إن المتتبع للحراك الحاصل في الجبهة الاجتماعية يدرك أن النقابات المستقلة قد استطاعت أن تحوز على دعم كبير من كافة الفاعلين، في ظل سياسة المهادنة التي أضحى ينتهجها الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وعدم فعالية المبادرات التي أطلقتها مختلف الأحزاب لحل الأزمة، ما مكن هذه النقابات من فرض نفسها كقوة فعالة ووحيدة في الشارع دون منازع، مما سمح لها بكسب نقاط إضافية في سبيل الاعتراف بها كممثل رسمي وشرعي للفئات العمالية في الجزائر. وفي سياق الموضوع، يرى مختصون في الشأن السياسي أن المكانة التي تبوأتها النقابات المستقلة، خلال هذه الفترة، هي بمثابة تطور حتمي للانفتاح السياسي الذي شهدته البلاد في أعقاب سنة 1988 ومفرزات الدستور الجديد الذي أعطى حرية تكوين منظمات نقابية، مما مكن هذه الأخيرة من البروز وتثبيت معالمها في الخريطة العمالية المحلية، وبالتالي فإن ما وصل إليه اليوم تكتل النقابات المستقلة هو نتاج لعشرات السنين من النضال، أكسبه باعا طويلا في الميدان ودعما شعبيا كبيرا. * المبادرات كثيرة.. لكنها سرعان ما سقطت في الماء ووسط كل هذا الزخم الكبير، سعت بعض الأحزاب السياسية في خلق حلول حقيقية من أجل إيجاد حلول حقيقة أو طرح أنفسها كوسيط ما بين النقابات والهيئات الرسمية، وتمخض عن كل هذا طرح الكثير من المبادرات السياسية، إلا أن هذه الأخيرة لم تجد الحاضنة الشعبية، وسرعان ما سقطت في الماء وأثبتت أنها أشبه بغثاء كغثاء السيل دون أي فعالية تذكر، مما دعا الكثيرين إلى التأكيد على أن ما جادت به أيدي الأحزاب لا يعدو أن يكون مناورة سياسية قبيل موعد الرئاسيات المقبل. وبنظرة أدق على بعض ما اقترحته الأحزاب السياسية، نجد أن أغلبه يتمحور حول ضرورة إنشاء لجنة برلمانية خاصة، مهمتها عقد لقاءات مع جميع النقابات المتمسكة والمعنية بالإضرابات في كل القطاعات، وحصر كل مطالبها المشروعة حسب الأولوية القصوى والقابلة للتفاوض، ومن ثم عقد لقاء وطني جامع بين الوزراء المعنيين واللجنة البرلمانية، بالإضافة إلى كل المنظمات العمالية المضربة. هذا ويرفض الوزير الأسبق عبد العزيز رحابي في حديث ل "الحوار" عقد المقارنة ما بين النقابات التي دخلت في احتجاج والأحزاب السياسية، قائلا كل ما تقوم به المنظمات العمالية هو على أساس مهني فقط دون أي اعتبارات سياسية، لكنه لم يخف إمكانية أن تكون بعض النقابات لها أذرع سياسية، معتبرا أنهم ما جاد به الحراك الاجتماعي الأخير هو النقابات التي نزعت عنها تلك الوصاية واستطاعت أن تحقق شيئا من الاستقلالية سيحسب لها مستقبلا. أما الأستاذ الجامعي لزهر ماروك، فقد أكد أن الغليان الاجتماعي قد أثبت فعلا أن الأحزاب السياسية معزولة عن المجتمع ولا علاقة لها بالتأطير فيه، وبعيدة عن فهم مشكلات المواطن الجزائري البسيط، مضيفا خلال اتصال هاتفي مع "الحوار" أن جل الأحزاب السياسية في الجزائر هي للمناسبات فقط ومتقوقعة في مقراتها، ولا تتمتع بأي قواعد شعبية، وبالتالي فهي لا تستطيع أن تؤطر أي حراك في المجتمع أو تحتوي كل المطالب التي يرفعها العمال من أجل التكفل بنقلها للسلطات العليا. بالمقابل، يضيف ذات المتحدث أنه لا يجب النظر إلى هذه الاحتجاجات كمعيار لقوة النقابات أو ضعف الأحزاب السياسية، لأن ما يحدث من حراك اجتماعي يعكس الغياب التام للحوار بين الأطراف، مما يجعل الإضراب هو الأسلوب الوحيد لتبليغ المطالب، ثانيا أن هذه الأخيرة في مجملها تعجيزية ويطلب تحقيقها في ظرف وجيز وقت مما خلق انسداد ما بين الوزارة الوصية ومختلف المجتجين. مولود صياد