ما الذي ينشده المبدع منذ وعى عبثه ..؟ أن يكتب ما يريد .. أن يمارس حريته .. أن يقول ما يحب قوله .. أن يحكي ما يشتهي حكيه .. ؟ لا ليس هذا ما يريده .. وليس هذا ما ينتظر .. ليس لأنه في غنى عن ذلك ..فقط لأنه ليس محروما من كل ذلك .. ليس ممنوعا من أي يمارس حريته ويعيشها على الورق .. أكتب ما شئت أيها المبدع .. قل ما أردت أيها الروائي وأيها الشاعر .. واظب على القول .. على التعبير .. تمسك بالقلم .. أقم على أرض البياض .. دوّن وسجل وأبدع .. بالسطور بالصفحات بالكتب بالمجلدات بالمكتبات .. فلست أكثر من محض حركة هاربة عن سياق الواقع، ولا أزيد من لفظ خاو لا يريد الاعتراف بخيباته وفشله .. يكتب المبدع ويكتب وهو يعلم أن لا أحد يحتفي به .. ولا أحد على علم بما يكابده عند اجتراحه لتلك الكلمات يكتب وهو عامر بذلك الصوت الذي لا يهدأ ولا يتوقف عن تذكيره بأنه يكتب ما يكتب .. يبدع ما يبدع إلا أنه لا يتوصل إلى شيء ولن يجني شيئا أكثر من فقاعات موهومة لا تلبث أن تنفقع يأسا وتسيل على أحلامه فترديها أكواما من الخواء .. المثقف عندنا لا يعرف من هم الموكلين للسهر على مواته .. للحرص على فشله .. وعجزه .. كلمة مثقف في قاموسنا وفي قاموس كل العرب تقريبا تحيلك إلى الانسداد والعبثية واللاجدوى.. أصبحت ترمز إلى ''الغفلة'' وعدم فهم الدنيا وواقع الحال .. تتعاقب السنون وتنطوي المراحل والحال دائما على حاله .. لا يتحلحل قيد نبسة .. قيد كلمة .. قيد قرار .. قيد حركة .. قيد نهضة .. قيد ثورة ضد هذا الواقع الذي ماعاد يشبع من البشاعة .. ماعاد يتوقف عن إنتاج اليأس ومشتقاته وكل ما يحيط أي مشروع أو تيار ثقافي ويقتل أي بذرة تغيير تجرأت على البزوغ من أرض الحضيض .. المثقفون عادة ما تجدهم في الطرف الآخر من الواقع .. ينتظرون أمام الباب الخلفي للحياة .. مرابضين خلف وراء دفتيه .. يدونون انتظارهم وينشدون وهمهم وصبرهم .. المسالة ليست مسالة قفص مشاريع ولا نقص مبادرات ولا تظاهرات ولا هياكل ولا مؤسسات لا علاقة لكل ذلك بغبننا الثقافي.. وبالعطل المقيم بعصب الحركة الإبداعية والفكرية والفنية .. بالعقم المفروض على المشهد الثقافي ..الكارثة فيما ينتجه وفيما لا ينتجه كل ذلك من هدر للمعنى من استخفاف بالقيمة والقامة ومن مجانبة ما ينشده الكل .. فكان ما نعيشة وما يحدث لا يراه المثقف أكثر من '' بيضة بلا مح'' .. المشهد الثقافي ضاج بالمظهرية والشكليات لكنه عاجز عن خلق نواة حية تبث الروح والعافية في للحركة الثقافية والإبداعية وما يدعو للدهشة أن كل هذا الوهن وكل هذه الوضعية المأزومة التي ينوء بها الراهن الثقافي لم ينل من ذاك المقصد النبيل الذي يتشبث به مثقفونا ومبدعون حيث ظل سمو الإبداع لديهم هو الغالب .. ومواصلة الكتابة والعطاء ومداواة اليأس بالكتابة وقهر الموات بممكنات الحياة الثقافية والفكرية وبذلك لا ولن يتوقف نهر الكتابة مثله مثل نهر الحياة .