تعاني الأسر الجزائرية، منذ عدة سنوات، كابوسا اسمه اختطاف الأطفال، حالات من الرعب نتيجة سلسلة حالات الاختطافات التي طالت فلذات أكبادهم. هذه الظاهرة التي طالما اعتبرناها غريبة ودخيلة على مجتمعنا عادت بقوة إلى واجهة الجرائم واكتسحت الشارع الجزائري مؤخرا، أصبحنا نسمعها ونتعايش مع وقائعها عبر مختلف الوسائل الإعلامية ومع التقارير الأمنية التي ركزت مؤخرا على ظاهرة الاختطاف. البدايات كانت على وقع حادثة اختطاف الطفل ياسين بوشلوح من أمام منزله الواقع ببلدية برج الكيفان شرق العاصمة الجزائر، والتي تعود الى عام ,2008 وهي القضية التي لم تتمكن مصالح الأمن من فك شفراتها أو معرفة لغز الطفل المختفي بسرعة، رغم تكثيف عمليات البحث والتحري. لكن بعد ذلك وجد الطفل ياسين صاحب الأربع سنوات مرميا ببئر بعيدة عن الحي وظهرت حقيقة اختطافه من طرف بعض الحشاشين في الحي. وتحولت قصة الطفل ياسين إلى قضية وطنية، بعد أن كثف والداه من عمليات البحث وتوجيه النداءات إلى المواطنين وحتى إلى الخاطفين، وكذا مشاهدة مرور أم ياسين مرتين في الحصة التلفزيونية ''وكل شيء ممكن''، الخاصة بالبحث في فائدة العائلات، حيث ظهرت وهي تترجى الخاطفين إطلاق سراحه على أن تمنح لهم كل ما يريدون، كما عمدت عائلة ياسين أيضا إلى إلصاق صورة طفلها المختفي عبر كل جدران العاصمة، في الساحات العمومية وفي الشوارع الرئيسية وفي مدخل كل المحلات التجارية، وعلى صفحات معظم الجرائد وفي المواقع الرسمية على الانترنت للشرطة الجزائرية، أملا في الحصول على أدنى معلومة، هذه الحالة التي عايشها الأولياء زادت من قلقهم على أبنائهم، فأضحوا يصطحبون الصغار منهم إلى المدارس خوفا من الاختطاف والاغتصاب. عصابات مختصة في الاختطاف تنشط عبر الوطن بهدف المساومة المادية لم تكن جرائم خطف الأطفال وليدة هذا العصر، فقد بدأت منذ زمان، وإن كانت بداياتها لأسباب شخصية، بدافع الغيرة مثلا أو للحصول على ميراث أوما شابه، والآن تمتلئ الصحف والجدران بأخبار اختطاف الأطفال واكتشاف عصابات ومنظمات تدير مثل هذه العمليات بأجندات وأهداف مختلفة ليس منها بالطبع مصلحة الطفل المختطف. وفي هذا الشأن وقفت مصالح الدرك الوطني خلال خمسة أشهر الأولى من السنة الجارية، على معالجة العديد من هذه القضايا عبر ربوع الوطن، بعدما أصبح عديمو الضمير يستغلون هذه الفئة لتشكيل عصابات أشرار لخطفهم، ومساومة أوليائهم وتهديدهم بالقتل وليجبرونهم بالمقابل على تقديم فدية لهم قيمتها المالية تفوق الخيال دون التفريق بين المواطن البسيط والغني. في إطار محاربة الجريمة بشتى أنواعها، وبفضل المخطط الأمني الموضوع والتواجد الفعلي، والانتشار الجيد لوحدات المجموعة الولائية في الميدان، كشف لنا العقيد طيبي مصطفى قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني بالجزائر، على وقع حادثة اختطاف ابن أحد أثرياء الدويرة، والعائلات الهامة فيها، حيث تم استدراج الطفل الضحية من طرف العصابة المختطفة إلى مكان مهجور والإجهاز عليه، ثم الاتصال بعائلته ومساومتهم بطلب فدية قدرها 250 مليون سنتيم، لكن التحريات التي قامت بها وحدات الكتيبة الإقليمية بالدويرة، مكنتهم في ظرف قياسي من حل لغز هذه الجريمة. كما تم توقيف الفاعل بالاعتماد على الطرق الحديثة في التحري والاستغلال الجيد لوسائل الاتصال، كما اتضح لنا من خلال تقرير أجهزة الأمن أن الجاني كان يعمل في وكالة عقارية يملكها صهره، وتم عرضه على الجهات القضائية التي أمرت بإيداعه الحبس الاحتياطي، كما تم استرجاع مبلغ مالي قدره 130 مليون سنتيم، وجميع الأدوات التي استعملت في الجريمة، واعترف الجاني بشأن الجريمة الشنيعة أن الهدف الرئيسي منها هو الحصول على المال، بسبب الديون المتراكمة عليه، وكذا معرفته الجيدة لعائلة الضحية بحكم توسطه في عملية بيع عقار ملك للعائلة بقيمة مالية قدرها 09 ملايير سنتيم. في هذا الإطار تمكنت مصالح الأمن من تفكيك 47 عصابة إجرامية، منها 18 عصابة مختصة في السرقات بمختلف أنواعها، 11 عصابة مختصة في الاعتداءات الجسدية على الأشخاص والسطو على المنازل، 05 عصابات مختصة في التزوير واستعمال المزور و13 عصابة مختصة في بيع وحيازة واستهلاك المخدرات، تم خلالها توقيف 357 شخص قدموا أمام الجهات القضائية المختصة حيث أودع 271 شخص الحبس الاحتياطي، وسلمت استدعاءات مباشرة ل 86 شخصا للمثول أمام القضاء. بعد تعرض عدد من القاصرات إلى الاختطاف والاغتصاب.. مصالح الأمن تكثف دورياتها بشرق البلاد مسلسل الاختطاف لم يقتصر على المدن الوسطى، بل وصل على المدن الشرقية، فالفتيات القاصرات الشرقيات تعرضن إلى سلسلة الاختطافات، بتحويلهن إلى أماكن مهجورة ومجهولة، ليتم اغتصابهن بطريقة وحشية ومخيفة للغاية من قبل أفراد العصابة، إذ لم يعد يمر أسبوع واحد، من دون أن تسجل المصالح الأمنية من درك أو شرطة، عبر إقليم ولايات شرق البلاد، حادثة من هذا النوع، هذه القضية أخذت أبعادا خطيرة، عندما أصبح مرتكبوها من شريحة المراهقين الذين لا تتجاوز أعمارهم 20 سنة في أغلب الأحيان، يقومون بخطف القاصرات تلميذات من الطور الابتدائي والمتوسط والثانوي دون سن السادسة عشرة. ففي شهر مارس الفارط أوقفت المصالح الأمنية لولايتي الطارف وعنابة، عدة قضايا من هذا النوع، إذ سجل اختطاف فتيات قاصرات من قبل مراهقين، قاموا بممارسة فاحشة الزنا في حقهن، راحت ضحيتها 5 فتيات قاصرات تعرضن للاغتصاب بصورة وحشية، بكل من بلديات بن مهيدي والبسباس والشط، وكلها بلديات محسوبة على عنابة رغم وجودها في ولاية الطارف، وهي الحالات التي نجحت مصالح الأمن وكذا عناصر الدرك، في تفكيك شفرتها والإطاحة بالمتورطين فيها، وهم مراهقون في العشرينيات من العمر، وبمنطقة من سيدي عمار بعنابة، نجحت مصالح الأمن في وضع يدها على مختطفي أربع فتيات قاصرات. وبولاية قسنطينة في المدينةالجديدة علي منجلي، تم أيضا تسجيل حادثة اختطاف غريبة، حيث تم استدراج شابة ذات العشرين ربيعا، وبمجرد محاولتها معرفة من طلبها وكان يقود سيارة غولف داكنة اللون حتى جرها بقوة وأدخلها السيارة التي كان بها شخص آخر، واختفت المخطوفة عن الأنظار. ونجت طالبة جامعية بذات المدينةالجديدة من محاولة اختطاف عندما كانت عائدة مساء إلى غرفتها بالإقامة الجامعية حيث حاول رجلان إقناعها بامتطاء سيارة رباعية الدفع لأجل التحدث معها، وعندما امتنعت حاول جرها ففلتت بأعجوبة دون أن تعرف هوية الفاعلين.. أما في ولاية سطيف فقد تحولت رحلة استجمام قادت تلميذات إلى الموقع الأثري جميلة إلى كابوس حقيقي لعائلة إحداهن حيث افتقدنها على مدار 24 ساعة، ليتبين أنها ضحية اختطاف وحشي من ثلاثة شبان قاموا بتهديدها بالخناجر وجروها بالقوة نحو الغابة المجاورة للمكان الأثري وتداولوا عليها في بيت مهجور بالقوة والتهديد، وتم تحرير الطفلة التي لم يزد عمرها عن 16 عاما في حالة نفسية وبدنية في منتهى التعقيد، وتم القبض على شابين من الخاطفين وبقي الثالث في حالة فرار، وهي الحادثة التي هزت الولاية وأعادت إلى الأذهان ما عاشته ولاية سطيف من اختطاف للأطفال منذ ثلاث سنوات وكان الهدف في ذلك الوقت طلب الفدية، لكنها الآن من أجل المتعة السادية فقط. الأرقام الرسمية تنذر بالكارثة .. ومصالح الأمن تتصدى للظاهرة' أشارت أرقام رسمية إلى أنه في سنة ,2000 تم تسجيل 28 حالة اختطاف خلال شهر واحد، كما تم الاعتداء أو قتل 367 طفل، واختفاء 841 طفل ما بين 2001 وبداية سنة 2002 تتراوح أعمارهم ما بين 4 و16 سنة، وأحصت أكبر نسبة سنة 2002 باختطاف 117 طفل من بينهم 71 طفلة، ليرتفع عدد المختطفين في 2004 حيث بلغ 168 طفل. عمليات الخطف عادة ما تقوم بها شبكات إجرام منظمة، تطلب فدية من عائلة الطفل، مقابل تسليمه في المناطق المهجورة، وقد شهدت عمليات اختطاف أخرى نهايات مأساوية، كاغتصاب الأطفال ثم قتلهم ورميهم، وهناك من تعرضوا للاغتصاب ثم أعيدوا، حيث تم تسجيل حوالي 20 حالة اختطاف من هذا القبيل عام ,2008 وسجلت مصالح الشرطة حالات الاختطاف هذه في المدن الكبرى وتأتي في مقدمتها الجزائر العاصمة ووهران وعنابة. وفي سنة 2007 تشير إحصاءات الشرطة إلى حدوث 632 اعتداء، بينما وصلت حصيلة فرضية الخطف والاغتصاب إلى 1546 حالة، ومعظم الواقفين وراء هذه الحالات لم يكونوا غرباء عن الطفل، بل غالبا ما يكونون من أقاربهم. خياطي يؤكد ضلوع شبكة يهودية في قضايا خطف أطفال الجزائر كشف البروفيسور خياطي مصطفى، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، أن اختطاف الأطفال أصبح ظاهرة يومية في الجزائر. وأن الشارع الجزائري انتابته العام الماضي حالة من الخوف بسبب انتشار ظاهرة اختطاف الأطفال من أمام أبواب المدارس وفي الحدائق وحتى العمارات، وتفاعلت صحف الجزائر مع الأمر حيث خصصت مساحات معتبرة لأخبار الاختطافات. وحسب المعلومات التي يحوز عليها الدكتور خياطي والتي صرح بها لموقع ''العربية نت''، فإن ''التحريات الأولى تتحدث عن شبكة عالمية تستهدف بالدرجة الأولى الفلسطينيين والمغاربة، وكل الجهات التي يوجد بها نفوذ للجالية اليهودية، وهو ما يعني الإمكانات المالية والعناصر النشطة سواء أكانت يهودية أو غير ذلك''. ويضيف خياطي، الذي يتابع الملف عن قرب مع الجهات المعنية، أن ''المحققين كانوا يتساءلون عن سر اختطاف الأطفال الجزائريين نحو الجهة الغربية للبلاد باتجاه المغرب رغم أن المنطقة الحدودية لا تتوافر على قدرات طبية في زراعة الأعضاء''. لكن الغموض زال بعد توقيف شبكة دولية يقودها اليهودي ليفي، ووصول معلومات عن وجود ضحايا جزائريين تم اختطافهم وترحيلهم عبر المغرب. وعادت ظاهرة خطف الأطفال إلى الواجهة بعد أن اختفت منذ 15 سنة شهدت وقتها الجزائر أعمال خطف ومتاجرة في الأعضاء، حيث تم اكتشاف شبكة تمتد خيوطها حتى ألمانيا وتركيا، تقوم بالمتاجرة بكلى الأطفال مقابل الحصول على سيارة أو مبلغ يعادل 10 آلاف يورو حالياً. وكان الاتفاق، حسب البروفيسور خياطي، ترحيل الأطفال إلى عيادات بالخارج لنزع الكلية على أن يتم إرسال السيارة أو مبلغ المال بعد عودة الضحية. ف. ن