بدءا بما خلفته فينا مقابلة أم درمان وما تركته في نفوسنا الأحداث القبلية من جراح غائرة صراحة أصبحنا نشك في كل ما هو مصري، سواء كان بضاعة مادية سلعية إلى بضاعة فنية وفكرية كتابية، وصولا إلى البضاعة المعنوية ونقصد بها تلك التي لم تشخص بعد أو تجسد كالكلام المعسول والإعلام المخبول. لأن الشك هو حقنا الحياتي وحقنا في متابعة الحقائق والحق، وما ذلك بعزيز على عاقل، إن أراد هذا الفكر والبال أن يمحص ويستدرك بل أن يستخدم مقاصده ورؤاه، فلقد ذهب بنا الشك بعيدا وبعيد جدا حينما نقرأ جميعا أن أهرامات أم الدنيا لم تبن بسواعد الفراعنة بل بعرق قوم بني عاد، لأن الفراعنة اتخذوها قبورا لهم فقط ولم يؤوها، وإلا فهل كل تلك الضخامة والسنين والمعدات من أجل قبور ثم أين سكن هؤلاء يوم كانوا يتخذون من الأهرامات قبورا، تقريبا لم تعثر الدراسات ما يبين ذلك أي أن الأهرامات لا توجد بها ما يوحي عن أنها قصور للملك والحاشية وهذا ليس بكلامي أنا إنما كلام الباحثين والدارسين. وسردا لهذا يتبين أن المصريين أبا عن جدا ألفوا التمويه وتلفيق الحقائق، وحينما نعود إلى العصور الحديثة، نلتمس الكثير من المسائل التي تثيرالعجب والدهشة خاصة فيما ذهب إليه نقاد الفن، وبالخصوص الموسيقى بحكم أن مصر تفتحت موسيقيا قبل أن تتفتح سينمائيا أو مسرحيا، وجمعينا نتذكر تلك الضجة التي أثيرت ضد النهر الخالد الموسيقار محمد عبد الوهاب وما قام به من سلخ في حق السنفونيات العالمية لأن معظم مقدماته الموسيقية لفائدة أغاني كوكب الشرق أم كلثوم أو نجاة الصغيرة أو عبد الحليم هي من جراح ومعاناة موسيقيين روس وألمان وإيطاليين، بينما ذكاء عبد الوهاب لم يشفع له حينما أراد أن يعرب هذه المقاطع ويتصرف فيها بتركيب ومزج جديدين. عبد الوهاب عينة واحدة دون ذكر آخرين وصولا إلى لصوص ومنتحلين أحياء لحد الساعة، بقوا يخرجون ألحانهم داخل مخابر الكيمياء، أما في الأدب فحدث ولا حرج، العقاد قام بنسخ روايته وما هي برواية؟! عن قصة انجليزية معروفة لدى الانجليز، وهناك والعلم لله معلومات تقر بأن طه حسين لم يكن هو من كان يكتب تلك الأعمال المعروفة به بل كان رجلا آخر، يوجه كتاباته ويكتبها؟! ضف إلى ذلك أن أحمد شوقي لم يكن شاعر بلاط فقط بل شاعرا يقتبس أفكاره من شعراء إسبان وفرنسيين، وأعتقد أن المقام هنا لا يتسع لذكر عدد من الأمثلة، بل المسألة وما فيها هي أن المصريين ومنذ سالف السنين كانوا يستغفلون الجميع، ويريدون بناء مجد مزيف على أنقاض جهود الآخرين الذين احترقوا من أجله، وعلى هذا الأساس تربت النفسية المصرية على تمجيد الذات حتى ولو تفوهت بنصف كلمة أمام الآخرين من العرب. وبينما كان العالم يتطور ويقفز من جديد إلى جديد، ظل العقل المصري يكرر نفسه إلى درجة التعفن والجنون وعدم السماح للآخر بالمنافسة. * شاعر وصحفي