فرضت المرأة المعاقة في الجزائر لنفسها واقعا استطاعت من خلاله أن تثبت جدارتها ومكانتها في المجتمع، وبدلا من أن تنعت بالمعاقة استبدلتها بعبارة ''المرأة التحدي'' لما حققته من إنجازات عظيمة، فكم هن كثيرات اللواتي أعطين ولم يبخلن وصنعن من أنفسهن مثالا للتحدي ومفخرة للجزائر، وفوزية واحدة من اللواتي رفعن شعار التحدي في الحياة. لطالما كانت نظرة المجتمع للمعاق وخاصة المرأة نظرة مواساة واتهام بالعجز وعدم القدرة على المشاركة في الحياة، فصنف في خانة العاجزين وعدم الفائدة في المساهمة والتفاعل مع باقي أفراد المجتمع. ولطالما كانت النظرة أكثر احتقارا إذا كان المعاق امرأة، عندها الإيمان بقدراتها سيكون أضعف وفي كثير من الأحيان معدوما لعدم قناعة الآخرين بأن العجز ليس في الجسد فقط، بل حتى في طريقة الحياة والتفكيرأيضا. والأخطر من هذا أن المعاق أصبح آخر من يهتم به بدلا من أن يكون من الأولويات المفروضة على المسؤولين وعلى المجتمع، وأصبح يعتمد على قدراته الفردية بدلا من أن ينتظر إعالة الآخرين له، وسعى إلى تغيير تلك النظرة التي رشقوه بها ظلما، والشابة فوزية واحدة من بين هؤلاء والتي صنعت لنفسها مكانتها وسط من رفضوها ولم يؤمنوا بها. الإعاقة ما كانت إلا بداية لنجاحها فوزية صاحبة 30 سنة من عمرها، واحدة ممن رفضن الاستسلام للإعاقة ولمصيرها، وممن رفضن القبول بعبارات المواساة والتعازي كونها معاقة وغيرت من نظرة العجز التي لحقت بها ظلما من أقرب المقربين لديها ''عائلتها''. نشأت وترعرعت وسط عائلة متواضعة تقاسمت الإعاقة مع أخيها الصغير منذ ولادتها، لم تتعلم ولم تدخل المدارس لكن نشأتها وسط جو الخياطة والتطريز صنع منها امرأة بارزة في هذا المجال، تقول: ''لم تكن الإعاقة التي ولدت بها حاجزا أمام حبي لفن الخياطة والتطريز، بل العكس تماما، فيوم أدركت أنني لست كبقية الأشخاص يومها أحببت أن أصنع لنفسي مكانا أثبت من خلاله أني لا أختلف كثيرا عنهم''، وتكمل حديثها: ''وأنا في سن الثامنة بدأت أبحث عن الإبرة والخيط لأصنع بها أشياء كانت تجول بخاطري، خاصة أن أختي الكبرى كانت تعمل في هذا المجال، ولذلك كنت أساعدها من دون أن أرفض أو أتماطل، وفي ذلك السن تقريبا تعلمت ''الفتلة والمجبود'' وصرت أتقنها كالكبار تماما، بعدها واصلت أنا المشوار بالرغم من وجود باقي أخواتي في المنزل إلا أنهن لم يهتمن بالمجال أكثر مني لأنه مغروس داخلي، وصممت على أن أطور نفسي لأثبت قدراتي وسط عائلتي خاصة. ولأنها تحب صنع ألبسة الدمى منذ صغرها فإن ذلك كان مساعدا في خلق فضاء واسع في هذا المجال، حيث بدأت في خياطة وحياكة الألبسة التقليدية الجزائرية وعرضها في المعارض والتي لاقت إعجاب الجمهور واستحسانه ومن ثم جاءتها الفكرة لأن تصنع الدمية كديكور للمنزل ملبسة إياها أحلى الملابس، وفعلا لاقت استحسان الكثيرين وكثرت الطلبات عليها. ولم تتوقف نشاطات فوزية هنا بل بدأت في تعلم ''الكروشي''، حيث صنعت به الكثير من المستلزمات الجميلة. فيدرالية المعاقين فتحت لها مجالا واسعا إذا كان هناك من لا يؤمن بقدرات المعاق، فهناك من يسعى لأن يدمج هاته الفئة في المجتمع ويطور قدراتها ويبعث فيها الأمل للاستمرار، وفعلا وجدت فوزية من يساندها ويحقق أمنياتها في أن تطور فن الخياطة وتصل إلى أعلى المستويات المرجوة. ''بكل صراحة فيدرالية المعاقين ببن عكنون فتحت لي الباب على مصراعيه بعد أن كنت أعتمد على قدراتي الفردية، ففتح لي المجال في أن أتعلم التصميم في إطار مشروع مساعدة المعاقين بالفدرالية، وفعلا نجحت في أن أصمم الكثير من الأزياء بدايتها كانت بملابسي الشخصية ثم بعدها لأفراد عائلتي حيث ساهمت في تصميم وخياطة كل ما يحتاجه البيت من مستلزمات كثيرة، في مقابل أنها لم تجد من يساعدها داخل البيت حتى في أبسط الأشياء في حياتها اليومية. وتضيف فوزية في حديثها أن الفدرالية استطاعت أن تلاقيها بأفراد آخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة وسمحت بربط علاقات كان لها أثرها في حياتها وفي بث شعاع الأمل من جديد بعد أن فقدت علاقتها بالآخرين في فترة من حياتها، فساعدها في تخطي الكثير من العوائق والصعوبات التي واجهتها. وستكمل فوزية حديثها قائلة: ''علاقتي مع الآخرين سمحت لي بأن أطور مجال عملي وأتعلم أشياء كثيرة في فن الخياطة والتصميم، واستطعت أيضا أن أشارك في الكثير من معارض الخياطة في الكثير من المناسبات بالرغم من عدم حصولي على كرسي متحرك وهذا ما زاد من صعوبة تنقلي، إلا أن ذلك لم يثن من عزيمتي أبدا. ولم تعتمد فوزية على مساعدات الآخرين بل اعتمدت على نفسها في تنفيذ كل ما تطمح إليه، وما كانت إلا المنحة التي تتقاضاها الباب الوحيد المفتوح والتي استطاعت من خلالها انجاز الكثير من التصميمات واللوازم التي تحتاجها في خياطتها. بالحاشية والورود استطاعت أن تصنع ما حلمت به تفننت فوزية في الحياكة والطرز واستعمال الورود والحاشية في كل ما يمكن استعماله، وصنعت بها أشياء وتحفا جميلة تسر النظر ويعجب بها كل من شاهدها، خاصة أنها من إبداع فوزية الفنانة. فصنعت أفرشة للأطفال مطرزة بالورود والساتان، وصنعت للعروس كل التحف الجميلة التي يمكن أن تستعملها من أفرشة وديكور للمنزل وغير ذلك. وصنعت من الورود كل ما يخطر في البال وشكلت بها مجموعة راقية ورائعة. ولم تتوقف هنا بل حلمها أن تصل يوما إلى إقامة معرض وطني لوحدها وبأعمالها فقط، لا لشيء سوى لإثبات أن الإعاقة ما هي إلا بداية للحياة وليس لنهايتها. وفوزية ما هي إلا واحدة من اللواتي والذين أرادوا لأنفسهم العيش بكرامة، رغم الضغوط والعراقيل التي يعرفها المعاق في بلادنا خاصة أن جل القوانين التي في صالحهم لم تطبق ولم تعرف النور بعد، وهوما أكده الكثير من العاملين والناشطين في الميدان. وما المعاق إلا فرد مثله مثل باقي أفراد المجتمع له حقوقه وواجباته ولذلك وجبت الالتفاتة إليه اليوم قبل الغد.