الجزائر تظفر بعضوية مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي    منتدى الاستثمار الجزائري الصيني نحو مجالات استراتيجية جديدة    رزيق على رأس وزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات    من "غير المجدي" الابقاء على زيارته المبرمجة الى فرنسا    تأكيد على الأهمية التي تكتسيها الفتوى في حماية الهوية الوطنية    خروج مستشفى المعمداني عن الخدمة    سانحة للوقوف عند ما حققته الجزائر من إنجازات بالعلم والعمل    تنظيم ملتقى بعنوان دور الشباب في تعزيز التكامل الإفريقي    حجز الرحلات يسير بصفة منظمة ومضبوطة    ظاهرة الكهول العزّاب تتفشّى في الجزائر    ثقافة "الهيب هوب" وأسلوب "الأنيمي" يستهوي الشباب    كيف تختار العطر المناسب لشخصيتك؟    كأس الجزائر (نصف النهائي): اتحاد الجزائر يفوز على اتحاد الحراش (1-0 بعد الوقت الإضافي) ويبلغ النهائي    الانقلابيون في مالي دمى تحرّكها أطراف أجنبية    تنسيق الجهود لتأمين واستدامة إمدادات الوقود    مصنع لعلامة "جيتور" وآخر ل"أومودا " قريبا بالجزائر    استغلال البحث العلمي لتحقيق التنمية وخلق مناصب شغل    إعلاميون من 17 ولاية يلتئمون في ملتقى جهوي بوهران    السيد شايب يستقبل وفدا برلمانيا عن روسيا الاتحادية    أربعة لقاءات جهوية تجمع الأسرة الإعلامية    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    الاحتلال يمنع دخول المواد الأساسية اللازمة للحياة إلى غزة    البوليساريو تدين كل المحاولات الدنيئة والمغالطات المكشوفة    الاتحادية الجزائرية تقف على آخر الاستعدادات    تبسة تكشف عن قائمة ألف مستفيد من السكن الاجتماعي    20 رحلة من مطار "بن بلة" نحو البقاع المقدسة    تحديد موعد مبارتي محليي "الخضر" وغامبيا في تصفيات "الشان"    صدور السيرة الذاتية لجوهر أمحيس أوكسال    الفرقة الفنزويلية تضيء ساحة البريد المركزي    ابن باديس الموحِّد والعالِم والمصلح.. رجل حارب الجهل والتخلف وفرنسا    لوحة فنية جمالية تقاوم الاندثار    "الطرّاح القسنطيني" إرث من الصوف يصارع البقاء    زروقي يلعب آخر موسم له مع نادي فينورد الهولندي    المجلس الشعبي الوطني يشيد بالمؤشرات الإيجابية الواردة في خطاب رئيس الجمهورية أمام المتعاملين الاقتصاديين    اجتماع متعدد القطاعات لتنسيق جهود تأمين واستدامة إمدادات الوقود    رياح قوية مُرتقبة    يوم العلم: مختصون يبرزون دور الحركة الإصلاحية في حماية الهوية الوطنية    صحة: دورة تكوينية متخصصة للالتحاق ببعض الرتب لأسلاك الممارسين الطبيين المفتشين    الجزائر والصين توقعان 8 اتفاقيات لإطلاق مشاريع استثمارية في الصناعة والفلاحة    ملاكمة/المنتخبات الوطنية : تنصيب الطواقم الفنية لفئتي الأواسط و الوسطيات    وهران: البطولة الولائية للكاراتي دو أواسط وأكابر اختصاص منازلات السبت المقبل    الجزائر/الصين: رغبة مشتركة من المتعاملين الاقتصاديين للارتقاء بالشراكة بين البلدين    بلمهدي يبرز دور الفتوى في تعزيز المرجعية الدينية والحفاظ على الهوية الوطنية    تدشين معرض "التراث الجزائري من منظور بلجيكي" بالجزائر العاصمة تكريما للفنان البلجيكي ادوارد فيرشافيلت    المدارس الحرة: سلاح جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في وجه الاستعمار الفرنسي    مبارك : نجاح باهر لعملية فتح رأس مال بنك التنمية المحلية عبر البورصة الجزائرية    حوادث الطرقات: وفاة 49 شخصا وإصابة 1884 آخرين بجروح في ظرف أسبوع    إلى متى الصمت؟!    الحكومة المغربية تواجه انتقادات متزايدة    بطولة للشطرنج بين مصالح الشرطة    السودان.. جرحٌ عربيٌ نازفٌ    السفير يطمئن على قندوسي    فتح رحلات الحجّ عبر الأنترنت    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة.. قرنفلة
نشر في الحوار يوم 14 - 04 - 2009

هذا الصباح أبصرتك تقف قرب المؤسسة التي نعمل بها، عند كشك صغير، فعاودني بشدة الارتعاش الذي يعتريني كلما شعرت بوجودك، هذا الوجود الذي يفاجئني كل يوم، رغم معرفتي بمواعيد حضورك وغيابك، والذي يخلط أوراقي كلها في لحظة واحدة
وعندما اقتربت من الباب المحاذي للكشك، خفضت بصري، ولم أجرؤ على أن أنظر إليك، أو أن أحييك، خشيت أن تلاحظ ارتعاشي، فتسكنته أفكاري، كان صعبا جدا علي البوح، وكان عنفوان التكتم الانثوي يقسرني على الانكار.. وكانت المهمة التي ألقتها سماح- زميلتي بالمكتب- على عاتقي تجثم على أنفاسي وزفراتي، وتزيد من شعوري بالالم والحماقة في أن واحد تجاوزت البوابة متصنعة أني لم ألحظك، وتصورتك قد رأيتيني في غير ما اكتراث ثم ما لبتث أن تحولت عني إلى عناوين الجرائد.
صعب أن أفكر بك وأنا أدرك أن التعلق برجل لا يعيرني غير اهتمامات الزمالة تهور لا يغفره عقلي
صعب دخلت المكتب - قبل الجميع- متحسرة ععلى تبخر الامنية الصغيرة التي تتجدد في ص دري كل صباح، أمنية أن نلتقي في نرة والتي تتبخر كل صباح أيضا
قبل أيام قليلة فاجأتني سماح بما لم أكن أتوقعه واعترفت لي بأنها كانت طوال فترة عملها بهذه المؤسسة تفكر بك، وأنها الان تجاوزت مرحلة التردد والانتظار، وأن شعورها نحوك بالزمالة قد تلاشى تمثل أكثر من ذلك في حياتها، ولكنها في المقابل تعجز عن تفسير إيحاءات مودتك نحوها، التي تتأجج حينا إلى درجة الفضح ، وتخبو أحيانا كثيرة حتى لا يبدو من مظاهرها غير الرماد
أنا أيضا أعجز عن تفسيرك، وعن الغوص في عمقك المجهول، الذي لا أملك عدته، وأعجز عن عدم تفسيرك أيضا، وعن الابتعاد عن شواطئك الممغنطة، لذلك خبأت كل أشكال حيرتي وعذاباتي في خزانة عقلي، وقررت أن أتجاهلك ونجحت في ذلك لفترة قصيرة جدا، لم تتجاوز يومين، دعوتني بعدهما مع سماح لتناول الغداء معك في مطعم المؤسسة، واستمسكت بالاصرار حين رفضت.. كان إصرارك ذاك الشرارة التي أعادت إشعال مخمد الحرائق كلها..
قلت لي متبسما:
لا تخشي على ميزانيتي المتواضعة من الافلاس فأنا لن أدفع أكثر من مئة دينار من أجل وجبتك
كان ذلك ثمن الوجبات الخفيفة في مطمعنا ، ووجدتني استميت في الامتناع المبرر بعشرات الحجج اللبقة لكنني سعدت كثيرا في قرراة نفسي ، وضحكت بزهو حين سمعتك تعلل:
سأعمل على خفض الكوليستيرول الضار لديكما
ضحكت حقا وأنا أتذكر هذه الدعابة، ولكن ليس بزهو تلك اللحظة الجميلة التي كنا فيها معا، بل بمرارة لحظات الوحدةالتي أقضيها بعيدا عنك بين جدران هذا المكتب المظلم
وفكرت في البكاء.. دون أن يطاوعني كبريائي..
للمرة الالف أفكر فيه. وأنا التي اعتقدت أن ليس فوق سطح الارض كلها رجل يبكيني
لقد قالوا إنه يخفف الالام ويهون العواطف
وكنت أقول أنه ضعف لا يليق بي.
ربما الان احتاج إلى ضعفي بعد أن لم نجد عزيمتي نفعا في تحضيري نفسيا لاحتمال مرارة بعض الوقت قبل أن تلتحق بعملك، لن تداوم
هي فعلت ذلك عمدا، وتركت لي أن أجس نبضك، وأن أكتشف من خلال ردة فعلك مدى تأثير غيابها على نفسيتك وشههيتك المهنية..
اليوم لن تمارس عادتك الصباحية: لن تحضر لها الشاي الساخن، وتحضر لي حسب طقوس لياقتك وأعرافك التعاملية مشروبا- مجاملة طبعا- لقد كنت تدردش معها وتتندر قبل أن تغادر إلى مكتبك دون أن تنسى بالتأكيد أن تلفت إلى من حين لأخر مبتسما ببشاشة- لئلا تشعرني بالتهميش- هذا الصباح لن تقوم بشيء من ذلك، وأنا التي كنت استعيض عن خساراتي المتكررة بابتساماتك التي تهدينيها خلال هذه العادة الجميلة..
سأراك لفترة قصيرة جدا.. لحظة السؤال عن سماح... ثم تنصرف بعدها..
ليتك داومت اليوم يا سماح..
هكذا تمنيت في يأس وأنا أمد نظري على الاشياء من حولي بشيء من التثاقل ،ولكن منظر قرنفلة جميلة انتشلني من كل هذا، وفتح في بوابة الاندهاش والفضول: لقد كانت موضوعة بعناية في كأس بلاستيكي، على طاولة صغيرة تفصل مكتبينا أنا وسماح..
ثم صدمت وأنا أتذكر أن هذه الطاولة الصغيرة قد جيء بها البارحة فقط إلى هنا، ومؤقتا قبل انتهاء دوامنا بدقائق، في انتظار أن يجدوا لها مكانها المناسب في الطابق العلوي، ولم تكن القرنفلة فوقها أبدا..
اقتربت منها،، وشيء لي شذاها بحداثة قطفها، ودل على أنها وضعت هنا هذا الصباح فقط، ولكن ليس في البناية أحد؟؟
قفز إليك تفكيري، وعجبت من هذا التصرف ولم أجد غير أن ألصق بك هذه التهمة المضحكة
اختزنت من عبيرها ما تطيقه رئتاي، كأنما أختزن أنفاسك، بالرغم من أني شعرت بالسخف والسخرية من نفسي، لكن صوتك المهذب النبرات لم يسمح بأن يطول هذا، وفاجأني بقوة:
مرحبا
وقبل أن أتمكن من انقاذ نفسي من تبعثرها المفاجيء، سمعتك تضيف:
هل تقبلي أن أحضر لك فنجان قهوة متواضعا جدا؟
كان هذا أول كلام إنفرادي بيننا، وبارتباك باد قلت لك دون أن تسألني:
سماح مشغولة جدا، لذلك .. هي لن تحضر اليوم
بدأت أبحث في ملاحك وتقاسيمك عما يمكن استقراؤه، غير أنك ابتسمت كأنما تسعد لذلك
لقد فاجأني كل هذا منك بدوت أكثر جرأة، وأنت الذي كنت تكلمنا دائما بلباقة وخجل يكادان يكونان غير عاديين.. سماح قالت كثيرا إن الرجل الخجول لا يرتكب أبدا الحماقات.. وما هي أولى حماقاتك؟؟
في كافيتيريا المؤسسة قال لك النادل إنك ستضطر إلى أخذ عصائر باردة، واعتذر عن القهوة لانقطاع الكهرباء..
سمحت لحماقاتك أن تبتديء تباعا، لاني كنت أريد أعرف منتهاها وسمعت منك فصولا شبه مطولة عن أخبارك وأفكارك الشخصية كنت في الوقت نفسه أفكر في الطريقة التي سأتكلم بها معك.
إن سألتك بجرأة، فستجيبني بصدق مطلق أو ربما بكذب مطلق أيضا..
قوة غريبة تكاد تدفعني إلى التهور وتكاد تدفعني أيضا إلى التشجع المطلق لاستقبال الجواب، الذي قد يحطم آمالي
أو قد تعتبرني أحشر نفسي فيما لا يعنين من أول حديث،، فأخسرك كزميل بعد أن لم أستطع كسبك بأية صفة
لعل ذلك ما سيحدث على أرجح احتمال..
لكن.. لابد أن عقلي سيواسيني،، وسيصور لي هذا الخسران على أنه الظرف المناسب للنسيان... لعلي أتمكن من لم شتات روحي، ومسح آثار التعب والتوتر والكتب الطويل عن قلبي الغضيض...بهذا الخسران سأتعذب أكثر، ستأتي غدا إلى سماح، وتبدأ عادتك الصباحية منقوصة، ستتجاهلني وستعاقبني بالتهميش... سيكون هذا الخسران العذاب الاخير الذي يطفيء بارقة كل أمل، مهما كانت ضئيلة، فأتمكن من وضع نقطة نهاية لهذه الدوامة الرهيبة
قبلت أن أدفع ثمنا كهذا لقاء ما أرجوا،وإلى أخر لحظة أملت أن أطوي عصرا كاملا من النتظار والتفاجؤ إلى الابد .. لكنك- وللمرة الالف - تفاجئني حتى الذهول وشفتاك تغمغمان بمزيج مشوش من تأسف ورجاء واعتراف واعتذار:
القرنفلة.. تلك القرنفلة .. كانت من أجلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.