كنت على مائدة الإفطار رفقة المؤرّخ المهتم بالتاريخ المحلي، وصاحب الكتب الكثيرة، محمّد مفلاح، وكذا الإمام الفقيه فواتيح، بمناسبة الملتقى الدولي الثالث "الحضارة والإنسان"، فالتفت إذ بي أرى بالصدفة الأستاذ موسى إسماعيل، من خلفي، وبعيدا عنّي قليلا، فأستسمح الحضور وأتّجه إليه مباشرة، أسلّم عليه، وأقول له: أقرأ لك وأسمع لك وانتقدتك في الغيب وطلب منّي القرّاء أن أوجّه لك ملاحظاتي لك شخصيا ووعدتهم أن أفعل حين ألتقي بك، وأغتنم فرصة لقائي بك لأضيف ما لم يطلبوه منّي، وهو شكري لما تقوم به من مجهودات علمية وفقهية، متمنيا لك النجاح والسّداد، ثمّ طلبت منه أن يأذن لي بتقديم ملاحظاتي كقارئ لكتبه، ومتتبّع لفتاواه عبر الرائي والمذياع، فأذن لي مشكورا، فقلت: 1. قرأت كتابك الخاص بالصلاة، وتحت سلسلة "الفقه الميسّر وأدلته"، ولم ألمس عبر صفحات الكتاب الصرامة المطلوبة، والرأي الفاصل، والحكم الواضح، بل رأيت تذبذبا واضحا حتّى أنّ القارىء يخرج مشوّه الفكر مشتّت الذهن لا يعرف أيّ الأحكام يأخذ، أجاب: أوافقك الرأي، لكن هذا التذبذب الذي تتحدّث عنه، يتعلّق بمواضيع معيّنة، وليس كلّ المواضيع، ثمّ قال لي: أعطيني مثال عن هذا التذبذب من فضلك، أجبت: مثلا القبض والسدل، فأجاب: تعمدت هذا التذبذب لأنّي كنت بذلك أرضي فئة بعينها. 2. قلت: كتابك الأخير من 3 مجلدات، والمعنون ب "الفتاوى الشرعية" فيه مبالغة لا تليق، لأنّ ما يقوله الفقيه يمثّل رأيه الخاص، وأطلب منه أن يسميها "فتاوى موسى إسماعيل" حتّى إذا ظهر ت أخطاء تنسب للفقيه ولا تنسب للشرع، ولنا عبرة في "فتاوى شلتوت" و"فتاوى أحمد حماني" وغيرهم من الذين نسبوا الفتاوى لأسمائهم ولم ينسبوها للشرع، أجاب حينها: لم أفكّر في هذه الملاحظة وأنا أعدّ الكتاب، وسآخذ ملاحظتك بعين الاعتبار. 3. قلت له: سمعتك عبر المذياع خلال الأسبوعين المنصرمين تقول لسائلة سألتك: إنّها مريضة بمرض القلب منذ العام الماضي، فهل تصوم أم لا؟، أجبتها دون تردد: افطري ولا تصومي، وكان عليك أن تطلب منها أن تتوجّه للطبيب لا أن تفتيها بهذه السّرعة، أجاب: الشيوخ الكبار عندنا لا يأخذون برأي الطبيب ويأخذون برأي الإمام، ولذلك طلبت منها أن تفطر لا أن تصوم، قلت: كان عليك إذن أن تطلب منها أن تذهب للطبيب ثمّ تعود إليك في الأسبوع القادم، حتّى لا يتعدى الطبيب على صلاحيات الفقيه، ولا يتعدى الفقيه على صلاحيات الطبيب. وبينما نحن نتحدّث لاحظت أنّ البدانة أصبحت تغزو جسمه وهو الأنيق الرشيق من قبل، أجابني: فعلا وأنا الآن بصدد التخفيض من الوزن والاعتماد على الحمية، وطلبت منه أن يعذرني على هذه الملاحظات القاسية، وبهذه القسوة وأنا الذي أراك لأوّل مرّة، ولعلي لا ألقاك بعد هذا اللّقاء، فأجاب وكلّه ابتسامة: ألست الجزائري، إذن الأمر عادي جدا. افترقنا على المحبّة والإخاء والنصح المتبادل وبياض الصدر وسعته، متمنيا للأستاذ موسى إسماعيل كلّ التوفيق في مجهوداته العلمية والسّداد فيما يقوم به من مجهودات في الفقه والفتاوى، وأن يرزقه الصّحة والعافية بجاه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.