ارتبط الشعر منذ نشأته في قارتنا الافريقية بالمدح، بالثناء، بالصورة المكتنزة بالمال.. وما أكثرهم الشعراء الذين لهثوا وراء الحكام والسلاطين مفرطين في كتابة قصائد المدح، بل ورافقوهم حتى في مجالس اللهو والأنس التي تراقصت فيها الجمل الشعرية على ايقاعات رقصات الحواري وترنحت فيها القوافي مع الرؤوس والاجساد المغمورة، ففقدت المسميات هيبتها وحلالها وتضاءلت الفروق والمسافات بين الشعراء وبين الخدم الذين يستحقون التعاطف والاحترام لان خدمة الصغار والكبار حرفتهم الوحيدة الصراحة التي لا يجدون غيرها. وكان بمقدور الشاعر النيجيري الكبير وولي سوينكا ان يكتم صوته ويلجم ضميره وان يبقى في نيجريا مستوعبا لنفسه ولأهله السلام، لكنه رفض ان يصير الشاعر الخادم الذي يوظف أشعاره وقصائده لخدمة ولترسيخ انظمة لا يرضى هو عن ممارستها وتوجهاتها. ومثل كل الشعراء ''الشرفاء'' اختار سوينكا ان يعيش حرا مطاردا منفيا بارادته في الخارج على ان يعيش منفيا في الداخل بارادتهم هم... فتكميم الافواه سهل والاصعب تكميم الضمائر الحرة.. فضل عبور الحدود متنقلا بين العواصم الاجنبية ليختار الولاياتالمتحدةالامريكية بعد طول سفر مكانا لاستقراره... أدرك مبكرا ان الشاعر الحر أبقى واخلد من الحاكم وان عرش الشعر اهم من عرش السلطة. فأغلب الحكام يذهبون تلاحقهم اللعنات اما الشعراء والمبدعون عموما الذين ليسوا من الخدم فيعيشون لأجيال ولقرون من خلال ابداعاتهم التي تتردد فيها اناشيد الحرية واهازيج امل الانعتاق من القهر والعبودية، سواء أكان قهر الفقر او عبودية الحكام.. ففي هذا العالم الذي صاغته ابداعاتهم لا يوجد حراس ولا اسوار ولا قيود ولا حدود عالم ميثالي قد يتحقق غدا او بعد اعوام.. ووقتها لن يضطر الشعراء الاحرار للمغادرة.. للرحيل الطويل دون امل حتى في امتار معدودة من أرض الوطن لانه سيحتوي ويحتضن اجسادهم ..