لقد أولت منظمة اليونسكوفي اتفاقيتها الدولية الثانية اهتماما كبيرا ل "التعددية الثقافية" وربما هي الأسباب التي دفعت بممثل رئيس الجمهورية عبد العزيز بلخادم بصفته أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني أن يحيي السنة الأمازيغية الجديدة بمنطقة بني ورتلان ويقف على مآثر رجالاتها وشيوخها من العلماء والمفكرين، من خلال التجمع الشعبي الذي نظمه أمس وسط أجواء نضالية، ويؤكد من على منبرها أن الجزائر مثلما تؤمن بالتعددية السياسية، فهي بلد يشهد لها بالتعدد والتزاوج الثقافي ويواصل مسيرة التنمية في كل مجالاتها في إطار الإصلاحات السياسية، لقد قدمت بني ورتلان أكثر من 750 شهيد، وعرفت بمدينة الشهداء، ولعل ما يؤكد عظمة هذه المنطقة برجالها وتاريخها وأبنائها الرافضين وجود 44 مركزا استعماريا، ومن أهم هذه المراكز: ( مركز المصالح الإدارية المختصة (SAS 1956 )، مركز التعذيب والاستنطاق بقرية إغيل نايت مالك 1957 – 1962، مركز التعذيب والاستنطاق بقرية ثيرزيت 1957- 1962 ومركز التعذيب والاستنطاق الثكنة المركزية ببني ورتلان مركز الدرك الوطني حاليا 1956-1962..)، وبني ورتلان معروفة من خلال المدرسة القرآنية الشيخ الفضيل الورتلاني، ومسجده وضريحه المتواجد بمقبرة الشهداء وهي متاخمة للمسجد والمدرسة، كما يوجد بالبلدية أقدم مسجد وهو مسجد بربر بآيت موسى، والزائر لهذه البلدية يقف على حقيقة واحدة هي أن سكانها يعيشون في هدوء تام، ولأنهم يؤمنون بالتعايش السلمي، فهم يتقاسمون الحياة وبعض الأحلام وكثير من الدين في أجواء أكثر جاذبية، وكانت الثقافة الإسلامية بالنسبة لهم بديلا عن الخوض في السياسة، ومكنتهم هذه الحياة البسيطة أن يخلقوا تزاوجا ثقافيا، وأن يمزجوا بين الثقافتين العربية والأمازيغية، وبالرغم من أن الأمازيغية لغتهم اليومية المتداولة بنسبة 100 بالمائة، فهم يمتلكون لسانا عربيا فصيحا بحيث يتكلمون بلغة "الضاد" بنسبة 90 بالمائة، ومكنهم هذا التزاوج اللغوي من التعايش مع الآخر، فلا تجد تصادما للثقافات بينهم ولا صراعا طبقيا، ومن عجائب الصدف أن بني ورتلان عرفوا كيف يحافظون على أمن منطقتهم بحيث لم تتعرض هذه الأخيرة إلى مخاطر " الإرهاب" ولم تلطخ تربتها بالدماء رغم موقعها الجبلي، ولم تكن يوما في مفترق الطرق، لدرجة أن "الفيس" عجز عن فتح فرع له بها، كما عجز "الإرهاب" أن ينقر الموت في زجاج نوافذ بيوت سكانها وذلك بسبب اعتدال أهلها ووسطيتهم ومحافظتهم على الطابع الديني المعتدل.. بني ورتلان في سطور
تقع بلدية بني ورتلان في الشمال الغربي لمدينة سطيف على حدود ولاية بجاية، وتبعد عنها ب: 85 كيلومترا، ويعبر منها الطريق الوطني رقم 74، يحدها من الشمال بلدية بني شبانة، ومن الجنوب ولاية برج بوعريريج، ومن الشرق عين لقراج وبجاية غربا، تمتاز بمناخ بارد شتاءً وحار صيفا، وهي منطقة جبلية بارتفاع يقدر ب: 1376 متر ( رأس أكوف)، تم إنشاؤها في شهر جانفي من عام 1957 مع بلدية عين لقراج وتيقناثين بموجب قرار مؤرخ في 12 جانفي 1957 بعد حل بلدية قرقور المختلطة، وفي 05 أفريل 1963 تم حل البلديات الثلاث ( بني ورتلان، عين لقراج وتيقناثين) بموجب القرار الولائي رقم 389/63 لتجمع في بلدية واحدة أطلق عليها اسم بني ورتلان ومقرها بني ورتلان، في عام 1974 تم إنشاء ولاية بجاية فألحقت بها بلدية بني ورتلان، واستمر ذلك إلى غاية التقسيم الإداري الجديد لسنة 1984، حيث تم إعادة إلحاقها بالولاية الأم سطيف مع تقسيمها إلى بلديتي بني ورتلان وعين لقراج وإنشاء دائرة بني ورتلان المؤلفة من بلديات أربع هي: (بني ورتلان، بني شبانة، عين لقراج وبني موحلي)، وهي اليوم تعتبر مركزا حضريا وتجاريا لسكان المناطق المحيطة بها لاسيما وهي تعرف شيئا من التوسع العمراني.. وتتميز بني ورتلان بكونها ذات طابع فلاحي، حيث تكثر فيها أشجار التين والزيتون، وهي ربما نعمة أمَنَّهَا الله على أهل بني ورتلان بهذه الأشجار التي ورد اسمها في القرآن وكانت موضع قََسَمٍ للخالق الرزاق، وهي تبعد عن الولاية بحوالي 100 كيلومتر، حيث تعاني هذه المنطقة من قلة المواصلات، والذهاب اليها يكون عن طريق بوقاعة، مرورا بعدة بلديات منها (بني عباسة وهي طريق غابي مُعَبَّدٌ، بلدية عين الرْوَى ثم بلية عين لقرَّاجْ، الطريق بهذه البلدية منعرج تحيط به الجبال وأشجار الزيتون، ثم شيئا فشيئا تبدأ الطريق في الارتفاع .
الأوقاف في بني ورتلان: المدرسة القرآنية الشيخ الفضيل الورتلاني نموذجا
وتتوفر بلدية بن ورتلان على عدة زوايا ومساجد، ويشهد لأهلها بطلب العلم والإقبال الكبير على تعلم القرآن وحفظه بالمدرسة القرآنية الشيخ الفضيل الورتلاني، وهي بمعروفة بعلمائها وشيوخها أمثال الشيخ الحسين الورتلاني صاحب الرحلة المشهورة: ( نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار)، والشيخ آيت حمودي والشيخ المولود الحافظي الفلكي الأزهر، والشيخ الفضيل الورتلاني شهيد الإسلام والذي جاب أقطار العالم، والمجاهد الكاتب والصحفي عبد الحميد بن الزين، كما تعتبر أوقافها المنتشرة فيها مفخرة لسكانها، ( زاوية ومسجد ايلموثن، زاوية ومسجد تعرقوبت، وزاوية ومسجد فريحه، زاوية ومسجد أمزين) لكنها ما تزال إلى اليوم غير مصنفة وتحتاج إلى ترميم وإعادة لها الاعتبار. وتشتهر بلدية بني ورتلان بالمدرسة القرآنية الشيخ الفضيل الورتلاني كون موقعها يتوسط البلدية ومحاطة بمباني سكنية وعمارات، ومتاخمة لمسجد الفضيل الورتلاني ومقبرة الشهداء، من السهل جدا على الزائر الوصول إليها دون مشقة، تستقبل المدرسة مئات الطلبة من مختلف الأعمار والمستويات، مقسمون إلى أفواج وهم : ( فوج الإناث وحده، فوج خاص بتلاميذ الطور الثانوي، وفوج يضم تلاميذ الطور الابتدائي إلى المتوسط، وفوج خاص بتلاميذ ما قبل التمدرس الذين تتراوح أعمارهم ما بيم 04 و05 سنوات). يتابع تلاميذ المدرسة القرآنية النظام الداخلي ونصف داخلي، بها مطعم ومسجد خاص للطلبة، مرقد يسع لأزيد من 30 سريرا، كما تقدم المدرسة الدروس الشرعية من مبادئ الفقه، السيرة النبوية، اللغة العربية، وعلوم القرآن..) بالتركيز على أحكام التجويد، حيث تخرج على يديها حفظة القرآن الكريم، حفظا وتجويدا، فكانوا خير خلف لخير سلف، ما تعانيه المدرسة هو قلة التأطير البيداغوجي، وإمكانيات التدريس، وهي كما يبدو عراقيل تريد أطراف إدارية عرقلة المشروع الورتلاني وكسر شوكته. الشيخ الفضيل الورتلاني مؤسس جبهة تحرير الجزائر
والشيخ الفضيل الورتلاني اسمه الحقيقي هو"إبراهيم بن مصطفى الجزائري"، المعروف بالفضيل الورتلاني، ولد ببلدة بني ورتلان ولاية سطيف ومنها جاءت شهرته بالورتلاني، ويعود نسبه إلى جده الشيخ الحسين بن محمد السعيد الشريف الورتلاني إلى بني ورتلان وهي قبيلة بالمغرب الأوسط قرب بجاية التابعة للجزائر، وكان والده مجاب الدعوة، فقد رأى المصطفى في منامه فاحتضنه وظهرت على يده الكرامات وخوارق العادات وشهد له أهل الصدق بالولاية الكبرى، وأخذ العلم عن والده وأشياخ وطنه ثم رحل إلى المشرق فحج واجتمع بالأولياء الصالحين ومنهم الشيخ الهماق صاحب الطريقة المشهورة بالمدينة المنورة، أحد أجداده هو سيدي أحمد الشريف وهو الشريف الحسين من شرفاء تفلالت وأما مقره ومقر أوائله فمن بجاية وهو نجل الشيخ سيدي على البكاي وكانت له زاوية عظيمة. انتقل الورتلاني إلى مدينة قسنطينة سنة 1928 م واستكمل دراسته على يد العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس وكان مرافقا له في بعض رحلاته بالوطن مشاركا بقلمه في كل من البصائر والشهاب بروح وطنية وشعور يني ملتهب، كما كانت له مساهمات كثيرة في الإصلاح والتغيير لحال الجزائريين مع إبن باديس، فأخذ في إنشاء النوادي الثقافية في مختلف بقاع الأرض في باريس وضواحيها وبعض المدن الفرنسية الأخرى ليتصل بالدارسين العرب في الجامعات، فبدأت السلطات الفرنسية التضييق على تحركاته وتهديده بالقتل فاضطر الرحيل إلى إيطاليا ومنها إلى القاهرة سنة 1940، ومن الأزهر حصل الفضيل الورتلاني على شهادته العالمية دون أن ينسى مواصلته الجهاد وتبنى قضايا المسلمين عموما، فأسس عدة هيئات مثل جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا، إلى أن صار عضوا في تنظيم حركة الإخوان المسلمين وكانت تربطه صلة وثيقة بحسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين، وامتد نشاط الفضيل الورتلاني إلى مساندة "الأحرار" في اليمن ونجح في توحيد صفوف المعارضة وإزالة الخلاف بين أهل اليمن. ومن اليمن إلى القاهرة التي أسس فيها "جبهة تحرير الجزائر" FLA سنة 1955 م وكانت تضم الشيخ البشير الإبراهيمي وممثلي جبهة التحرير مثل احمد بن بلة وحسين آيت أحمد وبعض ممثلي الأحزاب الجزائرية، ثم غادر الفضيل الورتلاني القاهرة شداد رحاله إلى بيروت، واستمر على جهاده دفاعا عن القضايا العربية والإسلامية والعمل في سبيل الدعوة إلى أن لقي ربه في إحدى مستشفيات مدينة "أنقرة" بتركيا في 12 مارس 1959، وفي سنة 1987 نقل رفاته من تركيا ليعاد دفنه في مسقط رأسه بالجزائر، ويوجد ضريحه بمقبرة الشهداء لبلدية بني ورتلان، دشنت هذه الأخيرة في الفاتح من نوفمبر من عام 1966 في عهد الرئيس أحمد بن بلة، بعدما قدمت أزيد من 750 من خيرة أبنائها فداءً للوطن ولما لا وبني ورتلان تفتخر برجل عظيم في مقام الشيخ الفضيل الورتلاني وجده الشيخ حسين الورتلاني صاحب "الرحلة الورتلانية" والذي يعتبر قدوتهم في الكفاح التضحية. علجية عيشے