لماذا لا يعتقد العرب أن كثيرا من المسائل نسبية، ولا مجال للأحكام القيمية فيها، إذ يختلف فيها الناس شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. لماذا على العربي وهو ابن الصحراء والمناخ الجاف أن يعتقد في عادات وتقاليد رجال الإسكيمو بأنها المقياس والمعالم، فمن قاربها فقد نال الحظوة، ومن باعد الشقة إليها نال الخسران المبين. أو ليس '' ربي خلق وفرق '' ، لماذا علي أنا العربي أن أرى السعادة في كؤوس النبيذ الأحمر، والموسيقى الغربية الصاخبة، وأن أحصر الطمأنينة في راتب مستقر، وسكن لائق، وأشياء أخرى... صحيح أن كثيرا من الأمور يشترك فيها بنو البشر بغض النظر عن بيئاتهم وثقافاتهم، لكن الأكيد أن الكثير من القيم وليدة تراكمات وأحوال جوية ثقافية محصورة في الزمان والمكان والجغرافيا البيئية. كل هذا التقديم من أجل التأكيد على أمر ذي بال، أكل الكثير من أوقات وجهد المواطن العربي، حتى أنه لا يستحضر ولا يقتنع إلا بعد العبور على قنطرة تقييم الآخر والغير، وذلك في الأمور التي لا تحتاج إلى كل ما سبق من جهد وعناء. وفي هذا الباب تروي كتب التاريخ أن أجداد وأبناء القديس توما الإكويني، بل هو في ذاته كان يرى أن قمة التحضر في التشبه بعمائم وأقمصة أهل الأندلس، وفي توظيف بعض المفردات العربية القحة ممزوجة بلاتينية عريقة في المجالس وقاعات الدرس المحدودة، وكان نساؤهن يتمنين التخلص من الأعين الزرق، والشعر الأشقر ليتشبهن بسواد شعور وأعين الحور الطين العربيات في زمن الوصل بالأندلس، ونحن نرى اليوم كيف انقلبت الآية حتى وصل الأمر بالعربيات إلى درجة التنكر للذات والتذمر من خلقتهن غير المؤولين عليها، وهن غير راضيات بما صورهم الله عليه. والحال على هذا الحال، كيف يصدق لنا تشوف إلى المعالي ونحن غير راضين على أنفسنا المصورة خارج قدرتنا ونطاقنا، وكيف يستقر لنا المقام ومعاييرنا مهزومة، وقيمنا مهزوزة لأنها وبكل بساطة موزونة بغير ميزاننا، واضربوا بكلامي أسماء بلا مسميات .. صورتي ''نور ومهند '' .