من قال إن الرياضة هي عامل للتقريب بين الشعوب ومناسبة للتعريف بثقافات الأمم فهو لم يذكر سوى جانبا من الحقيقة وترك الجزء الأهم في خانة ''سري للغاية''. ولا يهم من قال هذا الكلام سواء كان جوزيف بلاتير أو بان كيمون الأمين العام الأممي أو المستشارة الألمانية أنجيلا ماركيل أو حتى الرئيس باراك أوباما أو الأسطورة نيلسون مانديلا، فالعرس الكروي العالمي لم يعد محطة لالتقاء عمالقة ''الفوتبول'' من القارات ال 5 بقدر ما تحول إلى موعد ''للتبزنيس'' وإلى بنك عالمي لجمع الأموال ولو على حساب الدول الفقيرة التي طولبت مثل غيرها من الدول الثمانية الكبار في العالم بدفع مستحقات النقل التلفزيوني وإلا لن تشاهد المونديال، وهو ما وقع بالفعل لأغلبية شعوب دول الجنوب، ولهذا توقعت ''الفيفا'' أن تجني لوحدها ما يعادل 3.3 مليار دولار من كأس العالم ,2010 من إيرادات الدعاية والإعلانات وحقوق البث وغيرها المدفوعة من قبل 6 شركات عالمية هي الراعي الرسمي للحدث المونديالي. لكن الأهم من ذلك أن الشركات الراعية ل''الفيفا'' في مونديال جنوب إفريقيا الذي شاهده أزيد من 28 مليار شخص، يتوقع لها أن تحقق رقم مبيعات لمنتوجاتها ما يعادل مدخول دول منظمة الأوبيك مجتمعة، أي ما يفوق 500 مليار دولار، وهو ما يجعل شركة جوزيف بلاتير ''الفيفا'' تتحول إلى شركة ''قادرة''، بفضل أرجل رياضيي الشوارع الفقيرة في البرازيل وفي بيونس أيرس وفي سويطو وفي غانا ونيجيريا والجزائر، إلى إمبراطورية لا تقف معها لا بورصة نيويورك ولا شنغهاي ولا طوكيو ولا لندن. وعندما تصبح دول الأوبك لا وزن لها أمام إمبراطورية اسمها ''الفيفا'' ولا تساوي مدا خيلها مجتمعه مع ما تستخرجه هذه الأخيرة من المستطيل الأخضر فقط من خلال جمع 32 فريقا لكرة القدم متأهل للمونديال، فما الذي يمنع شركة جوزيف بلاتير من إشهار البطاقة الحمراء في وجه دولة مثل فرنسا تملك حق ''الفيتو'' في مجلس الأمة، أو ضد نيجيريا، وهي أكبر دولة في إفريقيا من حيث السكان، وتحذر مسؤوليها من مغبة التدخل في شؤون الكرة حتى في داخل بلدها وتعلن صراحة عدم الاعتراف بقرارات رؤساءها العقابية في حق فرقهم الرياضية. لم تعد قوة الردع في يد بان كيمون ولا لدى باراك أوباما بل تحول بلاتير بفضل كرة ''منفوخة بالريح'' إلى أقوى زعيم في العالم لا يعصى له أمر وهو يأمر وما على الآخرين سوى السمع والطاعة، لسبب بسيط أن الكرة لم تعد كما كانت متعة الشعوب، بل قناة لضخ الدولارات.