''فال يا فلفال يا فاتح سبع قفال''، ''باسم الله بديت ..وعلى النبي صليت ''، بمثل هذه الجمل تكون الإنطلاقة في عالم سرد البوقالات خلال السهرات الرمضانية، فبالرغم من مرور الزمن لا تزال العائلات الجزائرية محافظة على هذا الموروث الثقافي، حيث تعتبرها وسيلة للتسلية و الترفيه وسط قعدات الأحباب والخلان الذين تزين أباريق الشاي والحلويات مائدتهم، وكلهم جو من المرح واللهو يمتد إلى ساعات متأخرة من الليل . تتميز السهرات الرمضانية عند العائلات الجزائرية بضرورة حضور البوقالات كنوع من التسلية وكطريقة لتمضية أوقات تضفي جوا من السمر، فحول مائدة الشاي التي يعبقها منظر الحلويات الشرقية من كل نوع كالزلابية، قلب اللوز، البقلاوة ومقروط اللوز وغيرها من الأصناف التي تمنح حلاوة لشهر رمضان الكريم، تزيد حلاوته بالتئام شمل النسوة من الأهل والأقارب من أجل التسابق لمعرفة فألهن من خلال قراءة تلك البوقالات بأسلوب شيق و مثير للفضول ، وتعتبر هذه القعدات من العادات التي لم تتخل عنها النساء الجزائريات إلى اليوم، وهذا حتى في ظل التطور الحاصل في الآراء والمعتقدات التي صار يطغى عليها تفكير الثقافة الغربية ، حيث تتمسك بها أغلب الشابات اللواتي يردن معرفة حظوظهن في مجال إيجاد فارس أحلامهن عن طريق التدقيق في معانيها، والتي كثيرا ما تكون حاضرة في مختلف المناسبات من خطوبة وزواج وغيرها من الأفراح، فقراءة البوقالات هي لعبة لطالما إقترنت بالعائلات العاصمية حيث كانت النسوة يجتمعن في وسط الدار بالقصبة العتيقة مباشرة بعد الإفطار ويتفنن في سرد تلك المعاني التي تبعث على السرور وترسم البهجة عند الشابات . البوقالة ..رحلة في عالم الشعر الشعبي ''شجرة على طرف البير و أعرافها دلايا، يما شفت الطير وجهو كي المرايا، عليه القعاد تسير وعليه نطوي ثنايا '' ،''الناس تنده بالرجال والوالي ، وأنا ننده بربي العالي'' وأمثلتها كثيرة فالمتمعن في البوقالات يلاحظ بأنها عبارة عن شعر شعبي يعبر عن وجدان إنساني أو بطريقة أعم هو ''فال'' تلجأ إليه النساء ولأن السهرات الرمضانية هي فسحة للهو، فإنهن يجدن في هذه اللعبة وسيلة للترويح عن أنفسهن ولها قاعدة تنبني عليها، وفي هذا الشأن تروي لنا الحاجة ''حورية'' وهي من النساء اللواتي كن متعودات على لعبها في الماضي، فبالنسبة إليها فإنها تعتبرها لعبة جميلة جدا وممتعة، وهي جزائرية قديمة من التراث الجزائري وتلعب في المناسبات الخاصة كسهرات رمضان و الأعياد مثل عاشوراء، حيث كانت السيدات والعجائز والبنات الشابات يجلبن إناء من الفخار الذي يسمى ب ''البوقال'' مملوء بالماء، وكل واحدة تضع في البوقال خاتمها الخاص لترتديه دائما، أما العجائز فيقمن بتحضير البوقالة، وبعد ذلك تقوم الشابات بعقد نية سماع البوقالة على شخص ما، وهذا يتم بأن تمسك بجزء من خمارها أو تنورتها أو أي قطعة قماش أمامها، وتصنع منها عقدة صغيرة مرة واحدة، قبل أن تفتح هذه العقدة بعد الاستماع إلى البوقالة، والكشف إن أرادت عن إسم الشخص الذي نوت عليه هذا الفال. بعدما تعقد كل بنت نية سماع البوقالة تقوم إحدى العجائز بقول بوقالة وكل البنات مصغيات فإذا كانت البوقالة جميلة وفالها حلوا تجد كل الفتيات متشوقات حتى يعرفن المزيد منها من صاحبة البوقالة الجميلة، وكل وحدة تتمنى أن تكون هي صاحبتها ، وإذا كانت البوقالة ذات فأل سيئ أو حزين فتجد كل واحدة خائفة من أن تكون هي صاحبة البوقالة الموالية . ومن بين هذه البوقالات الجميلة التي تختم بها حتى تكون كفأل حسن علينا خلال الشهر الفضيل نذكر منها ''لو كان السعود تنغرس بالعود نغرس ميات عود في وطيّة ، لكن السعود بيدّك يا معبود يا سقام السعود سقم لي سعدي '' و أيضا '' كلام على كلام و الكلام على سقيلة ، العين في العين و الدّعوة مقبولة.