الكتاب والمبدعون في كل مكان من هذا العالم متشابهون.. سواء كانوا من أهل الشمال أو من أهل الجنوب.. من بلد متقدم أو متخلف .. كل الكتاب مسكونون بنفس الأسئلة .. أكبر الروائيين وأشهرهم لازال يشغلهم ويؤرق إبداعاتهم مثل هكذا سؤال: كيف يجابهون إشكالية موضوع الرواية؟ وكيف يمكن للرواية أن يكون لها تأثير على القارئ وتجلب انتباهه.. أي موضوع مؤهل لأن يكون ذا قيمة عالمية.. ما يسترعي الانتباه أن أبسط المواضيع المشكلة لنسيج الحياة اليومية أي المتسمة بالانفتاح على المجتمع الإنساني كالعلاقة بين الرجل والمرأة والزواج والطلاق والبؤس البشري بأشكاله هي التي تفوز دوما باهتمام القارئ.. اختيار الموضوع في حد ذاته إبداع.. وكيف تنسج حوله حكاية هو إبداع الإبداع.. وكيف تجعل من الأشياء والتفاصيل العادية شغفا وعجبا ذاك هو التفرد.. وكيف تتفاعل مع أحداث العمل الروائي وتقولها بطريقة أكثر غرائبية وعجائبية من الواقع ذاك الرهان الأكبر للمبدع.. وحتى يحقق الروائي شيئا من ذلك عليه أن يلج نصه الروائي مدججا بحذافيره.. ويتعامل مع الكلمة عار إلا من صدقه وجرأته.. الكلمة أم النص.. منها يتكون وبها ينمو ويكبر وإليها ينتمي.. والكلمة في عرف أهل القلم غالبا إما أن تخونهم وإما أن يخونوها.. غالبا ما تفعل الكلمة فعلها في كنه المعنى.. قد تشوهه.. قد تحرفه .. قد تبهته .. قد يخرج ممسوسا بما كان له أن يظهر . أن يأتي .. .. كل المأزق في؟ كيف للمعنى أن يبزغ صافيا صادقا من جلدة الكلمة .. كيف للكلمة أن تحمل بما يعج به وعي المبدع وما تزخر به هواجسه وما يؤمن به جنونه .. الكلمة المعيار ذاك هو الرهان بالنسبة للمبدع .. والكلمة غالبا ولكن بطريقتها .. بهواها .. قد ما تحمل معضلتها بين حروفها .. تنطق بالمأمول حسب وضعها ومزاجها وظروفها .. نتوسلها .. ننتظرها بصير ندللها بخضوع وشك نجربها نمازحها بحذر .. فقط من أجل أن تخرج صافية صادقة مشعة كما ولدتها أحاسيسنا.. ناصعة كما كما اشتهاها هوسنا .. كل ما ينشده المبدع أن يعثر على تلك الكلمة المكتملة التأثير على القارئ.. الرواية تعيش من أجل ذاك الهدف الأسمى.. ذاك الهدف العزيز .. كيف يمكنها ذاك وبتفوق التوافق مع الواقع.. كيف تجعل الواقع يغار من جماليات حكيها وقيمة فنياتها.. كيف تقترح شخوصها حياة وأحلاما أخرى على شخوص الواقع.. كيف تغير الألوان في نظرهم وكيف تقلب الأشكال أمامهم وكيف تقوض اليقينيات في رؤوسهم.. هي أحلام مستحيلة.. لكنها من عشق الرواية. كل مبدع يناضل لتحقيقها.. هو الذي يريد أن يصل إلى أقصى درجات الصدق فيما يكتب.. يريد أن يكتب الأشياء دون أن يساوره ذاك النوع من الغرور الذي يشعره انه يكتب من موقع نبوة أو موعظة.. أو يتولي مهمة الكلام بلسان البشرية جمعاء.. كثير من المبدعين يقرون أن ثمة شيء من النفاق تكتب به الرواية وكثير من العاطفة.. ولعل أقوى نص وأجمله هو الذي يصمد في وهج القراءات.. عليه أن يتواضع ويركع تحت قدمي الكلمات.. أن يتخلص من وهم التفوق والتوقع.. الروائي الكبير آبدايك يعترف أن من الكتاب الذين أذهلوه ومازالوا نايوكوف لأنه يكلف اللغة مهمات عدة في نفس الآن وهذا شيء رائع في نظره لان الجميع في ضيق من الوقت ومن العبث ..