الدكتور قادة جليد لقد انطلقت تركيا من قاعدة حضارية في بناء نهضتها المنشودة، وذلك من خلال الانغراس في هويتها وثقافتها والتصالح مع قيم العصر واستطاعت أن تمتلك الرؤية الحضارية لماضيها وحاضرها ومستقبلها، فلا نهضة خارج القيم الذاتية للأمة، ولا شك أن للنهضة هويتها التي تنتمي بها إلى أمتها ودولتها فإذا تعارضت هوية الأمة مع هوية نهضتها تعثرت في مسارها وتأخرت في تحقيق مصيرها المنشود، وربما انحرفت طريقتها إلى أكثر من طريق جانبي أو تعطلت بها السبل. لقد استثمرت تركيا في الإنسان التركي من خلال مطابقته بين نهضته وهويته ورسمت له طريق الخلاص وجعلته يفجر كامل إمكاناته وقدراته في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي ولذا كان لا بد أن يأخذ الإنسان التركي دوره الكامل في بناء ذاته أولا وبناء مجتمعه بحرية كاملة بحيث تصبح رسالة النهضة هي رسالة المواطن والمجتمع والدولة معا، وهذا لا يتوفر حتى يشعر المواطن التركي بأنه حاضر بالقوة والفعل في ميادين النهضة وبأنه محل عناية واحترام وتقدير من مجتمعه وأن مجتمعه ينظر له بعين الجدارة والرضا والتقدير. إن تمسك تركيا بهويتها الحضارية في بناء نهضتها لم يجعلها تنعزل عن العالم وقيم العصر ولم تتبع الغرب في مقارباته الفكرية والإيديولوجية، ولكنها قدمت مقاربات خاصة بها من منظور نهضتها الجديدة وتفاعل المجتمع التركي مع هذه النهضة، لذلك مثلا كانت نظرة تركيا للعلمانية نظرة مختلفة عن نظرة الغرب وبالفعل لقد رأى حزب العدالة والتنمية أن المعارك التي صنعت في تركيا بين الدين والعلمانية أعاقت مسيرة التنمية في تركيا لعقود طويلة، ولذلك لم يتبن معارضتها وإنما مقاربة جديدة عن مفهوم العلمانية تعبر عن المضامين الصحيحة لهذا المفهوم وتبعد عنها المضامين الأخرى فهو لم يجعل من العلمانية الأوروبية معياره ولا نموذجه ولا محرابه ولم يجعل من العلمانيين الغربيين قدوته ولا أئمته ولا وعاظه وإنما فهم أن العلمانية هي أنها الدعوة إلى العلم وتحرير فكر الإنسان وعقله ورفض الأفكار التي تلغي حرية الإنسان وتحرمه من عقله وتمنعه من اتباع العلم واكتشاف الحياة وتسخيرها لمصلحة الإنسان والناس والبشرية جمعاء. يتبع