عندما نقيس ردود الفعل الفرنسية الثائرة ضد فيلم '' الخارجون عن القانون '' لصاحبه رشيد بوشارب، لا يسع المرء سوى القول كم كان صاحب إلياذة الجزائر مفدي زكريا محقا حينما قال: '' يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوي الكتاب يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدي وخذي منا الجواب '' ورغم أن الجواب كان مفعما وقويا وباسلا وشجاعا اضطر غلاة الاستعمار وجنرالاتهم إلى الخروج من الجزائر مذلولين صاغرين على أيدي بطل اسمه الشعب الجزائري وتحت راية جبهة التحرير، إلا أنه مع ذلك ما زالت فرنسا هي نفسها لم تغير جلدها الاستعماري، رغم مرور 48 سنة على استعادة الجزائر لسيادتها واستقلالها الوطني، وما يزال التفكير الكولونيالي يتحكم في ساستها وفي نخبتها التي تتخفى وراء حقوق الإنسان والحريات حتى لا يظهر الوجه القبيح الذي ظهرت بعض ملامحه في قانون تمجيد الاستعمار. لقد أسقط فيلم '' الخارجون عن القانون '' كل الأقنعة وأزال كل أنواع مساحيق '' الماكياج ''، وكشف أن فرنسا لا ترفض فقط حذو الطريق الذي سلكته ايطاليا التي اعترفت بجرائمها في حق الشعب الليبي وقدمت الاعتذار والتعويض، بل ولا تريد حتى من يذكرها بما ارتكبته طيلة 130 سنة في حق الجزائريين، من حرب إبادة لم تفعلها، كما قال رئيس الجمهورية ذات مرة، حتى النازية، وهو ما يعني أن فرنسا اليوم مثل الأمس، لا تزال تنظر للجزائريين على أنهم '' فئران تجارب '' استخدموا لقياس مدى فعالية آليتها الحربية والعسكرية والعنصرية وما إلى ذلك من الأوصاف والنعوت التي تعرض لها الشعب الجزائري من 1830 إلى .1962 وبالرغم من أن صور فيلم '' الخارجون على القانون '' لا تمثل حسب من عايشوا المرحلة سوى نقطة من بحر المعاناة التي قاساها الجزائريون على أيدي المستدمرين وغلاة الكولون والحركى والأقدام السوداء، إلا أنه مع ذلك ثارت فرنسا من يسارها إلى أقصى يمينها على الفيلم وصاحبه، وفي ذلك أكثر من دليل على أن ما خفي من جرائمها أعظم بكثير مما استطاعت أن تلتقطه عدسات التصوير أو تعيد تصويره . لقد رأت فرنسا الرسمية في هذا الفيلم إحياء لماضي يريد قصر الاليزيه العمل كل ما في وسعه لدفنه أو طمسه، ولعل عدم تمكين الجزائريين من أرشيفهم المهرب سوى جزء من العملية. لكن لما يحدث مجرد فيلم كل ردود الفعل هذه، فهذا معناه أن ساعة الحقيقة قد اقتربت ومثلما خرجت فرنسا ذليلة من الجزائر مثلما ستقدم الاعتذار وهي صاغرة صغيرة، وإن غدا لناظره قريب.