أبرز الجدل الدائرة رحاه في الشارع الجزائري حول إجراءات وثائق الهوية البيومترية الجديدة حاجة الجزائر الى مفتي الجمهورية وفتح قطاع السمعي البصري، على خلفية لجوء فعاليات المجتمع الجزائري إلى منابر أجنبية لطرح المسألة وتبادل الآراء، وبحث الكثير منهم عن فتاوى مبررة لهذه الإجراءات عبر شخصيات إسلامية أجنبية قد تكون قناعاتها مختلفة عن مرجعية المجتمع الجزائري. أثارت إجراءات وزارة الداخلية والجماعات المحلية حول مقاييس الصورة المعتمدة دوليا في جواز السفر وبطاقة التعريف البيومتريين، جدلا متباينا في الرأي العام وفعالياته، رغم توضيحات وتطمينات وزير الدولة وزير الداخلية في آخر خرجاته الإعلامية، والتي لخصها في بروز دقيق لملامح الوجه، الذي لا يكون سوى بإظهار ناصية الرأس والأذنين، مع الإبقاء على الخمار، بالإضافة إلى تهذيب اللحية وليس حلقها. وقد عجزت المؤسسات الإعلامية الرسمية الثقيلة كالتلفزيون مثلا، عن احتواء هذا الجدل الحاد في الأوساط السياسية والدينية والاجتماعية بالجزائر، مانحة بذلك فرصة للفضائيات والبلاطوهات الأجنبية التي عوضت الفراغ ووجدت في هذا النقاش مادة دسمة للعودة مرة أخرى الى الشأن الجزائري بسهام مسمومة، ومن هذه القنوات ”الجزيرة” و”العربية” و”المستقلة” وآخرها المغربية ”ميدي سات” التي استضافت أمس ندوة نقاش حول مشروع الهوية البيومترية دار بين رؤساء أحزاب وفاعلين في المجتمع الجزائري.
وهو ما يطرح بحدة ضرورة استجابة السلطات للأمر الواقع والتعجيل بفتح قطاع السمعي البصري، وفق رؤية إعلامية مدروسة تتناول قضايا الأمة وانشغالات المواطن بموضوعية وببعد نظر، لقطع الطريق أمام أية مناورة لتأزيم وتعفين الأمور، وهو ما نبه اليه مؤخرا الخبير في الشؤون الأمنية والعلاقات الدولية، الدكتور أحمد عظيمي. من جهة أخرى، يعجل هذا النقاش بإعادة مسألة تنصيب مفتي الجمهورية الى الواجهة بقوة، حتى يكون آنيا في معالجة القضايا المطروحة، وينطلق في تقديره من مرجعية دينية موحدة، لاسيما وأن العديد من الجزائريين طلبوا فتوى من علماء من مختلف البقاع الإسلامية من دول شقيقة وصديقة عبر مختلف الوسائط الإعلامية، لاسيما البريد الالكتروني، وهي الفتاوي التي كانت في مجملها تصب في دعوات التمرد على إجراءات وزارة الداخلية الجزائرية والبعض منها ذهب الى حد تكفير هذه الإجراءات. ويبقى الشغور في منصب مفتي الجمهورية منذ قرابة 03 سنوات من إعلان الرئيس بوتفليقة نيته في تجسيده، محل انشغال وقلق النخبة الوطنية، خاصة وأن السلطة المعنية، ممثلة في وزير الشؤون الدينية والأوقاف، تدرك أكثر من غيرها نتائج مثل هذا الفراغ، وسلبيات هذه الفتاوى المستوردة التي لا تهدف سوى لزعزعة دينية وثقافية للهوية الجزائرية، حسب تعبير غلام الله. كما تبرز تجارب المأساة الوطنية أن مثل هذه الفتاوى أباحت دماء الجزائريين وأعطت غطاء شرعيا للآلة الإرهابية التي كانت تزرع الرعب سنوات التسعينيات. فهل تستفيد السلطة وبجدية من نقاش الهوية البيومترية لفتح مجال السمعي البصري أمام الرأي والرأي المخالف وتجسيد برنامج مفتي الجمهورية لتوحيد عقيدة الجزائريين.