موقعة أم درمان لم تكن مجرد حوار مصيري في كرة القدم، بل جسدت مناظرات صريحة بين مصر والجزائر وعلى كامل الأصعدة. تفوق الجزائر على مصر لم يكن على المستطيل الأخضر فحسب، بل تعداه إلى أكثر من ذلك، لنجد أنفسنا أمام موقعة إعلامية وسياسية واجتماعية بين الجزائر ومصر، شهد العالم بأسره أن الطرف الجزائري تموقع بامتياز من هذا كله. فعلى المستوى الإعلامي كانت المناظرة بين الطرفين جريئة إلى أبعد الحدود دون أن تكون متكافئة، طرف مصري يهاجم بتحريف الحقيقة وطرف جزائري يدافع بتنقيط حروفها، وبين الصواب والخطأ احتار العالم كله في معرفة المصيب ومن هو رأس المصيبة، ولأن أية مواجهة طالت أو قصرت لابد أن ترى النور في أحد طرفيها، فكانت حقيقة الإعلام الجزائري أنصع من أن يلوثها إعلام اتخذ لنفسه الخبث والنفاق منطلقات له، وبه حسم الإعلام الجزائري المناظرة لصالحه بشاهدة العالم الذي تحرك من خلال مختلف وسائل الإعلام العربية والأوروبية إلى مساندة الجزائر ودعم إعلامها، ليكون الإعلام المصري أمام حتمية لابد منها، وهي الخضوع للحقيقة ونزع ثوب الجريمة الذي تزين به في المساس بمقدسات الدولة ورموزها. كواليس مبارة مصر والجزائر ألقت بظلالها أيضا على المحيط السياسي للبلدين، فراحت الهيئات السياسية في مصر تحدو حدو هيئاتها الإعلامية لترسم مشهدا مشابها في الخبث لكن هذه المرة على المستوى السياسي، مشهد رسمه محامو مصر ورأوا بأن حرق العلم الجزائري طريقة مشروعة وديمقراطية للتعبير عن ما يلج في الضمير، من جهة أخرى كان للرئيس مبارك وقت لأن يوجه خطابا بالمناسبة فحواه لا مسامحة مع من يجرأ على المساس بكرامة مواطنيه. فيا ترى هل نال الرئيس المصري من كل همومه الداخلية والخارجية ووجد وقتا للخوض في هم مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر. بالنسبة للجانب السياسي الجزائري الذي اتخذ من الصمت موقفا له، استطاع أن يعطي مثالا حيا للسياسة المحنكة، فتفوق الصمت الصارخ على الصراخ الصامت، وهذا ما جعل الكل يشيد بموقف الحكومة الجزائرية في هذا الشأن خاصة وأنها لم ترد على خطاب الرئيس المصري وإلا كنا الآن في مطبات أخرى، إذاً هي مظاهر تفوق الجزائر على مصر في مناظرة سياسية خالصة. أما إذا تكلمنا عن الأثر الاجتماعي الذي انبثق كامتداد لخلفيات موقعة مصر والجزائر، فإننا سنضع أنفسنا أمام واقع المجتمع المصري والجزائري أو بالأحرى أمام الرأي العام لكلا الدولتين، ولأن الإعلام كيف ما كان، هو الوقود الحقيقي لهذا الرأي، بات المواطن الجزائري والمصري مرآة عاكسة لفحوى إعلامه سلوكيا ونفسيا، ليدخل الجزائري والمصري صفحة حملت عناوين الكره والحقد، بعد أن طووا صفحة العروبة والدين والتاريخ وتكون تداعيات هذه المباراة قد بلغت أقصى ما يمكن أن تبلغه وهو قتل روح الأخوة العربية والإسلامية بين شعبين، فماذا بقي لها أن تفعل بعد هذا. إذاً المناظرة الكروية بين الجزائر ومصر وإن حملت ما حملت من مظاهر يندى لها الجبين، إلا أنها كشفت عن مناظرات صريحة بين الجزائر ومصر، ولتسجل في التاريخ تحت عنوان مناظرة الحقيقة.