قدم، أول أمس، رئيس تحرير مجلة ''الحداثة'' وأمين عام حلقة الحوار الثقافي في لبنان، الكاتب صالح فرحان، بمكتبة الشباب بالجزائر، محاضرة تمحور موضوعها حول ''مقاربات الثقافة العربية''، ركز من خلالها على المراحل التي مرت بها اللغة العربية عبر العصور وانتشارها من خلال قوة العرب المسلمين وعقيدتهم. تطرق الكاتب والناشر اللبناني صالح فرحان، خلال محاضرته، إلى موضوع اللغة العربية كلغة وحضارة صبت في مجراها العديد من الروافد الحضارية العالمية، حيث كانت اللغة العربية تابعة لوساطة حضارات وكانت السائدة والمهيمنة قبل الإسلام وساعدت بعد ظهوره على انتشاره في مختلف قارات العالم، وهي تعتبر اللغة الوسيطة من الناحية الثقافية والدينية بين الشعوب. كما تحدث فرحان عن موضوع ربط التراث العربي بظهور الإسلام في القرن السادس ميلادي وهذا، حسبه، يعني الفقدان والتخلي عن التراث المنتمي الى ما قبل الإسلام وعدم اعتباره من المقومات التاريخية والحضارية التي أتى بها العرب المسلمون وأنه يعني أن الوجود العربي بدأ مع الإسلام، حيث لا تاريخ للعرب قبل ذلك، هذا الرأي العدمي يقول فرحان ما هو إلا وصمة دينية وأخلاقية سلبية بحق الشعوب ومنجزاتها بل أيضا في حق الأديان التي يعترف بها القرآن الذي هو خاتمة لها وتتمة. وأكد فرحان صالح، في سياق حديثه، أن هناك من يحاول تكريس هذا الاتجاه بهدف الوصول الى تدجين مجتمع ذي عقلية لا تاريخية تعيش اجتزاء للأسس التاريخية التي بنى الإسلام ثورته انطلاقا منها لا خروجا عنها أي خروجه من دائرته الاجتماعية التاريخية ومن القاعدة الأساسية لتكوينه القومي العربي وبما بشرت به الدعوة الإسلامية ودعاتها من العرب الموجودين في التاريخ الذين عرفوا الإسلام من خلال عروبتهم الثقافية والاجتماعية الممتدة تاريخيا، وهي اللغة المتداولة التي نزل بها الوحي القرآني وعرف بها الإسلام وانتشر وتوسع، لتصبح العربية وسيطة بين العرب وغيرهم من الشعوب المتعددة في لغاتها وثقافتها وحركية مجتمعها. وبالمناسبة دعا فرحان صالح إلى إعادة التفكير بمفاهيم الماضي التي تربط ظهور التراث العربي بظهور الإسلام، لأن التراث الثقافي والسياسي والاجتماعي، حسبه، لم يكن تراثا دينيا خالصا بل كان ملخصا لحالات شغل في حركة الحياة، مشيرا إلى أن هذا الاختلاف وهذه التناقضات هي سبب العداء وتكثيف الأخطاء التي تقع فيها مجتمعاتنا العربية اليوم. للإشارة فإن فرحان صالح يعد من بين من لعبوا دورا مهما لنشر الثقافة وخدمتها، بدءا من تأسيس دار نشر الحداثة في عام 1978ومرورا باهتماماته في نشر الأدب الشعبي والتأكيد على خصوصيته، ما دفعه إلى إصدار مجلة فصلية ''الحداثة'' ترفع شعار ''ذاكرة الناس''، وفي التسعينيات أسس مع آخرين رابطة ثقافية، حملت اسم ''حركة الحوار الثقافي''، كما شارك في بلورة الهيئة التأسيسية للفلكلور التي تهتم بحماية التراث الشعبي العربي.