أنت امرأة ..فهل تكتبين بحقيقتك الجنساوية .. أم أنك تتوارين خلف رجالك على الورق..؟ كثيرا ما أقع تحت خبث هكذا سؤال.. الكل يريد أن ينتزع مني اعترافا بخطيئة الكتابة.. امرأة تكتب لا بد أن تكون محل أسئلة .. يجب أن تكون موضع تهمة وشك.. مادام جنسها شبهة فكتابتها شبهة مضاعفة.. امرأة؟.. وكاتبة؟.. ألا يكفيها أنها امرأة.. لم تلجأ إلى تلغيم وجودها بالكتابة؟ لم تعمل على حشو حضورها بالكلمات؟ ما الذي أبقته للرجل؟ ككيان مؤهل خلقا وخلقة للسلطة وللسيطرة وللقسوة.. وللكتابة .. من أجل الكلمات تدفع المرأة فوق ما يدفعه الرجل عشرات المرات.. تدفع من أجل الكتابة أعصابا يظفرها الحذر الأزلي.. تدفع قلبا يعبئه الصبر والتوق إلى الحياة.. تدفع جسدا منتفيا في كل الموجودات، مستوطنا كل الأجساد.. كلهم مصممون على أن يجعلوني أسأل نفسي.. هل أنا كاتبة امرأة.. أم كاتبة شخص.. هل أنوثتي هي من تتولى الكتابة أم هو شخص كإنسان وككيان لا ينتمي إلا لفكره وأحاسيسه وأحلامه.. مؤهل للأخذ والعطاء وللحلم وللأمل وللأسئلة.. يأتي شهر مارس وفجأة تتحول الكلمات والنظرات والاهتمامات نحو المرأة.. وفجأة تصوب الأضواء إليها وتجهر كامل كيانها وحياتها.. وكما في كل 8 مارس تعزف سمفونيات تمجيد نضالات المرأة داخل المنزل وخارجه وتتكرر المعزوفات التقليدية المتغنية بدورها في تربية الأجيال وبناء المجتمع.. وكما كل مارس تنطلي الكلمات على المرأة فتفرح لما تلقته من بهرجة لفظية أليست هي من وصلت إلى أعلى المراتب التعليمية..؟ أليست هي من اعتلت أرقى المناصب..؟ أليست هي من نافست الرجل في مجالات ومناصب عمل..؟ أليست هي المنتشية بمشاركتها الرمزية والشكلية لمجالات ومسؤوليات كانت حكرا على الرجل..؟ مارس وما يجره على المرأة عامة ينسحب على المرأة الكاتبة.. تنهال عليها الأسئلة والأضواء بغتة ويتكاثر الفضول.. ويحدث أن أتمنى لفرط إحساسي بتهريجية المناسبة واستخفافيتها لو باستطاعتي الاستقالة من هويتي ككاتبة ومن جنسي كأنثى.. أتوق لارتداء وشاح يرديني لا مرئية في هكذا مواقف مهزلية.. وبقدر ما أتوق أحيانا مثلي مثل جل الكاتبات أن أكون في قلب الحدث وتحت وهج الأضواء بقدر ما تعتريني تلك الرغبة المفاجئة في الإمحاء والخروج من نفسي ومغادرة المكان والزمان..المسألة.. كل المسألة تكمن في أني أرغب وقتها في أن أكون ذاتا مخلصة لذاتها.. ذاتا مطابقة لذاتها.. مطيعة لجنونها .. وفية لهلوستها.. محبة لاضطرابها وهواجسها.. ذاتا لا تلزمها هوية الكاتبة بدفع ضرائب بعينها.. كان تحجب شيئا لتظهر آخر.. وتتكتم عن شيء لتقول أخر وتخوض في ما لا تريد الخوض فيه وتصمت عما تود الخوض فيه.. أحيانا تصبح الإقامة في أراضي الكتابة والإبداع باهظة التكلفة.. تستلزم ما لا تطيقه الكاتبة الصامدة في وجه النفي والمحو والنهش الذكوري.. المرأة تدفع وتكتب.. أليست هي الموصومة بالمنح.. أليس هو المعتز بالأخذ.. ما يضطرها لان تدفع من ذاتها الجامحة.. لتعطيه كل شيء ولا أي شيء.. وحدها الكتابة.. لا.. لا.. لا.. الكتابة لا .. لا يعطيها أحد لأحد ..لا يتنازل عليها أحد لأحد مهما كانت الصلة ومهما كانت السطوة ومهما كان الثمن .. لا أقوى من الكتابة .. وحدها الصادقة في خداعها .. الأمينة في خيانتها ..الحقيقية في وهمها .. المجدية في عبثها .. لا الرجل ولا ما فوق الرجل يمكنه أن يدرك نص المرأة .. أن يتخذه مطية ليطيح بكلماتها .. وإذا لتكتب المرأة وإن كانت الأصفار في انتظارها، وإن كان اللاشيء يتربص بها .. وإن كانت اللاجدوى تترصدها .. تكتب المرأة من أجل أن تعيش كما لم تعش.. تكتب المرأة يعني أن تجعل لحظتها تتغذى بالضرورة وبالحياة.. لتعطي الأشياء أشكالا أخرى وللألوان بريقا آخر وللروائح أريجا آخر وللحياة حياة أخرى.. وما الكتابة إن لم تكن هي المرأة.. هي الحياة..؟