حتى تلك اللحظة ما كان يعرف بالضبط ما هي الرتلاء ؟ ولا الرتيلاء تعرف من هو بالضبط.. ظنت فقط أنه تمثال الماضي الميت... غاب عنها أنه ''سيد الغابات'' ولا تدري إن كان هذا الرجل هو الأخير أو الأول؟.. في هذه البقعة... الملاى به.. ماذا عساني أن أفعل؟ قال صدر رشيد رشيد صادف أن تعثر نظره بالرتيلاء في زوايا بيوت معباة بالشقاء والصبر.. لاحظ أيضا خيوط إثمها في أركان ما تئن خوفا.. ولكن أن يكون صدره موضع نسجها.. أن يكون لعبتها؟ هذا ما لم يكن يخطر لا لعقله ولا لجنونه.. الرتيلة هذه الحشرة وبكل ما أوتيت من أرجل وشبق... بكل ما أوتيت من مكر وعنت تشبتت بزرع ''رشيد'' أحد أبطال ''نجمة'' رائعة كاتب ياسين الموغلة في السحر والرمزية.. تمثل الجزائر فيها بكيان نجمة الحبيبة الفاتنة .. امرأة الهبت قلوب الرجال وتمثل فيها فرنسا بعدة كائنات حيوانية.. الرتيلاء إحداها... تلك الرتيلة التي كانت تسبق رشيد القابع في سجن الاستعمار إلى ثيابه التي ما زالت على جسمه بضرب من اللذة المجنونة.. كانت الرتيلاء ترقص وتتمدد على صدره السابح في سيول من العرق والخوف ''كما لو كانت تنتظر المداعبة بشوق كبير'' أو ''كما لو ساعدت رشيد على خلع ثيابه'' كما بما يملأ امرأة شبقة لعوب من حزم ملفوف في الحياء. .. هي ملكتها الرغبة .. .. هو ملكه الرفض والجزع.. كل وساوسه وهواجسه ومخاوفه تنتفض.. تقفز على أطراف شعرات صدره.. يضرب الأرض برجليه ويضرب صدره بيديه.. حتى تسقط أو تموت الرتيلة تحت ضربات يديه أو تحت دوس قدميه أو تتقاسم أطرافه قتلها والتخلص منها... ... الضربات زادتها التصاقا بصدره.. غاصت في رائحة شعره .. وراحت تحفر وتوسع مسامه لتتسرب وتتثبت أكثر في كيانه.. تحب أن تسكن صدره.. أدرك رشيد نيتها الخبيثة.. إنها تضمر له الفناء.. تضمر له الدم القاتم.. هذه الرتيلة مصيبة.. ستنهي حياته في هذه الزنزانة..رشيد لا يريد ذلك.. لا يقبل به.. أخذ يهرول فزعا لا يدري ماذا يفعل ولا كيف ينخلص من هذه البلوى انها قادرة على لدغه .. هل سينتهي به المطاف ضحية حشرة سامة حقيرة ؟ لن يحدث ذلك .. لن يموت تحت ارجل رتيلاء لن يسلمها حياته .. لن يمكنها من رجولته .. ''ما أعلى الأسوار'' أماه! - ها أنذا أقضي الربيع في هذه المدينة الخربة - ها أنذا بين أسوار ''لامبار'' يحرسنا أبناء الرومان في هذا المعتقل الذي كان نابليون الثالث يفتخر به والكورسيكيون يحرسوننا وسلاحهم على أكتافهم، يقفون بتوازن تام على السور...والشمس لا تشع علينا إلا منعكسة على مقدمة خوذات الحرس أو على فوهات بنادقهم ..كان رشيد يغني هذه الأغنية والرتيلة غاطسة في شعر صدره كأنها لا تسمع شيئا.. فقط تململت قليلا عندما سمعته يفكر: ينبغي أن يكون الإنسان مكبلا بالقيود ليستطيع النظر إلى خصمه مليا.. من وقتها عرف رشيد كيف ينظر إلى فرنسا وكيف يخاطبها هو وصديقه الأخضر.. في الصفحة ال 40 من رواية ''نجمة'' بلغ رشيد سن ال ,40 فاستعد لانجاز كل ما يتطلبه هذا السن الراشد من قوة وثبات لخوض المعركة والإطاحة بالعنكبوت القاتل.. لتبقى ''نجمة'' متلألئة وهاجة نصرا في وجدان وقلب عشق الجزائر حد كتابة ''نجمة'' ليست كالنجوم../