بإعلانه أمس، رسميا عن تعديل الدستور يكون الرئيس بوتفليقة قد كسر جدار الصمت وأنهى مسلسلا طويلا من الترقب والإنتظار دام أكثر من سنتين ، ظل يلازم الساحة السياسية بشأن هذا الموضوع منذ أن أعلن للشعب عن رغبته في تعديل الدستور في خطاب 4 جويلية 2006 بمبنى وزارة الدفاع الوطني . إعلان بوتفليقة الرسمي عن التعديل الدستوري جاء من مبنى المحكمة العليا وبمناسبة افتتاح السنة القضائية أمس. وآثر بوتفليقة أن يكون هذا التعديل جزئيا وعبر بوابة البرلمان وبالشكل الذي سيسمح بتحقيق التوزان المطلوب بين السلطات والمؤسسات الدستورية وتحقيق السلاسة في تسيير شؤون الدولة وفق الظروف والمستجدات الحالية. ورغم أن طريقة وشكل هذا التعديل الجزئي كانا منتظرين بحكم عدة معطيات موضوعية التي لا تسمح بإجراء تعديل جوهري وعميق يسمح بمعالجة التناقضات والإختلالات التي افرزها الدستور الحالي ، إلا أن بوتفليقة حرص على التأكيد على أن ذلك لا يعني تخليه عن رغبته التي مافتئ يعلن عنها منذ توليه زمام قصر المرادية في 1999 ، بخوصوص إجراء تعديل عميق الذي لا زال مؤجلا إلى وقت آخر وفق أولويات دستورية تبدأ حتما بمعالجة تداخل السلطات في الأطر العامة لتسيير الدولة لتدعم فيما بعد بتعديل عميق وعن طريف الاستفتاء الشعبي المباشر. وحتى المحاور الرئيسية التي سيرتكز عليها هذا التعديل ورغم محاولة البعض اختصارها في المادة 74 التي ظلت لصيقة بموضوع العهدة الثالثة، والتي ظلت هي الأخرى مطلبا سياسيا وجماهريا في آن واحد، جاءت مرتكزة على ثلاث محاور رئيسية أرادها بوتفليقة لتحقيق الاستقرار والفعالية والاستمرارية تتعلق الأولى بحماية رموز الثورة التحريرية باعتبارهم رموزا للجمهورية، وإنهاء الاختلال بين مؤسسات الدولة وكذا تمكين الشعب في اختيار من يحكمه بكل سيادة وديمقراطية . بوتفليقة قطع الشك باليقين وأنهى ترقبا جماهريا وسياسيا لهلال التعديل الدستوري بدأ رسميا منذ أن أعلن في خطاب له بمناسبة الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال بمبنى وزارة الدفاع الوطني في 4 جويلية 2006 ، واستمر قرابة العامين شهد خلالهما نقاشا موسعا وحملة مساندة واسعة جعلته يحقق شبه الإجماع في الساحة بطريقة لم يحظى بها أي تعديل من قبل بعد التفاف جل القوى السياسية والجمعوية الكبرى في البلاد حوله جاعلة منه ضرورة سياسية بدأت في التبلور أكثر مع مطلع الألفية الجديدة أين عرفت البلاد تحولات عميقة فرضت إعادة النظر في الوثيقة الأسمى في الدولة . ولعل انتقادات بوتفليقة المتكررة لدستور 1996 التي قال أنه لا يمكّنه من ممارسة كل صلاحياته الدستورية كرئيس للجمهورية منتخب من طرف الشعب، جعلت المراقبين يؤكدون على أن تعديل الدستور سيكون في صلب اهتمامات بوتفليقة خلال العهدة الأولى إلا أن رهان تحقيق الأمن وتجسيد الوئام المدني جعل الموضوع يكون دائما في خانة المؤجل، وفضل بوتفليقة التريث والانتظار إلى غاية أن تتبلور رؤية أوضح تمكن من إجراءه وفق ماهو منتظر منه ونفس الشيئ كان مع بداية العهدة الثانية ففي الوقت الذي ظل الجميع ينتظر إعلان بوتفليقة رسيما عن الموضوع اكتفى هذا الأخير بإبداء الرغبة في ذلك في جويلية 2006 وارتأى أن الظروف ليست مواتية لذلك رغم الدعوات الكثيرة لتحقيق المسعى ليستقر رأيه فيما بعد على تعديل جزئي طفيف عبر بوابة البرلمان ويبقى التعديل العميق في حكم المؤكد وعبر الاستفتاء الشعبي المباشر في وقت لاحق.