قبل يومين احتفلت الأمانة العامة لمجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي بمرور عشرين سنة على إنشاء مجلس الشورى بموجب معاهدة الاتحاد المؤرخة في 17 فيفري 1989• وقد قام الدكتور سعيد مقدم الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي بإحياء هذه المناسبة بإلقائه محاضرة قيمة بمركز الدراسات الاستراتيجية لجريدة الشعب حضرها جمع كبير من أساتذة الجامعات والطلبة، وكذلك ديبلوماسيون وإطارات وطنية• قدم المحاضر مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي وأمانته العامة من خلال المهام المنوطة بهذه المؤسسات والدور الذي تلعبه من أجل إرساء هذا المشروع الاستراتيجي والحضاري الواعد، كما عبر عن ذلك، منوها بالجهود التي تبذل من أجل أن يرى الاتحاد المغاربي الفوز في عصر أصبحت التكتلات فيه عاملا أساسيا في صنع القرار الدولي سياسيا واقتصاديا وثقافيا• ويبدو أن الاتحاد المغاربي الذي لم يولد في لقاءات زرالدا 1988 أو بالمغرب 1989، بل إنه كان بندا أساسيا منذ العشرينات من القرن الماضي في أدبيات الحركة الوطنية وفي اللقاءات التي جمعت الأحزاب السياسية التي قادت كفاح بلدان المغرب العربي، وظل الحلم راسخا يتجدد مع كل مناسبة ليتأكد على أنه هدف تحقيقه استجابة لإرادة شعبية ومطلب تاريخي لكل القيادات المغاربية خلال الكفاح التحريري، وبعد الاستقلال• لقد بدأ الاتحاد المغاربي في التجسيد قبل إحدى وعشرين سنة واستمرت عملية اقامة هياكله السياسية والاقتصادية والثقافية والبرلمانية وهي اليوم تعمل بوتيرة روتينية لما أصاب رأس الاتحاد من جمود نتيجة المواقف السياسية التي تصادمت حول قضايا مصيرية ومبدئية وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية وحق شعبها في تعزيز المصير، حيث أخضع المغرب أي تحرك للاتحاد المغاربي إلى رغبته السياسية في تصفية قضية شعب الصحراء الغربية التي أصبحت اليوم قضية تصفية استعمار تتولاها الأمم المتحدة• كل التكتلات الجهوية سواء في عالمنا العربي كمجلس التعاون الخليجي، أو في الغرب، كالاتحاد الأوروبي أخذت طريقها إلى التجسيد وخطت خطوات هي اليوم كما في الاتحاد الأوروبي الذي لا تجمعه لغة واحدة وجغرافيا ولا دين، ولا حتى أصول واحدة، بحيث بات يتحرك ككتلة تفرض على الدول التي تسعى لعقد الشراكة معها شروطها التي غالبا ما تكون لصالح الاتحاد خاصة وأن دولا كدول المغرب العربي دخلت في هذه الشراكة كدول متفرقة وليس ككتلة مغاربية واحدة• الاتحاد المغاربي الذي أقر عديد الاتفاقيات لم يتم المصادقة إلا على 7 من أصل 37 وهذا يعني أن عمله الذي يراد به تجسيد التكامل بين بلدانه في مختلف مجالات التعامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لا يزال يراوح في منطقة الصفر على الرغم من اجتماعات مجلس وزراء الخارجية ولكن على هامش دورات أو لقاءات عربية أو دولية، وعدم عقد أي اجتماع لمجلس رؤساء الحكومات المنصوص عليه في وثيقة قيام الاتحاد، وحتى مجلس الرؤساء لم ينعقد منذ 1994 وهو ما يعني أن عملية التفعيل التي تساءل الكثير من الحاضرين في ندوة الأمانة العامة لمجلس الشورى المغاربي عن الكيفية التي يمكن لهذا "الكيان" أن يؤدي دوره وفق الأهداف التي تأسس من أجلها لن تكون على المدى المنظور خاصة وأن الارادة السياسية لدى القيادات لا تزال تصطدم بالعديد من الحسابات التي لم تخرج من الدائرة القطرية ولم تتجاوز المصالح الضيقة المبنية على تقديرات تبقى بعيدة عن مضمون العمل الوحدوي• الوضع الدولي الذي يعيش اليوم تكتلات اقتصادية وسياسية أصبح عامل ضغط أساسي على الاتحاد المغاربي لكي يخرج من جموده وينطلق في مساره لتجسيد هذا الكيان باعتبار أن المصالح الاقتصادية لدول الغرب والاتحاد الأوروبي وغيرها لا تريد أن تتعامل مع هذه الدول بصفة فردية لاعتبارات اقتصادية تراها ضرورية لأن تتحرك دول المغرب العربي في اتجاه إعادة بعث الحياة في هذا الاتحاد• أعجبني تعبير للأستاذ جفال الذي اختصر تدخله القيم بتعبير لزميل له مغربي حول قيام الاتحاد المغاربي بأنه "الحلم العنيد" وخوفي أن يبقى الحلم بعيدا عن التحقيق ولأجيال أخرى••