وفي نفس السنة قام بعدة جولات عبر مناطق القبائل الصغرى مدنها وقراها، مغتنما هذه الفرصة، فدعا كثيرا من الطلبة للالتحاق بالدروس العلمية بقسنطينة، وقد لقيت دعوته تلك استجابة واسعة وأقبل الطلبة أفواجا أفواجا يتوافدون من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق على دروس العلم والمعرفة في جامع الأخضر بقسنطينة، هذا بالإضافة إلى تعريفه وشرحه لمبادئ جمعية العلماء التي كانت آنذاك حديثة العهد بالوجود، والتي لاقت من خصوم العلم معارضة شديدة، ولاسيما من طرف الخونة وأذناب الإستعمار المأجورين. هجرته إلى أوروبا في إطار الحركة الإصلاحية: وفي سنة 1936م انتدبته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للقيام بنشر الدعوة الإصلاحية بفرنسا، وذلك لتوعية العمال الجزائريين المغتربين بأوروبا، حيث تمكن في ظرف سنتين ونصف، من إحداث ما يزيد عن ثلاثين مركزا للدعوة الإسلامية والربط بين الجاليات العربية الإسلامية من جهة، وإسماع صوت الجزائر العربية المسلمة للعالمين الشرقي الإسلامي العربي والغربي الأوروبي من جهة أخرى. وهكذا ظل الفضيل الورتلاني يعمل في باريس بجد ونشاط ويؤدي رسالة جمعية العلماء بكل ما أوتي من قوة بيان، وشجاعة قلب، ومضاء عزيمة في الأوساط العمالية في فرنسا التي مكنته من الاتصال بكثير من أعضاء الجاليات الشرقية العربية هناك، وفي أواخر سنة 1940م أصبح على يقين من أن السلطات الفرنسية صممت على جعل حد لنشاطه السياسي بعد أن دأبت على تعقب تحركاته تمهيدا لإلقاء القبض عليه، لذلك عقد العزم على السفر إلى القاهرة، وقد تم له ما أراد بفضل أنصار الحركة الإصلاحية بفرنسا الذين ساعدوه في هذه المهمة، خاصة بعد أن لاحت في الأفق السياسي الغربي بوادر حرب عالمية ثانية فغادر العاصمة الفرنسية قاصدا مصر تكلؤه عناية الله وهناك التحق بالأزهر الشريف معقل العروبة والإسلام بأرض الكنانة وتابع فيها دراسته العليا إلى أن نال الشهادة العالمية الأزهرية بكلية أصول الدين والشريعة الإسلامية.
استئناف نشاطه السياسي بمصر: وفي سنة 1940 م أسس مكتبا بالقاهرة يحمل اسم (مكتب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ) الذي كان ممثلا له، وقد قام بعدة اتصالات لدى كثير من الدول العربية الشقيقة لإقناعها بضرورة قبول الطلبة الجزائريين الذين أتموا دراستهم بمعهد عبد الحميد ابن باديس بقسنطينة لاستكمال دراستهم وإتمام معلوماتهم العلمية بكليات ومعاهد الشرق العربي فلبت الدعوة، وتم كل ذلك في ظروف حسنة، فتوالت البعثات العلمية تلو الأخرى من الجزائر نحو الأقطار العربية، وذلك تحت إشراف جمعية العلماء إلى كل من مصر، العراق وسوريا، والكويت، والمملكة العربية السعودية. كما أن له رحمه الله في المشرق العربي أعمال جليلة أخرى منها، انخراطه في كثير من المنظمات الإسلامية التي كان هو على صلة بها في تلك الفترة بالذات، وكتاباته في أغلب الصحف والمجلات التي كانت تصدر في مصر لها طابع إسلامي عربي تحرري. ففي مجال الدعوى الإسلامية كانت له علاقة أخوية وثيقة بجمعيتي الإخوان المسلمين "و الشبان المسلمين" في مصر حتى أنه كان يستخلف أحيانا من طرف المرشد العام للإخوان المسلمين الداعية الإسلامي الكبير الشيخ حسن البنا رحمه الله في محاضراته الإرشادية الأسبوعية هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت له روابط متينة بالجمعيات الإسلامية المنتشرة في أطراف دنيا الإسلام والمسلمين، منها: (جمعية عباد الرحمان) في بيروت، هذه الجمعية التي ما فتئت تكن له صدق المحبة وأخلص الوفاء ولم تتخل عنه في أحرج ظروفه حينما تنكر له بعض الأدعياء، ولقد خلدت مآثره حيث أنها قامت بجمع أثاره القلمية وطبعها في كتاب أطلق عليه اسم الجزائر الثائرة، إضافة إلى ما كان يكتبه بقلمه حول كبريات الأحداث التي تجري في هذه الأقطار. وقد كان الفضيل الورتلاني على صلات قوية بكثير من أعلام الاصلاح الإسلامي في المشرق العربي، منهم أمير البيان شكيب أرسلان، ومحب الدين الخطيب، ورشيد رضا، وجمال عبد الناصر، وعميد الأدب العربي طه حسين، وحسن الزيات، والأستاذ العقاد وغيرهم.