حتى هذه اللحظة .. ما قبلها .. وأثناءها وما بعدها...أدرك أني أكتب.. وأتعارك مع فعل الكتابة بطريقتي.. ولم أقدر على التخلي عن هذا العراك.. ومع ذلك لم يصلني لحد الآن شيئ من تلك الأشياء التي يحكونها عن الكتابة.. التي يظنون أنها تأتي مع الكتابة.. اللحظة دوما مملوءة بالمأزق.. تدخل في قراءة وتخرج من قراءة.. تشرع كتابة وتنهي كتابة.. تبهر برائعة هذا ويخيب حلمك في عمل ذاك.. ومهما كانت النتيجة.. لا أحد يزحزح إيمانك بأن أنت والكتابة خلقتما لتكونا معا.. ومهما حاولت الهرب والتملص من ورطة الكتابة تجد نفسك أكثر ولها وأقوى شغفا بها.. وحدها الكلمات تخطط مصيرك.. تقول وجودك تفصل حظك.. وحدها اللغة تجاري أوهامك تجعل من أحلامك مادة قابلة للتشريح.. وتلح لحظة القلم .. ويتفاقم ضغط الهواجس وتهطل أسئلة العبث.. فتكتب نصا أو كتابا أو سطرا.. تكتب كلاما أو صمتا.. لا يسكت يقينك عن ترديد: إنك الأفضل.. إنك الأذكى.. الأعرف.. الأحسن .. شخصيا توقفت عن التأمل من هكذا كتابة .. في هكذا بقعة في هكذا واقع .. حذرت نفسي أن تتوقع شيئا من الإبداع .. أن تنتظر شيئا من الكتابة .. لا شيء أكثر من قول أني كتبت كذا وكذا .. أن لي رواية كذا وكذا .. ديوان كذا وكذا .. لا ملكية ولا نصيب ينوبك أكثر من أوراق تنوء بالكلمات تنز باللامعنى .. تنضح بالهباء .. ماذا يعني كاتب مبدع ؟ ماذا يعنى شاعر أو روائي ؟ .. وماذا يعني أن تؤلف أن تبدع نصوصا نثرية أو شعرية ؟ ماذا يعني هذا الوهم الجارف لكل الحقائق .. كل ذلك ليس أكثر من محض ارتطام مع الهباء.. .. ما الذي يجنيه حرفيو الحروف ؟ ما نظرة الأدباء والمبدعين لأنفسهم ..؟ من منطلق تجريبي .. هم كغيرهم من البشر.. لا تميز . لا تفوق .. مملوؤون بشتى الخبائث.. مقترفون لشتى الخطايا .. هم الكذابون .. المنافقون.. الأنانيون .. الخداعون النمامون .. ألأنهم استطاعوا أن يمسكوا بالقلم ويخطو أشياء على الورق يعاملون.. يحسبون أنهم ينتمون إلى صف القديسين والأنبياء والمتعففين والمتسامين .. وإن وجد من هو خال من هكذا أوصاف فليس الكتابة هي التي خلصته .. طهرته .. هو كذلك لأنه كذلك فحسب .. لا طهارة بالكتابة .. و لا قداسة بالأدب.. محض حالة كما الغفوة محملة بالأوهام تجعل الكاتب يشعر انه بلغ مصاف المتميزين المتفوقين عن الباقي .. يحسب انه خرج عن صفوف العامة ولا يعرف ولا يريد أن يعرف أيا من تلك العامة له مؤهلات مضاعفة ربما أو قدرات خلاقة للفكر والقول.. هو فقط لم يخطر له أن يختار أن يبادر للقول لحظة الاختيار والجرأة هي التي تجعل من الإنسان ما تجعل.. وليس ما يكنه من فضائل أو خبائث.. لا فرق بين امرؤ وامرؤ من اختار درب الكتابة نثرا أم شعرا لا بد أن تأتي عليه لحظة يشعر فيها أنه سقط ضحية شيء ما.. وقع في شرك ما .. وهنا يشرع في تلبس الأدوار وتقمص الكلمات لدرجة يصدق فيها وهمه، ويصدق الآخر الذي لا يتأخر للزج به في متاهات الزيف .