات النظر و العمل سويا ميدانيا و عملياتيا في التصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود و تقليص فجوات الخلافات السياسية والعمل على تحقيق التنمية المستدامة لشعوب المنطقة و القضاء على بؤر التوتر التي تصنعها البطالة و الفقر الاجتماعي ، ان الارضية التاريخية موجودة بدأ من النجم الشمال الأفريقي في الكفاح المشترك و توصيات مؤتمر طنجة سنة 1958 الذي انعقد بين الثلاثي حزب الاستقلال المغربي و حزب الدستوري التونسي و جبهة التحرير الوطني و هي توصيات شكلت التوافق السياسي المبدئي في الكفاح المغاربي ضد الاستعمار الفرنسي و أرضية مستقبلية ترسم التعاون المشترك ،زيادة على الروابط الثقافية و الاجتماعية و الامكانيات البشرية و الطبيعية . الرئيس بوتفليقة سياسيا و مؤسساتيا و بما يحمل من ثقل تاريخي كونه ينتمي الى جيل التحرير الوطني هو القادر على تفكيك حالة الجمود مع المغرب من اعادة فتح الحدود و رسم علاقات متوازنة و مصالح متبادلة بعيدا عن الخلافات السياسية و حل المسائل التقنية المشتركة ، ان التحدي الذي يهدد كيانات الدولة القطرية عبر العولمة و التعولم يفرض إعادة النظر في مفهوم الدولة الجيوبوليتيكية و الانتقال إلى التجمعات و التكتلات الاستراتيجية و المحاور الاقتصادية مفتوحة الحدود و الافاق و بناء قطب اقليمي قوي يقف حاجز أمام الاحتواء الأوربي و فرض خياراته الاقتصادية و العسكرية ، في الاخير لابد من تجاوز كل العقبات الدبلوماسية وطرح المسائل المشتركة ضمن رؤية شاملة متكاملة وفق توازنات اقليمية و دولية بقلم : عمر لشموط