من أمريكا: د. كريمة الشامي * أول النزيف قطعة سكر وأنا أمارس شهية السفر نحوك أيها المتوطن داخل سويداء القلب، ابتسمت حين تخيلتك طفلا يشتاق لهفة الزمان بين أعماقي، ليمارس هواية الركض باتجاه حضن فقده، فأغرق الدنيا بكاء وصراخا. أراك يا صغيري تنتفض من غفوتك وهدأتك لتهرع نحوي بعد أن شممت رائحة حقيبتي وهي تعلن أني باتجاهك يا وطني، قادمة لأرفع راية أني وجودك وموجودك الذي لا يغيب، أراك.. ألامس فرحة عمرك فيّ، وبيني وداخل تأشيرة سفري وأعرف وسط هذا الشوق وتلك اللهفة، أنك ما حطمت أسوار حديقتي، وما ندبت في وجه قصتي، إلا لكونك اشتقتني واشتقت دفئي فيك. لن ألومك ولكني ألوم وألعن لحظات زمن سرقها منا قدر الغياب، وها أنا على بعد.. خطوات.. أمتار.. نبضات من دقات قلبك، فأرجوك يا وطني، ضمني، احضن مني اغترابي، شد عليّ يدي، فقد كان سفري قدرا، وكانت تأشيرة عودتي إلى ترابك وتربتك عهدا قطعته، وتقاطعت في الرجوع إلى بدايته لأعلن وسط الركام أني قادمة إليك يا وطن السطوع. أحبك… أتدري لم؟ لأنه لا سفر لي سواك، مضطرة أن أشتهيك يا وطني، لأني، عداك ودونك وبدونك مجرد مسافرة بلا عنوان، فضمني أيها العنوان..!! غريبة.. ألم تضع بعد في كأس الشاي قطعة السكر؟ ألم أخبرك أني أحب الشاي وموقد الجمر وبعضا من بريق النجوم، إلى الملتقى يا وطني! * ثاني النزيف.. حقيبة سفر: على عجل، ودون أن التفت إلى حيث تركت أنا، تمطر رصيف المطار وجعا، أجدني مرة أخرى أغادر وطنا يرفض أن يحررني من هيامي بكل تفاصيله البسيطة، التي حاصرت بين أعماقي أي معنى للحياة، عدا أن العالم كله لا يعني شيئا في حضرة سيادة الوطن المعظم. أتعلم يا وطني المغترب في، ما هو النزيف، وأي مذاق للوجع حين تصطدم برصيف الحياة، وهو يدفعك بعيدا عن موطن النبض؟ أتعلم ما هو؟!! إنك لا تعلم، ولكن ترى بأم نبضك كيف خذلتني حقيبة سفري، وتثاقلت أقدامي وهي تصافح سلم الطائرة في وداع جديد، أصبح يكررني موتا وتشتتا وفناء، كلما غادرتك دون نفسي وأنفاسي التي ما عادت تسكن صدرا إلاك. أعترف أن حبك جنون، وأن هيامي فيك رحلة سفر لا صوت لها إلا هدير طائرة، أتعبها نحيبي كما أتعبها سفري. أحبك والعنوان أنت، فلتكن كما أنت شامخا، ولأبقَ كما أنا مسافرة عنوانها.. وطن في حقيبة سفر. أيها السادة… حافظوا على البلد فإن بين أنفاسها.. كل الوطن!! * آخر جنون… سأنزف أكثر!! أتراك أيها المتوطن بيني، حيث لم يعد لي من أنا إلا أنت، أتراك تدري، أني أحرقت سفن عودتي إلى موطني وزمني القديم، فمذ سكنتني مسا، وأنا أرتقي بك وطنا يأويني ويلملم شتاتي.. قبلك وقبل أن تشرق شمسا في وجودي، كنت كما الناس، أعيش يومي وأسير لحظات هي أنا، والآن وقد حدث الذي حدث، والآن وقد لبستني قلبا ينبض بي، لم أعد يا أنا أدري من أنا، فلا شيء إلا أنت، ولا أنت إلا كل شيء. كل اللحظات بدونك وهم، وكل زمن لم تكن أنت فيه السيد الوطن عدم.. نعم أحبك، ووسام ولهي بك، إني في قوة ضعفي معك، أكون أقوى الناس، حضورا وعزفا ولحنا. أينك…؟ ألا تشعرني لهبا من خلال أنفاس لاهبة تعلن كل الغياب.. غدا يا وطني سأرتمي في حضنك وأنهل منك نفسي، فكن بخير لأجلي وأجلي فقط، فأنا منك وإليك أعود، دمت لي تاجا فوق رأسي أرتديه.