أخرج أبو نعيم الحافظ بإسناده من حديث مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' أكثروا من ذكر هادم اللذات '' قلنا يا رسول الله : وما هادم اللذات ؟ قال : الموت '' . أخرج ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من الأنصار فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي المؤمنين أفضل؟ قال: '' أحسنهم خلقًا '' قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: '' أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لما بعده استعداداً، أولئك الأكياس ''. وأخرج الترمذي عن شداد بن أوس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم '' الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ '' . أكثروا ذكر الموت . فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا '' . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : '' قوله صلى الله عليه وسلم : '' أكثروا ذكر هادم اللذات الموت '' كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة، فإن من ذكَرَ الموت حقيقة ذكره نغّص عليه لذته الحاضرة، ومنعه من تمنيها في المستقبل، وزهّده فيما كان منها يؤمل ، ولكن النفوس الراكدة، والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعاظ . كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات : لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويودى المال والولد لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه والخلد قد حاولتْ عادٌ فما خلدوا ولا سليمان إذ تجري الرياح له والإنس والجن فيما بينها ترد أين الملوك التي كانت لعزته من كل أوب إليها وافد يفد ؟ احوض هنالك مورود بلا كذب لا بد من وروده يومًا كما وردوا يبقى الإله ويودى المال والولدوالخلد قد حاولتْ عادٌ فما خلدواوالإنس والجن فيما بينها تردمن كل أوب إليها وافد يفد ؟لا بد من وروده يومًا كما وردوا لا شيء مما ترى تبقى بشاشتهلم تغن عن هرمز يوماً خزائنهولا سليمان إذ تجري الرياح لهأين الملوك التي كانت لعزتهاحوض هنالك مورود بلا كذب يقول : '' والله لو أن لي طلاع-أي:ملء- الأرض ذهباً ، لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه ''. والمرء حال الموت أحد أمرين: صاحب الجنة، وصاحب النار، ففي الصحيحين من حديث عبادة عبد الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' إن المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، وأما صاحب النار الذي ختم له بسوء، فهو يبشر بها وهو في تلك الأهوال '' . وقد روي أن الملكين الموكلين بالعبد يتراءيان له عند الموت ، فإن كان صالحاً أثنيا عليه، وقالا: جزاك الله خيراً، وإن كان صحبهما بِشرٍّ ، قالا: لا جزاك الله خيراً . ويستحب لمن شارف على الموت أن يكون قلبه عامراً بحسن الظن بالله تعالى، ولسانه ناطقاً بالشهادة، فقد جاء في الحديث: '' لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ''، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل وهو يموت فقال: '' كيف نجدك؟ '' ، قال : أرجو الله، وأخاف ذنوبي، فقال: '' ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذه الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو ، وأمَّنه من الذي يخاف ''. تعالى وأنا أحسن الظن به. كما يستحب تلقين المحتضر: '' لا إله إلا الله ''، كما جاء في رواية الإمام مسلم: '' لقنوا موتاكم لا إله إلا الله '' . وروى المزني قال : '' دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت له : كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنئها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشأ يقول : ولما قسا قلبي وضاقت مذاهب جعلت الرجا مني بعفوك سلّما يتعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما ومازلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل ` تجود وتعفو منَّة وتكرُّما نسأل الله عفوه وجوده .