يؤكد الوزير المنتدب المكلف بالبيئة الصحراوية، حمزة آل سيد الشيخ، في لقاء مع "الحوار"، أن الإستراتيجية التي تتبعها دائرته الوزارية، لترقية وحماية البيئة الصحراوية تعتمد على تشخيص مشاكلها ورفع الأضرار عليها وجلب المنفعة للاقتصاد الوطني، وهذا بعد حمايتها وإعطائها الأهمية الكبرى، معتبرا أن حمايتها جد صعبة، نظرا لمساحتها الكبيرة، وتعدد مشاكلها، مشيرا في السياق إلى أن المؤسسات البترولية هي من أكثر القطاعات ضررا بالبيئة الصحراوية. وحول الدعوات التي تنادي بتجريم انتهاك البيئة الصحراوية، أوضح الوزير"كنا السباقين في الدعوة إلى تجريم هذه الممارسات على البيئة، والتجريم لا مفر منه"، فيما عرج على مشروع واحة الوحدة الإفريقية ليعتبره مشروعا بيئيا اقتصاديا كبيرا جدا، فيما اعتبر أن الباب مفتوح أمام الجمعيات الراغبة حقيقة في خدمة البيئة. حاوره: نورالدين علواش بداية ….تم تنصيبكم في التعديل الحكومي الأخير على رأس هذه الوزارة المنتدبة، لو حدثتنا عن الغاية من إنشاء هذه الوزارة بالتحديد؟ الرؤية كانت للسيد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بإنشاء وزارة منتدبة للبيئة الصحراوية..أولا من ناحية المساحة، كون المناطق الصحراوية تمثل نسبة 87 بالمائة من التراب الوطني، مما يعني بأن الجزائر دولة صحراوية، ثانيا من ناحية التركيبة الجغرافية والاجتماعية لهذه المناطق الصحراوية والثروات الموجودة بها، إضافة إلى الكم الكبير للانتهاكات والمشاكل الموجودة في هذه المناطق، ما يستدعي اهتماما خاصا بها، ومعالجة مستمرة وذات بعد، لذلك كانت رؤية السلطات العليا بأن تكون وزارة منتدبة خاصة بالبيئة الصحراوية لتطويرها وحمايتها.
ما استراتيجية دائرتكم الوزارية لترقية وحماية البيئة الصحرواية؟ نعتمد في استراتيجيتنا على تشخيص المشاكل والأضرار على مستوى البيئة الصحراوية ورفع الأضرار عنها، وجلب المنفعة للاقتصاد الوطني وهذا بعد حمايتها وإعطائها الأهمية الكبرى، لأن البيئة تعتبر قطاعا موازيا لكل القطاعات.
ما هي خطتكم للاستغلال الجيد للمناطق الصحراوية، مع مراعاة خصوصية وطابع المنطقة وطرق حمايتها؟ حماية البيئة الصحراوية غير سهل وجد صعب، نظرا للمساحة الكبيرة، ولتعدد المشاكل وكثرتها، أولا استهدفنا القطاعات التي تلوث البيئة الصحراوية، وفي مقدمتها قطاع الطاقة، ثم المناجم، ثم الموارد المائية ثم الفلاحة، أي القطاعات التي تؤثر نشاطاتها على البيئة الصحراوية، أين قمنا باجتماعات مع السادة الوزراء، ست أو سبع وزارات، التي لها تأثير مباشر سلبيا كان أم إيجابيا على البيئة الصحراوية، اجتمعنا معهم لتحديد هذه المشاكل والكيفية والتوقيت لرفعها، وكانت خطوات في الميدان، واستطعنا التوصل إلى نتائج جيدة ومرضية، فمثلا عقدنا اتفاقية مع وزارة الطاقة استهدفنا خلالها الأحواض البترولية التي تمثل مشكلا كبيرا على البيئة في الصحراء، سوناطراك قدمت عرضا كبيرا جدا في معالجة هذه الأحواض تجاوبا مع مطالبنا في هذا الخصوص. أما قطاع المناجم وبحكم أن الوزارة مستحدثة حديثا، فإننا سننطلق في العمل معهم من الصفر وسنشتغل معهم في كل شيء، في استغلال المناجم، في الرخص، وطريقة المعالجة بعد الاستغلال، وكيف يقدمون إضافة للبيئة، فمثلا التنقيب على الذهب، بعد أن تتحصل المؤسسة المصغرة على مساحة معينة لاستغلال الذهب، ثم تقوم بعملية الاستغلال والحفر، فإنها لما تنتهي من عملها على مستوى تلك المنطقة، مجبرة على إرجاع المكان إلى طبيعته الأولى، وتغرس أشجار بها. كما توصلنا مع وزارات أخرى بعد اجتماعات مكثفة إلى عديد القرارات المرضية على شاكلة وزارة الموارد المائية.
من بين مهامكم ..العمل على تهيئة الأرضية التى تسمح للبيئة الصحراوية بتأسيس وتطوير السياحة البيئية المستدامة ..ماذا أنجزتكم في هذا الإطار؟ في إطار الاجتماعات التي عقدناها، كان لنا اجتماع مع وزارة السياحة لحماية المواقع الأثرية والسياحية ولتطوير الساحة، وفي نفس الوقت حماية البيئة والتعريف بالبيئة الصحراوية، شكلنا لجانا على مستوى الولايات تعمل على تحديد المواقع والمشاكل ثم يكون التدخل على المستوى المركزي، بالشراكة مع وزير السياحة الذي له رغبة كبيرة في تطوير السياحة الصحراوية مع حماية البيئة كذلك.
البعض ينادي بالخطر الذي يحدق بالبيئة الصحراوية، بسبب المواد السامة التي تخلفها المؤسسات البترولية ..كيف ستتعاملون مع الوضع؟ المؤسسات البترولية هي من أكثر القطاعات ضررا بالبيئة الصحراوية، ولهذا فإن أول مشروع سطرناه كان مع وزارة الطاقة، والتقينا مع وزير الطاقة وكذلك المدير العام لسوناطراك، وكل الانشغالات والمشاكل التي تهدد البيئة الصحراوية، سواء المياه الجوفية أو الثروة الحيوانية أو النباتية، بلغناها لهم كتابيا واجتمعنا معهم وتحاورنا في هذا الخصوص، ولا يخفى عليكم، أن مؤسسة سوناطراك لها مديرية خاصة تعنى بالبيئة، ورؤيتهم تتطابق مع رؤيتنا في وجوب حماية البيئة ومعالجة أي اختلال يسجل، وما ينطبق على المؤسسات الوطنية، أكيد ينطبق مع المؤسسات الأجنبية، إذ نعتمد في ذلك على قانون "ملوث دافع"، أي كل من ساهم في تلويث منطقة ما، فعليه قانونا أن يرفع ذلك التلوث. مخلفات زيوت "الأسكاريل" لا تزال أضرارها مستمرة سواء على البيئة أو الإنسان، ما هي الإجراءات التي قمتم بها للتكفل بهذا الملف؟ نحن أثرنا هذا الموضوع من تلقاء أنفسنا، وتابعنا هذا الملف في كل الولايات الصحراوية، خاصة ولاية الأغواط التي كانت مركزا وطنيا أو جهويا لتخزين هذه النفايات الخطيرة غير القابلة للتحلل ولها آثار سلبية كبيرة على البيئة، وتوجد إشكالية تنصل بعض المؤسسات، لكن كل الأطراف التي تحدثنا معها، أبدت تجاوبا لأن القانون واضح "ملوث دافع"، وسنعرف كل مركز تخزين لأي جهة تابع، وستتكفل به قانونيا ويرفع الضرر، وتوجد شركات وطنية وأجنبية التي بإمكانها معالجة مخلفات زيوت الأسكاريل، وهذا الملف أهتم به شخصيا لأني أملك معطيات عنه من قبل. نزلنا إلى ولاية الأغواط وتواصلنا مع الكثير من المتضررين.
الدولة فتحت المجال للخواص وخاصة الشباب لولوج عالم التنقيب، ألا تتخوفون من تأثير ذلك على البيئة الصحراوية؟ بطبيعة الحال، أول متضرر من التنقيب هي البيئة الصحراوية، ولكن هذا الضرر لن يكون بحجم الضرر الذي يحدثه التنقيب العشوائي، أو السري، حينما رأينا أن البيئة متضررة جدا من التنقيب السري والمعالجة الكيميائية في المناطق الفلاحية والصحراوية، كان لزاما وجود بديل، وهو التنقيب بطريقة علمية صحيحة، ثانيا التخلص من مشكل التعدين، ضف إلى ذلك أن هذه المعادن التي تستخرج من باطن الأرض تباع للدولة، والسعر يكون سعر البورصة حتى لا يكون منافسا خارج الحدود، وأكيد إذا لم نحترم شروط التنقيب وتم الحفر وانتقل إلى حفرة أخرى وتركنا الأولى على حالها، ستكون أضرارها وخيمة على البيئة الصحراوية والإنسان والحيوان، وبالتالي وجب إعادة البيئة إلى طبيعتها الأصلية بعد الانتهاء من استغلال أي منطقة.
الحكومة وضعت مخططا من أجل توفير دعم مادي وتسهيلات إدارية لفائدة المؤسسات الناشئة….أين وصلت هذه العملية ميدانيا فيما يخص قطاعكم؟ المؤسسات بصفة عامة، سواء ناشئة أو مصغرة، فأغلبية مشاريع الشباب في مجال الرسكلة أو الاقتصاد التدويري، وتسيير النفايات ورسكلتها، نسيره بالشراكة مع وزارة الداخلية، قمنا بعدة مبادرات في عدة ولايات من حيث تحفيز الشباب، وتوصلنا مع بعض الولاة لإستراتيجية تحفز هذه المؤسسات، حيث أن مشكلتهم الكبيرة هي جمع النفايات، أين قدمنا نظرة جديدة لطريقة جمع النفايات في هذه الولايات الصحراوية، بعض الشباب تواصلوا معنا ويملكون أفكارا لمؤسسات ناشئة في مجالنا، لذلك سنبرم اتفاقيتين، الأولى مع وزير المؤسسات المصغرة، والثانية مع وزير المؤسسات الناشئة، بغية تمويل مشاريعهم ماديا، حتى تجسد أفكارهم على أرض الواقع.
إلى أين وصل مشروع غرس الأشجار في الطريق الصحراوي للحفاظ على توازن البيئة الصحراوية ومنع الرمال من الزحف نحو الشمال "السد الأخضر" ؟ القاعدة الأولى..هي حماية الجزائر بصفة عامة من التصحر، والآن نشتغل على مشروع كبير وضخم وهو واحة الوحدة الإفريقية، وهو مشروع وزارة البيئة، المواطنون الذين زاروا الصحراء يعرفون الحجم الحقيقي لها وحجم المشاكل التي يمكن أن تعترض أي شخص يسافر مسافات طويلة في الصحراء ولا يجد أي فضاءات..هذه الواحات تستهدف طريق الوحدة الإفريقية بالدرجة الأولى، ثم الانتشار عبر كل الولايات الأربعة عشر الصحراوية. وسننطلق بسبع واحات، تكون على الطريق الوطني رقم واحد بمحاذاة قناة المياه من عين صالح حتى تمنراست، وستكون بمثابة السد الأخضر الصحراوي. وسنجسدها مع المجتمع المدني الذي سيكون مرافقا لنا، وحتى تسيير هذه الواحات يمكن أن يكون من قبل (المجتمع المدني). بعض المشاريع في الصحراء الجزائرية تعد خطرا يهدد المياه الجوفية والتوازن البيئي، ما تعليقك؟ موضوع المياه بصفة عامة، جوفية كانت أو سدود، من اختصاص وزارة الموارد المائية، نحن كقطاع البيئة لنا صفة المراقب على كل البيئة، والماء عنصر من عناصر البيئة، وإستراتيجية الحماية والقوانين الجزائرية في هذا الصدد تعالج هذا الموضوع وتحمي المياه بشكل قانوني وواضح، والمؤسسات البترولية أو غيرها، لها قواعد للاستغلال، ولما لا تحترم هذه القواعد سيكون لها تبعات كبيرة، ولا تسامح مع من يلوث المياه، والسيد رئيس جمهورية أطلق ديوان الفلاحة الصناعية، وهذه الفلاحة التي ستكون في المناطق الصحراوية وستعتمد على المياه الجوفية الصحراوية، يعني من غير الممكن السماح بتلويث هذه المياه وهي خط أحمر، كونها الأمن الاقتصادي والفلاحي للجزائر.
الكثير من الأطراف والمؤسسات، لا تزال تمارس انتهاكات كبيرة على البيئة في الصحراء، لماذا لا تدعون لتجريم مثل هذه الممارسات؟ كنا السباقين في الدعوة إلى تجريم هذه الممارسات على البيئة، وتجريم أو تقنين أي أمر يمر بمراحل وتشاورات حتى لا يكون فيه إجحاف لأي طرف، وزارة البيئة بصدد إعداد قانون لإنشاء شرطة البيئة الصحراوية، وستساهم كثيرا في حماية البيئة وحماية المياه وكل المركبات الأساسية للبيئة لذلك، لذلك موضوع التجريم لا مفر منه، وفي المستقبل ستكون أمور مضبوطة في هذا الموضوع حتى نتمكن من فرض ثقافة معينة لحماية البيئة.
التفجيرات النووية التي حدثت في الصحراء الجزائرية خلال الحقبة الاستعمارية لا تزال آثارها الجسيمة مستمرة إلى اليوم ..ما مجال صلاحياتكم لإيقاف التأثيرات النووية على البيئة والإنسان هناك؟ قمنا بزيارة إلى رقان في فيفري الماضي، وهذا الملف ليس من اختصاص وزارة البيئة وحدها فقط، وهو ملف مشترك ومعالجته تتطلب تنسيقا مع وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، ويجب أن تكون دراسات معمقة للوضع على ما هو عليه حاليا، ويتطلب ذلك أموالا كبيرة، وتحتاج كذلك دراسة للتأثيرات التي تعرضت لها البيئة وتشخيص الوضع ..يعني تحتاج ثلاث دراسات للوصول إلى إزالة هذا التلوث وهذا ليس بالأمر السهل بحكم عامل الزمن، وتغير أمكنة بعض المعادن أو الأشجار أو غيرها..وبالتالي يمكن أن تكون رقعة التأثير قد توسعت، إلا أن معالجة هذا الموضوع ضرورة، ويتطلب دراسة مختصين في المجال وأموال كذلك ..
كيف يمكن لاقتصاد البيئة الصحراوية أن يساهم في الاقتصاد الوطني؟ اقتصاد البيئة الصحراوية له عديد الطرق للمساهمة في الاقتصاد الوطني، ومنها الاقتصاد التدويري، ورسكلة النفايات الخاصة، كذلك إنشاء فرص عمل ونشاط سياحي بعد أن نوفق في إنشاء خمس محميات، التي من شأنها إحداث حركية اقتصادية، كذلك الاتفاق الذي وصلنا إليه مع وزارة الطاقة برفع التلوث عن البيئة الصحراوية، استفادت مؤسسات كثيرة جدا من هذا الموضوع وهذا يعتبر من بين الملفات التي قمنا بها. تمكنا كذلك من دمج عدة مؤسسات في مشاريع التنقيب عن الذهب، وغيرها كثير مثل مشروع واحة الوحدة الإفريقية الذي سيكون مشروعا بيئيا اقتصاديا كبيرا، سيساهم في إنتاج التمور، إضافة إلى غرس أشجار اقتصادية مرافقة في كل واحة، دون أن ننسى المبادرة الأخيرة التي قمنا بها، والمتمثلة في إزالة المفارغ العشوائية واستبدالها بمساحات خضراء، وهي عبارة عن أشجار ذات فائدة اقتصادية، تستفيد منها جمعيات المجتمع المدني، شرط رعايتها وسقيها وحمايتها، إضافة إلى ملفات أخرى لها فائدة مباشرة على الاقتصاد الوطني.
هل لكم علاقة تكاملية مع الجمعيات التى لها علاقة بوزارتكم المنتدبة ؟ أول نشاط قمت به على مستوى الوزارة هو استضافة جمعيات المجتمع المدني، واستمعت لكل انشغالاتهم، وخرجنا بتوصيات، إضافة إلى جمعيات أخرى أبدت استعدادها للنشاط معنا، وفتحنا المجال للجمعيات وكثير منهم منحناهم الرعاية السامية لنشاطاتهم، والباب مفتوح للجمعيات التي لها الرغبة والإرادة الحقيقية لخدمة البيئة وسنساعدهم بدون تردد.
كلمة أخيرة أوجه رسالة مفادها أن البيئة ملك للجميع، وأن الإنسان هو من يعيش فيها، وأن كل من يخرب البيئة يخرب المكان الذي يعيش فيه، وثمن تخريب البيئة هو ثمن كبير جدا ويجب علينا أن نوعي بعضنا البعض حتى نتمكن من الحفاظ عليها والعيش في وسط نظيف لنتمكن من الوصول إلى الصحة العمومية. وندعو جميع المواطنين إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية ضد وباء كورونا، خاصة مع الموجة الثانية كون أرواح الجزائريين ثمينة جدا ولا يرضى أحد أن يكون سببا في وفاة أقاربه أو المحيطين به.