رغم الأهمية البارزة التي يكتسيها وجود كل من الأب والأم إلى جانب بعضهما البعض على رأس العائلة وتقاسمهما لأعباء التنشئة الصحيحة لأطفالهم من خلال القيام بالمهام الموكلة إليهما، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة في بعض الأحيان قد تدفع ببعض الأزواج إلى التخلي عن مهامهم والسفر بعيدا عن العائلة لأسباب اقتضتها ظروف العمل أو بحثا عن مستوى معيشي أفضل، لجتد الزوجة نفسها مكبلة بأعباء أخرى تضاف إلى رصيدها من الأعباء، إضافة إلى العمل على سد الفراغ الذي يتركه غياب الأب، لتكون الزوجة في هذه الظروف أبا وأما في نفس الوقت. كثيرات هن النساء اللواتي وجدن أنفسهن مجبرات على تحمل أعباء ومسؤوليات ثقيلة تجاه بيوتهن وأطفالهن في ظل غياب الأب الذي أبعدته ظروف عمله عنهم والذي لا تتسنى له فرصة رؤية عائلته إلا كل شهرين أو ثلاثة أشهر وربما أكثر. ورغم ما يحققه سفر الزوج من مكاسب مادية إلا أنه في المقابل أيضا تكون له انعكاساته السلبية على الزوجة والأبناء من جهة وعلى علاقة الأب بعائلته من جهة أخرى. عندما يتحول ''الأب'' إلى مصدر مادي لا أكثر؟! من أكثر المشاكل التي قد تترتب عن سفر الأب للعمل بعيدا عن عائلته هو انهيار العلاقة بينه وبين أبنائه، فنتيجة لطول فترة غيابه عنهم وقصر المدة التي يقضيها معهم، يصبح الأطفال مع مرور الوقت غير مبالين بوالدهم، حضر أم غاب وذلك بسبب تعودهم على غيابه. ليس هذا فقط بل في بعض الأحيان قد يتطور الأمر إلى درجة أن الأطفال فد يستاءون من وجود والدهم معهم حتى في فترة الإجازة، الأمر الي يزداد تأزما أكثر فأكثر مع مرور الوقت ومع كبر الأبناء وزيادة وعيهم. حيث تعتبر ''سلمى'' 15 سنة أن عمل والدها في الصحراء الجزائرية يفرض عليه الغياب لفترة طويلة وبالتالي فهي قد تعودت على عدم وجوده، كما أن علاقتها به هي علاقة سطحية جدا بعيدة كل البعد عن علاقة الأب بابنته. وتضيف سلمى أن الدور الوحيد الذي يقوم به والدها هو الإنفاق عليهم وتغطية مختلف مصاريفهم، والحال نفسه مع وليد 20 سنة والذي سافر والده هو الآخر للعمل في الجنوب الجزائري عندما كان في العاشرة من عمره، وبما أن زيارات والده كانت متقطعة وقليلة فإنه اليوم يعتبر أنه في بعض الأحيان لا يتحمل أن يتدخل والده في بعض الأمور الشخصية، حتى وإن كان في فترة الإجازة لأنه لم يتعود على ذلك أو بعبارة أخرى لم يتعود على نظام المراقبة الأبوية، لتتحول العلاقة بين الأب وأبنائه إلى علاقة مادية لا أكثر. نساء فرض عليهن أن يكن آباء وأمهات في الوقت نفسه تعتبر الزوجة أكثر شخص يتحمل مسؤولية غياب الأب وتجد نفسها أمام مسؤولية كبيرة تتمحور خاصة حول سد الفراغ الذي يتركه غياب الأب، إضافة إلى محاولتها تقمص شخصية ثانوية أكثر قوة وقسوة تستطيع من خلالها التحكم في محيط عائلتها، وهنا تؤكد ''كريمة'' (37 سنة) أنها في كثير من الأحيان قد تلجأ إلى اتخاذ مواقف جد صارمة مع أبنائها بغية جعلهم يرهبونها وأن يتصرفوا من منطلق أن هناك من يحسب له ألف حساب حتى وإن كان والدهم غائبا. وتضيف ''كريمة'' أنها بالرغم من محاولتها القيام بكل مسؤولياتها إلا أنها تجد أنه لا يمكنها بأي حال من الأحوال تجاهل دور الأب ومكانته في الأسرة، ومهما حاولت الأم التغطية على دوره فإن الأمر يبقى مستحيلا وهذا ما يظهر جليا من خلال الخلل الموجود في طريقة تنشئة الأبناء.