لا يخفى على أحد أن ولاية تبسة عرفت خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا رهيبا في ظاهرة الإجرام، مما جعلها تحتل مكانة متقدمة مقارنة بالولايات الأخرى من حيث عدد ونوع الجرائم المرتكبة من جهة وعدد المتورطين الذين تفننوا وأبدعوا في مختلف الأعمال الإجرامية والاعتداءات المختلفة من جهة أخرى. ------------------------------------------------------------------------ تبسة... وقبلة المجرمين ------------------------------------------------------------------------ وتعود أهم أسباب ارتفاع مؤشر الجريمة بولاية تبسة إلى موقعها الجغرافي الحدودي، فهي بمثابة البوابة الشرقية للوطن بشريط حدودي يبلغ طوله 320 كلم، مما جعلها تعرف على مدار السنة إقبالا كبيرا من مختلف مناطق وجهات الوطن، واستغلال موقعها الجغرافي في جعلها منطقة عبور، بعد أن وجد فيها المهربون وتجار المخدرات والمركبات المزورة أرضا خصبة لممارسة نشاطاتهم الممنوعة، هذا إلى جانب الظروف الاجتماعية الصعبة التي تتخبط فيها أغلب العائلات، والبطالة المفروضة على أغلبية الشباب الذي اتخذوا من السرقات وعمليات السطو والخطف وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة والمشروبات الكحولية مهنا تليق بهم، متسببين في إلحاق أضرار كثيرة وكبيرة على كافة أفراد المجتمع الذين أصبحوا مهددين من طرف هؤلاء المنحرفين. وقد شهدت ولاية تبسة على مدار سنتي 2006 و2007 السواد الأعظم من حيث ارتفاع عدد قضايا الإجرام فقد أحصت خلالهما مصالح الأمن أكثر من 15 ألف قضية تتعلق بالقانون العام وأكثر من 20 جريمة قتل، منهما جريمة لا تزال آثارها عالقة لحد الساعة بأذهان كل سكان الولاية وهي الجريمة البشعة التي راح ضحيتها شاب لا يتجاوز سنه ال22 بعد أن قاما شقيقان بقتله وحرق جثته ورميها في حاوية لرمي القمامة، هذا دون أن ننسى الحديث عن ظاهرة الانتحار التي عرفت هي الأخرى ارتفاعا، جعل كل الهيئة وأفراد المجتمع المدني يدقون ناقوس الخطر بعد أن بلغ عدد المنتحرين خلال ذات الفترة أكثر من 30 منتحرا وقرابة الألف ممن حاولوا بطرق مختلفة وضع حد لحياتهم.. إلا أن الواقع المعاش والذي وجب التنويه به هو تقلص ظاهرة الإجرام وانخفاظ مؤشرها منذ بداية السنة الجارية وهو العامل الذي بعث التفاؤل والأمل في نفوس المواطنين بعد حالة اليأس والرعب التي كانوا يعيشونها، وأحس الجميع بحالة الأمن والطمأنينة التي بدأت تدب شيئا فشيئا، خصوصا وأن إحصاءات مصالح الأمن عرفت هي الأخرى تراجعا كبيرا مقارنة بالسنتين الفارطتين، ولعل أولى أسباب هذا الاستقرار يعود بالدرجة الأولى لمصالح الأمن وما تلعبه من دور في حماية المواطنين والممتلكات العمومية والخاصة، من خلال الانتشار الكثيف بمختلف المناطق والأحياء والتشكيل الأمني المنظم إلى جانب الدوريات الراكبة والراجلة واحتلال الأماكن السوداء التي عرفت خلال الفترات السابقة نشاطات مكثفة للمجرمين والمنحرفين، هذا دون أن ننسى العقوبات المشددة التي يتلقاها المتهمين عند امتثالهم أمام الجهات القضائية، وكل هذه العوامل والمجهودات كانت ولاتزال بمثابة الضربات الموجعة لهم.. ومن أجل الوقوف ميدانيا على عمل رجال الشرطة تلقت '' الحوار '' دعوة من طرف مديرية الأمن الوطني لحضور إحدى الخرجات الميدانية أو كما يعرف عندهم بالمصطلح الأمني '' المداهمات '' وهي الطريقة التي تكون فجائية ويكون فيها التشكيل الأمني كبيرا ومدعما بمختلف الإمكانيات المادية والبشرية وفق مخطط عادة ما يكون مسحا شاملا لمختلف أحياء المدينة وللنقاط السوداء ولأوكار الفساد كالحانات والحدائق المنعزلة والعلب الليلية (الملاهي) وهي الدعوة التي لم تتأخر '' الحوار '' في قبولها للوقوف كما قلنا آنفا ميدانيا، ولنقل أطوار ومجريات العمل الأمني في التصدي للجريمة والمجرمين للرأي العام. ------------------------------------------------------------------------ الانطلاقة دائما ليلا ------------------------------------------------------------------------ الساعة تشير إلى الثامنة مساء عندما أعطى قائد العملية إشارة الانطلاق، وهي العملية التي شارك فيها عشرات أعوان الأمن وضباط الأمن الولائي والمصلحة الولائية للشرطة القضائية رفقة رئيس الأمن الحضري الثاني، الرابع والخامس إلى جانب رئيس خلية الإعلام والاتصال لدى أمن الولاية وهو الضابط الذي رافقناه طيلة ليلة كاملة من المداهمات والمسح الشامل من أقصى حدود الولاية من مدخلها الغربي إلى مدخلها الشرقي مرورا بجل أحياء عاصمة الولاية التي تظم قرابة ال 300 ألف نسمة. ------------------------------------------------------------------------ .. عشرات الموقوفين وعدة محجوزات: ------------------------------------------------------------------------ البداية كانت من مديرية الأمن على متن عشرات المركبات ذات الدفع الرباعي، انطلاقا إلى أحياء الوئام ,01 الوئام 600 ,02 سكن، 01 نوفمبر وكلها أحياء تحيط بالمجمع الجامعي ومبيت الشباب وعدة إقامات جامعية، كما تعرف هذه الأحياء كثافة سكانية كبيرة ومرتفعة خصوصا وأن جل بناياتها عمارات، حيث خضع معظم من كانوا جالسين، خصوصا في الأماكن المظلمة إلى عمليات تعريف من خلال مراقبة أعوان الأمن لوثائق إثبات هويتهم، وهي العملية التي سمحت بتوقيف عدد معتبر من الأشخاص مجهولي الهوية، كما تم توقيف أشخاص آخرين مبحوث عنهم من طرف المصالح الأمنية، وآخرون صادرة ضدهم أوامر بالقبض من طرف الجهات القضائية، إلى جانب إعطاء أوامر بلغت محلات بعض التجار الذين صدرت ضدهم أوامر بالغلق من طرف المصالح المختصة، ومحلات أخرى يشغلها أصحابها في قاعات للعب دون أي وثيقة أو رخصة قانونية، وبعد حوالي ساعتين من الدوريات تم الانتقال إلى حي 1576 مسكن وهو الحي الذي توجد به حديقتين كانتا دائما محل شكاوي المواطنين، تم على إثرها توقيف عدة مجموعات من المنحرفين الذين كانوا يتناولون الخمر في شكل علني، حيث تم توقيفهم خصوصا وأنهم غير حاملين وثائق تثبت هويتهم، بالإضافة إلى حجز 06 دراجات نارية مزورة وبدون وثائق، سيتم على إثرها تحرير محاضر ضد أصحابها بعد سماعهم بمقر الأمن، بعدها مباشرة تم التنقل إلى المكان المسمى تراب الزهواني وهو الحي الذي يعرف نوعا ما عزلة عن الأحياء الأخرى ويحتوي على عدة بيوت مشبوهة، الساعة كانت تشير إلى الحادية عشر عندما بدأ أعوان الأمن ينتشرون داخل أزقته عبر دوريات راجلة، الحي بدا وكأنه غير آهل بالسكان، إلا أن ذلك لم يسمح من توقيف عدة أشخاص كانوا في حالات متقدمة من السكر ودون وثائق هوية، تم توقيفهم وتحويلهم لمقر الأمن قصد التأكد من هويتهم، ودامت الدوريات الراجلة إلى غاية الوصول إلى حي الجرف وهو أحد أكبر أحياء مدينة تبسة، تم وسطه تعريف عشرات الأشخاص والتأكد من هويتهم، كما تم توقيف على مستوى الطريق المزدوج سيارة من نوع كليو لا تحمل لوحة ترقيم بها 03 أشخاص، والسائق لا يحمل رخصة السياقة تم تحويله رفقة السيارة إلى مقر الأمن في انتظار التأكد من هوية السائق والمركبات، وبعد فترة من التواجد الأمني عبر حي الجرف تم الانطلاق مرة أخرى مرورا بوسط المدينة إلى الطريق المتوسط المدنية المعروف ب '' لارمونط '' وهو عبارة عن طريق تتواجد به عشرات المحلات تتوسطهم حانة غير مرخصة تم مداهمتها من طرف أعوان الأمن إلا أنه ولحسن حظ صاحبها لم يعثر على أية زجاجة خمر، تم توجيه إنذار شفوي له، ليتم بعدها التنقل إلى حي المرجة وهو يشبه إلى حد كبير حي الجرف من خلال الكثافة السكانية وانتشار المنحرفين والحانات غير الشرعية، تم كذلك تعريف وتفتيش عشرات الشباب الذين كانوا جالسين هنا وهناك. ------------------------------------------------------------------------ ''قندهار'' بؤرة الخمر والفساد ------------------------------------------------------------------------ وبعد الانتهاء من حي المرجة، ومرورا بالطريق المزدوج لاروكاد وهو الطريق المؤدي إلى البلديات الحدودية ومنها إلى الجمهورية التونسية إلى غاية الوصول إلى المنطقة المسماة '' قندهار '' وهي عبارة عن مستودع لبيع الخمور وملهيين ليليين، وهي المنطقة التي تعتبر أكبر بؤرة فساد شهدت على مدار السنين الفارطة عدة جرائم قتل واعتداءات جسدية بين المدمنين وزبائن العلب الليلية الباحثين عن المتعة والسهرات الحمراء الماجنة. الملهى الأول مثله مثل الملهى الثاني كانا يعجان بالزبائن من مختلف الأعمار وكانت إلى جانبهم تجلس بنات الليل على طاولاتهم، كل أنواع وأصناف الخمور، وبمجرد دخول أعوان الأمن دب صمت رهيب داخل القاعتين، والكل بقي جامدا وقابعا في مكانه، والفرق الموسيقية التي كانت قبل قليل تحدث ضجة وصخبا عاليا أصاب آلاتها الجمود، أمرهم رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالوقوف واستخراج وثائق الهوية بعد أن أمر المسير بإشعال النور، حيث لم يتم على مستوى الملهيين توقيف أي شخص عدا واحدة كانت لا تحمل بطاقة الهوية وكانت في حالة متقدمة من السكر، تم تحويلها إلى مقر الأمن، وبعد الانتهاء من '' قندهار '' تم الانتقال إلى محطة المسافرين مع الساعات الأولى للصباح، تم كذلك هي الأخرى توقيف على مستواها شخص مجهول الهوية، وكانت هي آخر محطة في مخطط المداهمات الليلية الفجائية، قبل أن تعود إلى نقطة الانطلاق المقر الولائي للأمن، ولعل أكثر من شد انتباهنا في العملية إصرار عناصر الأمن والشرطة على التصدي لظاهرة الجريمة والعمل على تطويق مؤشرها ومواقعها بكل عزم وتفاني في خدمة الوطن والسهر على راحة المواطنين، الذين بدورهم أبدوا يوم الغد ارتياحا كبيرا للعملية، متمنين تكرارها من حين لآخر.