مثلما كان متوقعا نفد الرئيس الامريكي دونالد ترمب تهديده بالانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران ،وتجر هذه الخطوة إلى اعادة فرض عقوبات اقتصادية على ايرانن و يمس القرار جميع المؤسسات الصناعية و المالية التي تتعامل مع طهران . هكذا يكون ترمب قد جسد وعده الانتخابي و موقفه الرافض الاتفاق النووي ، مبررات الرفض حسب رجل المثير للجدل في البيت الابيض ان الاتفاق لم يتناول كبح ايران عن تطوير منظومتها الصاروخية و لم يلجم اطماعها الاقليمية التوسعية في المنطقة . يسأل بعض المراقبون هل كانت تلك الحجج كافية للانسحاب أم هي تداعيات عودة المحافظون الجدد لسلطة و بالتالي إعادة رسم خريطة الشرق الاوسط من جديد، ما هي انعكاسات هذا القرار على الارض بين الاطراف الاقليمية ؟ ما هي الترتيبات المستقبلية التي سيخلفها هذ الانسحاب ؟ يصعب التكهن في التطورات المستقبلية لقرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي فمواقف الشركاء في الاتفاق ضد الخطوة الأمريكية . فقد دعت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني المجتمع الدولي إلى الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران و شددت بريطانيا وألمانيا وفرنسا الولاياتالمتحدة على عدم اتخاذ خطوات تعرقل تنفيذ الدول الأخرى للاتفاق النووي المبرم مع إيران . وقال زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا في بيان مشترك أصدره مكتب رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي "نحث الولاياتالمتحدة على عدم المساس بهيكل الاتفاق النووي وتجنب اتخاذ إجراءات تعرقل تنفيذه بالكامل من قبل الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق . نفس الموقف عبرت عنه كل من روسيا و الصين و تركيا و دعا الامين العام الاممالمتحدة جميع الاطراف للالتزام بتعهداتها تجاه الاتفاق ، مبررات الجانب الأوربي و الروسي و التركي هي الحرص من عدم المزيد من التوتر و الانزلاقات في المنطقة و خلق بؤر التوتر في الشرق الاوسط الملتهب أصلا ، فتداعيات الفوضى في الشرق الاوسط انعكست سلبا على دول المنطقة حتى الأوروبية منها التي شهدت عمليات إرهابية على أراضيها و توافد الآلاف من المهاجرين عليها في أكبر نزوح تعرفه اروبا في التاريخ الحديث . الموقف الأوربي تجاه طهران يتجه نحو تبني خطوة سياسة الاحتواء ،الكفيلة بإخضاع ايران للمجموعة الدولية بدل سياسة المصادمة و التصعيد ، في المقابل يعتقد الجانب الخليجي و الإسرائيلي أن الاتفاق ترك المبادرة لإيران ما أمدها بالمزيد من القوة والتغول و الطموح التوسعي في المنطقة و باتت ايران تسيطر على المشهد السياسي في العراق و لبنان و توظف البعد الطائفي في الصراع مع البحرين و اليمن و السورية . فحسب موقع" ايران نيوز" بلغ حجم التمويل الايراني في الشرق الأوسط مائة مليار دولار و رفع العقوبات يزيد من حجم التمويل والانفاق العسكري الايراني . في سياق مرتبط تأكد مصادر اعلامية امريكية و خليجية أن خيار المواجهة العسكرية المباشر غير وارد و لا توجد رغبة لدى الجانب الخليجي في اسقاط النظام الملالي بل تحرض الادارة الاميركية على ترهيب طهران قصد تقويض نفودها في المنطقة عبر اضعافها اقتصاديا و سياسيا و عسكريا و عبر محاولة توجيه رأي العام الايراني كي يدرك مساوئ السياسة الخارجية الايرانية و الاعتماد على التصعيد الداخلي قصد المطالبة بالتراجع من حجم الإنفاق العسكري، فالتجربة العراقية أبانت عن محدودية اسقاط الانظمة عبر التدخلات العسكرية فالوضع الايراني أعقد من المشهد العراقي من حيث تنوع العرقيات و المكونات الاثنية أين شكل الكيان الايراني على الاقل عامل استقرار الطبوغرافية السكانية المتعددة في المنطقة عبر توحيد تلك المكونات الاثنية و العرقية و المذهبية . في سياق آخر هناك قناعة لدى الجانب الأوربي أن الحصار الاقتصادي الذي كان مفروض على ايران ابان عن محدودية النتائج في إعادة رسم السياسة الخارجية الايرانية بل تعاظم حجم التلاحم الشعبي حول قيادته السياسية و الدينية برغم الاحتجاجات الاجتماعية التي لم ترتقي الى المطالب السياسية ، فالديمقراطية الشكلية في إيران و حرية الصحافة النسبية و الحراك الشبابي في الجامعات أعطى دفع في وجود معارضة داخلية منتظمة وفق الاطر الثقافية و المرجعية الدينية المحلية . و بالتالي فالمقاربة الاحتوائية هي القادرة على التغيير في بيئة أكثر استقرارا و الاعتماد على الرخاء الاجتماعي و التنمية الاقتصادية في ايران عبر الانفتاح الاقتصادي و السوق الحرة امام الشركات العالمية سيكون له الاثر الايجابي في الانفتاح السياسي الايراني و التحرر الاجتماعي ، أما التغول الايراني في المنطقة فهو سبب فشل في الاستشراف السياسي و عدم قدرة الانظمة العربية في إدارة الحركات الاحتجاجية و الربيع العربي . لقد شكل العراق بقيادة صدام حسين و رغم مساوئ النظام محور و عامل توازن القوى في المنطقة ضد التوسع العقائدي الايرانيفالعراق كان يمتلك مؤسسات عسكرية و هياكل مدنية و تأطير ايديولوجي قومي جعل منه عنصر فعال في حجب الاطماع الايرانية في المنقطة و انهيار النظام البعثي ترك فراغ كان على ايران ملاءه في ظل عجز الانظمة العربية في احتواء المتغيرات . في الاخير ان عودة الدوائر الصناعية البترولية و المجمعات العسكرية الى الهيمنة على السياسة الخارجية الامريكية يعيد المنطقة الى نقطة الصراع و المزيد من الاشتعال و التوتر و الفوضى ، لكن في مرحلة مختلفة تماما عن مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي و سقوط جدار برلين ، اليوم نشاهد صعود دول متنامية أكثر و عودة التحالفات و الاستقطابات الغير الايديولوجية بل وفق المصالح الاقتصادية التي تعمل على إعادة رسم معادلات جيوسيواسية في خلق توازن في أحادية القطبية و العولمة و التعولم حسب الرؤية الامريكية المسيطرة على الثالوث المقدس : الصندوق النقد الدولي – البنك العالمي – منظمة التجارة العالمية- اضافة الى التداول العالمي لدولار . هناك شعور متقاسم بين الدول أن السيطرة الامريكية لم تصنع السلم العالمي بقدر ما كانت وراء اشعال فتيل الحروب و الاقتتال في المنطقة ، هناك حرص دولي ان التوسع التشاركي في رسم منظومة عالمية موحدة يضم العالم الفارسي و العربي و الأوربي و الاسيوي و الافريقي هو الوحيد الكفيل بتحقيق الاستقرار العالمي و دفع الانظمة الى المزيد من الدمقرطة و احترام حقوق الانسان .