تنازلت العديد من الأمهات الجزائريات في الآونة الأخيرة عن وظيفتهن الطبيعية والفطرية، والمتمثلة في تربية الأولاد ومرافقتهم في كل مراحل نموهم، بسبب خروجهن إلى العمل بشكل يومي، مما فسح المجال لظهور المربيات أو بالأحرى بدائل الأمهات، اللواتي أصبحن يتكفلن بالأولاد أثناء فترة عمل الأم الحقيقية. بالرغم من الآثار السلبية المتمثلة في الحرمان العاطفي ومختلف المشاكل الصحية التي يتعرض لها عدد من الأطفال بسبب الانفصال المبكر عن الأم، وكذا المعاملة السيئة التي يتلقونها من طرف بعض المربيات، إلا أن هذه الظاهرة باتت تعرف منحى تصاعديا، حيث أصبحت مهنة تحترفها الماكثات بالبيت لتأمين دخل يواجهن به ظروف الحياة الصعبة. يفرض تأمين العيش على الزوجة في الوقت الحالي خروجها إلى العمل لمساعدة زوجها، وذلك خاصة بالنظر إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع تكاليف وأعباء الحياة، في المقابل فإن هذا الأمر جعلها تضطر إلى ترك أطفالها لدى المربية التي باتت البديل المتوفر أثناء ساعات عمل الأم الطويلة، والتي أصبحت بدورها تبحث عن مصدر رزق يؤمن لها راحة مادية أكبر، من خلال العناية بعدد لا باس به من الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم عادة الخمس سنوات. لتخفيف ضغط الأعباء المادية انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة ترك الأمهات لأطفالهن لدى المربيات اللواتي أصبحن البديل المتوفر للأم العاملة التي تقضي جل أوقاتها خارج المنزل، في إطار أدائها لالتزاماتها الوظيفية. في حين يبقى الطفل عند هذه المربية طوال اليوم، تتولى مهمة الاعتناء به مقابل أجر مادي تتقاضاه. وقد لجأت كثير من النساء الماكثات بالبيت إلى احتراف هذه المهنة التي لم نكن لنسمع بها بالعودة إلى سنوات مضت بهدف تقاسم أعباء المصاريف، وذلك في ظل تدني القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة من أصحاب الدخل البسيط والمتواضع، فتحولت بذلك شقق هذه السيدات إلى دور حضانة مصغرة تجمع أعدادا متفاوتة من الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم عادة الخمس سنوات. وفي سؤالنا لبعض المربيات اللواتي يستقبلن يوميا الأطفال، عن سبب امتهانهن لهذا العمل، أجابتنا السيدة ''سعاد'' أن المشاكل المادية التي تتخبط فيها هي وعائلتها خاصة من ناحية الديون التي تراكمت عليها، كانت السبب الرئيسي لاختيارها الاعتناء بالأطفال، وذلك من أجل مساعدة زوجها على قضاء هذه الديون. في حين حدثتنا السيدة ''حورية'' أنها أم لأربعة أيتام ونتيجة لكونها لا تحمل أي شهادة تخو للها العمل خارج المنزل فقد فضلت مهنة المربية، ما يضمن لها- على حد تعبيرها- مصروفا تعيل به أطفالها من جهة، وكذا بقاءها إلى جانبهم من جهة أخرى. والكفاءة معيار أساسي في اختيار المربية بات الأجر المادي الذي تبحث عنه المربيات مقابل العناية بالأطفال، سببا في غياب الحنان والعطف الكافيين اللذين يحتاجهما أي طفل أثناء المراحل الأولى من حياته. وباعتبار أن الكثير من المربيات غير مؤهلات للعناية بالأولاد، فإن الأخطار التي تتهدد هؤلاء أصبحت في تزايد مقلق، خاصة في ظل المعاملة القاسية التي يتلقونها من طرف بعضهن، ممن لا يهمهن سوى الأجر الذي ستتقاضاه نهاية كل شهر من طرف الأم الحاضرة الغائبة. وفي هذا السياق حذر الأخصائيون النفسانيون من أن غياب الوالدين عن البيت طوال النهار، وترك الأطفال للمربيات أو الوجود غير الكافي؛ يؤدي إلى اكتساب الطفل سلوكاً سلبياً، مقارنة مع الأطفال الذين يقضون وقتاً كافياً مع آبائهم وأمهاتهم، وهو ما توصلت اليه دراسة قام بها علماء النفس باستراليا تركزت على عينة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين سنتين وثلاث سنوات، حيث طرح الباحثون مجموعة من الأسئلة على أولياء الأطفال، تناولت كيفية استجابتهم في ظروف غير عادية، ومدى إصرارهم على ممارسة ومواصلة بعض النشاطات، وكذا الحالات التي أظهروا فيها الغضب، وبالتالي فإن أطفال الحضانة أو الذين ترعاهم المربيات، لديهم قابلية لاكتساب سلوك سيئ أكثر من غيرهم. إضافة إلى هذا فإن مشاكل التأتأة والانعزال والتراجع الدراسي التي تظهر على الأطفال متأخرا، سببها الإهمال والعنف الذي يتعرض له هؤلاء من طرف المربيات غير المؤهلات، ما يدعو إلى الحرص على اختيار مربية تكون على قدر من المسؤولية لضمان تكفل جيد بالأطفال وبالتالي مستقبل صحي وسليم.