''سوف أتجاوز جنسي'' جملة قالتها جان دارك في لحظة ما من لحظاتها النضالية لإنقاذ إنسانية الإنسان.. وهذه هي الجملة اللازمة في نظر الشاعرة والروائية والمناضلة السياسة ''مورغان'' إن أرادت المرأة أن تحقق نجاحا في عالم الرجل.. هذه المثقفة المبدعة في كتاباتها ونضالاتها لنصرة قضية المرأة حيثما كانت ووجدت أخذت على عاتقها مهمة الارتقاء بكيان المرأة وجعل نفسيتها وأخلاقها ورغباتها وحقائقها لا تخضع إلى ما جبلت عليه... أن تتنكر لما وجدت نفسها مفطورة عليه.. تتنكر لتلك الأشياء القابعة في روحها والتي تهتف لها باستمرار أنها أنثى.. مجردة من القوة خالية من كل ما يزخر به كيان الرجل ..من كل ما يعج به عالمه وحياته وجسده من عنفوان وقدرة على اتخاذ القرارات وجرأة على تنفيذها.. ولذلك فإن الزهو واليأس في عرف هذه المناضلة المبدعة ليسا سوى وصف ممتاز للنظام البطريركي .. والمرأة التي تقع في شرك هذا الموقع يجب ألا تكتفي بولائها بل عليها أن تدافع على التزامها وتعمل على إنكارها لنفسها.. والأهم من كل ذلك عليها أن تنجح في إقناع روحها القلقة بنديتها لجنس الذكور اليقظين.. ''روز لكسمبورغ'' العظيمة عانت كثيرا من إهانات حبيبها ليوجوغيتشز، كان يصفها ب ''الرجل الأخير في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني'' عاشت حياتها ممزقة بين فعاليتها الجنساوية وفعاليتها السياسية الصارمة وحنينها للتأمل والكتابة والإبداع والعناية بنباتاتها وحيواناتها ، وممزقة بين نزوعها الشديد إلى السلم والعدالة والنضال لإثبات مكانتها ودورها في حزبها.. لكن ما كان يؤلمها حقا اعتمادها على الرجال ما اعتبرته تدميرا للذات.. تمضي مورغان معربة عن إعجابها وفخرها بما لمسته لدى لكسمبرغ وغولدمان من مزاج مفعم بالحيوية والإيجابية وطاقة كبيرة على حب الحياة والحنين للسلام والمتعة.. وبقدر إعجابها بنبل النضال النسوي تنكرت وأعلنت رفضها القاطع للسياسة الثورية الذكورية الملوثة بالكراهية ، ورغبة الانتقام والنزوع للتفاهة والعنف.. وذلك ما جعل المرأة تعيش حياة معذبة.. كل رجل يحمل خطرا بداخله.. يضم تهديدا وعرقلة بين جنباته ، والرغبة في الزواج منهم قد تظل قائمة أو لا.. لكن ذلك لم يمنع النساء من ممارسة أعمال غير تقليدية واقتحام مجالات كانت حكرا على العنصر الذكوري. نتشايف اعتبر هكذا النساء كنوزا لأنهن أكثر جرأة من الرجل ويقاتلن بشكل أشد ولهن الصبر الكافي للعمل المتواصل، لأنهن يحاولن إثبات أنفسهن لرفاقهن أكثر مما يفعله أي رجل، وأكثر مما يحتاجه أي رجل.. وهذا يغري الرجال أكثر لاستغلالهن بقسوة باسم القضية التي حددها الرجال.. مورغان صرحت أكثر من مرة في مقالاتها ونصوصها أن ''النساء أولويتها'' مسخرة كل طاقتها وكتاباتها وتنقلاتها ، وأعلنت تضامنها مع المرأة الفلسطينية والنيكاراغوية والصينية والإفريقية والعراقية والتشيكية.. أمثلة عديدة أوردتها مورغان في كتابها النثري ''عاشق الشيطان'' الذي نال جوائز عدة لنساء مناضلات منهن شيجنوبو المناضلة في الجيش الأحمر الياباني، والعربية ليلى خالد التي تصدر اسمها العناوين العالمية الرئيسية في 29 آوت سنة 1969 ''عندما قادت فريق الاختطاف الفلسطيني الذي استولى على طائرة TWA وأجبرها على الهبوط في دمشق وكانت وقتها شابة تشبه أودري هيبون وهي من طبقة متوسطة هاجرت عائلتها من حيفا سنة 1948 لتستقر في مدينة صور اللبنانية ودرست في الجامعة الأمريكية ببيروت وانضمت إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1967 . وسردت مورغان ضمن شهاداتها عن المرأة المناضلة مثال الكاتبة الداعية لتحرير المرأة أندريا دوركين '' امرأة خاضت تجارب نضالية كبيرة وتقول عن نفسها تزوجت من فوضوي، كان سابقا في بروفو، وهو مقاتل متمرس في حرب عصابات المدن، واستيقظت بعد ثلاث سنوات وكان جوهر اهتمامي الكلي هو العمل المنزلي، وقد أصبت بالإغماء التخشبي ولم أعرف من أنا بعد ذلك، وتحول الحب إلى عنف وانتهاك.. وكان علي أن أقاتل وأكون ثورية في البيت أولا ،والإنسان إذا ما فقد كل أمل في تغيير أي شيء فعليه أن يعيش خارج اليأس بشكل ما.. وأخيرا اعترفت بنفسي كامرأة.. لقد كنت ضحية لرجل معين، لنظام جنسي كامل.. لأوهامي الخاصة.. وقد علمني زواجي مثلما فعل السجن طبيعة الظلم وأبعاده في جسدي، حيث أتعلم بصورة أفضل..'' لقد أتت تلك الفكرة الثاقبة بعد رحلة طويلة نحو اكتشاف الذات، إبداع الذات، وإثبات الذات.. صوتها على تردده كانت تحاول فهمه، ولا تزال تدرك دافعه ويأسه أكثر من إدراكها لدافعها ويأسها.. وهنا تتساءل مورغان: ''كم من الوقت يلزمنا لنتبنى تلك الفكرة الثاقبة''.