أصبحت أزمة التخلي عن البيع بالأسواق المغطاة من بين أهم المسائل المطروحة على مستوى أغلب بلديات العاصمة نظرا لما تشكله من تجاوزات على القانون، وتحايل الباعة على السلطات المحلية، وذلك بتفضيل التجار البيع خارج الأسواق المغطاة رغم توفير السلطات لجميع الشروط اللازمة لمزاولة نشاطهم التجاري في ظروف أكثر ملاءمة في مساحة كافية، في ظل توفر الإنارة والتهوية وغيرها من الامتيازات، إلا أن اللجوء إلى الشارع أصبح ''عقلية'' أو حيلة جديدة اهتدى إليها التجار لجلب أكبر قدر ممكن من الزبائن من خلال خفض الأسعار، لذا أصبحت الغاية تبرر الوسيلة وطغت المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والفوضى على النظام، وكل شيء على حساب النظافة والمحيط اللائق. ولدى قيامنا بجولتنا الميدانية التي قادتنا إلى بعض الأسواق المغطاة على مستوى العاصمة لاحظنا بعض التجاوزات التي تتراءى للناظر منذ الوهلة الأولى لقاصديها، فمداخل هذه الأسواق بلون وطعم آخر بعدما استغلها بعض التجار إضافة إلى الطفيليين الفوضويين، بغرض عرض سلعهم في إطار غير مشروع لا يحكمه أي قانون، خصوصا بالنظر إلى حجم الفوضى المنتشرة بأرجاء ومحيطات تلك الأسواق. سوق ''جامع ليهود'' بالقصبة مرادف ل ''الفوضى'' وجهتنا الأولى كانت سوق ''عمار علي'' بالقصبة بقلب العاصمة، المعروف بسوق ''جامع ليهود'' الذي تمت إعادة تهيئته سنة 2004 بشكل أكثر ملاءمة لممارسة النشاط التجاري، وذلك بعدما اشتكى التجار من الرطوبة الزائدة بداخله، والفوضى وكذا انعدام التهوية بهذا السوق الذي كان يقع آنذاك أسفل ساحة الشارع حسب ما صرح لنا الناطق الأول باسم المجلس الشعبي البلدي للقصبة عمر زطيلي في لقاء خص به يومية ''الحوار'' . ولذات الأمر عملت المصالح البلدية على إعادة بناء السوق من جديد على الساحة وذلك للقضاء على النقائص التي اشتكى منها التجار، وعلى إثر ذلك تم تخصيص أكثر من 20 طاولة للبيع بمساحات مختلفة حسب مطالب المستفيدين. إلا أن المشكل المطروح حاليا هو تخلي هؤلاء التجار عن طاولاتهم بالسوق وتفضيلهم مزاولة نشاطهم في الشارع، حيث يتسببون في تعطيل حركة المارة بسبب امتداد طاولات وشاحنات الخضر والفواكه على الأرصفة وحتى على قارعة الطريق، ناهيك عن تذمر أصحاب السيارات التي تتعطل بدورها خاصة عندما تحاول شاحنات الخضر والفواكه تزويد الباعة باللوازم الضرورية التي لا تجد مكانا للركن، فتضطر للتوقف وسط الشارع، الأمر الذي يثير تذمر وغضب المشاة، حيث أن أصحاب السيارات غالبا ما يدخلون في مشادات كلامية تخلف بدورها مشاجرات قد تنتهي بنتائج وخيمة حسب ما أكده لنا سكان الحي المذكور. هذا الوضع لا يكاد يختلف عما هو عليه الوضع ب ''مارشي ''12 وكذا أسواق المدنية التي اشتكى منها التجار في وقت سابق بسبب غياب أدنى شروط التهيئة بداخله. سعر الإيجار ورياضة القفز الطويل .. من 400 دج إلى 40 ألف دج وفيما يخص سعر كراء المساحة الخاصة بسوق الخضر والفواكه أكد ذات المتحدث أنها تتراوح بين 200 دج و 400 دج بسوق القصبة، ويضيف المتحدث أن المستفيدين من هذه الطاولات غالبا ما يقومون بكرائها للآخرين بسعر يتراوح ما بين 30 و40 ألف دج شهريا مقابل سعر الكراء الرمزي الذي يدفعه للبلدية. أما بخصوص أزمة هذه الفوضى وكيفية محاربتها، صرح عمر زطيلي أن القضاء على هذا الأمر ليس سهلا في ظل هذه التصرفات التي تتنافى مع السلوكيات العامة في المجتمع، إذ أصبح التاجر بمختلف الأسواق على مستوى العاصمة يفضل قصد الشارع بدلا من بقائه بالسوق رغم دفعه لثمن كراء المساحة المخصصة للبيع، في حين يستعمل الطاولة كمكان لتخزين سلعته بعد انتهاء ساعات العمل اليومية. وأضاف أن هذه الحيلة ما هي إلا وسيلة لجأ إليها التجار للتهرب من الضرائب، ودفع مستحقات الكراء خاصة بالنسبة للفوضويين الذين غالبا ما يشترون سلعهم بدون فواتير للهروب من المراقبة والضرائب، وهذا قد يأتي على صحة المواطن لانعدام مراقبة هذه السلع خاصة فيما يخص السلع سريعة التلف كمشتقات الحليب والمصبرات. من سوق للخضر إلى عقلية ''البازار'' المتردد على سوقي ''أحمد بوزرينة وعمار القامة'' المتواجدين على مستوى بلدية القصبة يلحظ التغيّر الجذري الذي طرأ على هذه الأسواق التي تحولت من أسواق لبيع الخضر والفواكه، الأسماك، اللحوم والبقول على حد قول عمر زطيلي، كما يجب أن يكون في كل الأسواق المغطاة، إلى أسواق بيع الملابس والقماش، وفي بعض الأحيان تتحول إلى محال لبيع الأواني والأدوات المنزلية وهذا شيء مؤسف للغاية، الأمر الذي قد نتج عنه اندثار هذا النوع من الأسواق على حد تعبيره. وعن هذه الأزمة التي فرضتها عقلية الربح السريع، أكد المصدر أن هذا التعديل قد طرأ منذ بداية التسعينيات وهذا بعد منح رؤساء البلدية السابقين على غرار البلديات الأخرى رخصا تسمح للمستفيدين بتعديل النشاط التجاري وذلك بتحويل الطاولة من بيع الخضر أو الفواكه إلى تجارة الملابس الجاهزة. إلا أن بلدية القصبة لم تمنح أية رخصة لتعديل النشاط التجاري منذ سنة 2002 وهذا لتفادي هذه الفوضى على حد قوله، كما أضاف أن عودة هذه المحال إلى نشاطها الأول حلم يصعب تحقيقه لأقدمية نشاطات هذه المحال التي يعود أمدها إلى تراكمات العهدات السابقة، لذا يصعب على السلطات البلدية حل هذا المشكلة. كلما جاء رئيس بلدية حمّل .. سابقه المسؤولية أوضح رئيس البلدية أن هذه المتاجر مجبرة على دفع الكراء الذي يتراوح بين 700 دج و 900 دج، بكل من سوق ''أحمد بوزرينة وعمار القامة'' رغم تحول نشاطها إلى بيع الملابس الجاهزة . كما أوضح في سياق مماثل أن البطالة وغلاء المعيشة هما السبب الأول في ارتفاع حجم التجارة الموازية، وعليه عملت البلدية على فتح سوقين للشباب البطال بساحة الشهداء، حيث يتم دفع 1500 دج لكراء المساحة الواحدة، إلا أن أصحابها غالبا ما يقومون بكرائها للآخرين بسعر يتراوح بين 15 و20 ألف دج للطاولة. وعن رخص الإيجار بهذه الأسواق أكد عمر زطيلي أنه تم إحضار خبير خاص سنة 1997 على مستوى المجلس البلدي لتقييم وضبط أملاك البلدية مع تحديد ثمن جديد لكراء هذه المساحات المتماشية مع تلك الفترة، إلا أن المسألة لقيت رفضا من قبل اتحاد التجار، زيادة على هذا فإن المجلس البلدي ذلك الوقت لم يقم بدوره على أكمل وجه لإنجاح المبادرة. ''الحيلة والتحايل'' شرارة مست أغلب أسواق العاصمة المتجول في معظم أسواق العاصمة يلحظ هذا التغير المفاجئ الذي حول طاولات الخضر والفواكه إلى محال للملابس الجاهزة والأواني المنزلية كما هو حال بعض متاجر سوق ''ميسوني'' الذي تحولت متاجره من محال للبقوليات إلى بيع الأقمشة والأواني والعطور، الأمر الذي تأسف منه بعض المواطنين الذين عادوا بمخيلتهم إلى صور ''سوق زمان'' أين كان كل شيء منظما وفي مكانه على حد تعبيرهم ، وأضاف جل المتسوقين الذين التقيناهم، أنه سيأتي يوم ستندثر فيه أسواق الخضر والفواكه بعدما ذاع صيت الأسواق الفوضوية، خاصة إذا ما تهاونت السلطات المحلية في ذات الأمر لكبح هذه التصرفات اللاقانونية والتي لقيت بدورها استحسانا لدى بعض المتحدثين اللذين وجدوا في بيع الخضر والفواكه تجارة أكل عليها الدهر وشرب. سوق ''مارشي ''12 الذي يعد من بين أكبر أسواق الحي الشعبي ببلكور يعاني نفس المشكلة، إلا أن تخلي التجار عن مهامهم الأصلية حال دون استغلال أغلب الطاولات التي بقيت فارغة والتي استخدمها التجار بذات المكان كمخازن لسلعهم. وحسب تصريح بعض الباعة بعين المكان فإن سبب هذا الفراغ يعود إلى توجه بعض التجار إلى التجارة الموازية، وهذا بعدما استقر بعض الفوضويين على مشارف السوق لمزاولة نشاطهم، وعليه اضطر بعضهم حسبهم إلى التخلي عن طاولاتهم بالسوق واللجوء إلى الشارع خاصة بعدما أصبح غالبية الزبائن يفضلون شراء تلك السلعة بسعر أقل من تلك التي تباع بها داخل السوق، وهذا لدفهم ثمن كراء الطاولة وكذا الضرائب، الأمر الذي أفرز نقصا في عدد الباعة بداخل الأسواق. و أضاف آخرون أن استحداث محال لبيع الخضر والفواكه في بعض أحياء العاصمة صار ضروريا بعدما منع التجار من بيع سلعهم على متن الشاحنات المتنقلة التي غالبا ما تعرقل حركة المرور، زيادة على إثارتها للفوضى بوسط الأحياء خاصة التي يصفها البعض بالراقية، وهذا راجع للدواعي الأمنية التي فرضت بالعاصمة وسط منذ حوالي سنتين، الأمر الذي أدى إلى نقص هذا النوع من تجارة الشاحنات. وفي هذا السياق صرح أحد بائعي الخضر والفواكه بوسط العاصمة أنه اضطر وغيره من الزملاء إلى تحويل نشاطهم التجاري بسبب تخلي الزبائن عن اقتناء سلعهم لغلائها حسبهم خاصة بعدما برزت الأسواق الفوضوية وذاع صيتها كسوق القصبة وباش جراح على حد قوله. ومن الأسواق ما ثبت.. أسواق لا تزال نماذج مثالية منذ تأسيسها رغم كل هذه الفوضى التي عرفت طريقها إلى أسواق العاصمة، منذ حوالي عشرية من الزمن، إلا أن هناك بعض الأسواق لاتزال إلى يومنا هذا نموذجا حيا للنظافة وجودة المنتوجات والطرق الجذابة في عرض وبيع السلع، ومن أهمها نذكر سوق ''كلوزال'' بالعاصمة و''علي ملاح'' بأول ماي اللذان لا زالا يحافظان على نمطهما الأول، كبيع الخضر والفواكه، اللحوم والأسماك والبقول، وعلى الرغم من وجود بعض التعديلات التي مست بعض الطاولات والتي تحولت مع الزمن إلى طاولات لبيع التوابل أو المكسرات إلا أن الأمر لا يوصف بالكارثي كما هو الشأن بالنسبة لباقي الأسواق. وبهذا الخصوص عبر العديد من الذين التقيناهم عن ارتياحهم لنظام هذه الأسواق التي بقيت على حالها بصفة عامة والتي تعطي للزبون صورة الأسواق كما كانت عليها في السابق. وفي سياق مماثل أوضح الباعة أن الإبقاء على هذا النظام يكمن في رغبة التجار في الحفاظ على نشاطهم من الزوال خاصة مع كثرة الباعة الفوضويين، كما أن العاصمة تعرف بعدم كثرة الأسواق المغطاة بها لذا من الضروري العمل على حماية الأسواق المغطاة لإبقائها على نظامها في العمل.